السبت، 28 سبتمبر 2013

ذُعـر

من شرفة منزلنا تناهى إلى أذناى صراخ أطفال من غرفة الطابق الثانى للمبنى المُقابل، لما انتبهت أكثر وأصخت السمع أكثر، علا الصراخ أكثر وأكثر، كأنهم فطنوا إلى وجود أذنين تستنجد بهما من الهول الواقع عليهم، اختلج قلبى، وقفت عند سور الشرفة وأنا أحاول أن أتصيد نظرة من هنا أو هناك.. لا رؤوس تظهر ولا حراك، لا شيء سوى الصراخ! هل يستخدموا الحضانة لتعذيب الأطفال؟!
زاد توترى، فكنت أمشى ذهابا وجيئة بعرض الشرفة، أحاول إيجاد حل لوقف هذه المذبحة، وكان صراخهم يعلو ويزداد، والشارع المنبسط خالٍ من المارة، هل اتفقوا جميعاً على قتلهم؟ لماذا لا ينقذهم أحد؟ هل أنا وحدى الذى ينتبه لصراخهم؟
ثم كانت تلك الصرخة المُفزعة التى أوقفت تفكيرى فاندفعت ونزلت الشارع الخالى وأخذت هاتفى معى.. ثم توجهت إلى المبنى- الطابق الثانى، حيث توجد الحضانة، توقفت أمام باب مغلق فى مواجهة باب مُشرع خرجت منه سيدة تبدو هادئة، سألتها وصوتى يمتليء بالتوتر والجزع: ماهذا الصراخ، وأين الأطفال؟ انتبهَت إلى تفكيرى، فلمعت عيناها وضحكت بهدوء: دول بيعيطوا لوحدهم كدا, محدش قربلهم، أصله أول يوم لهم فى الحضانة!
بعض الهدوء تسرب إلىّ، إلا أن الصراخ الذى سمعته من شرفتى وجدته هنا أكثر قُربا وهولاً، فطلبت منها مقابلة المشرفة للاطمئنان بنفسى فأشارت إلى الباب المغلق المواجه، فطرقت عليه، ودخلت، وجدت فتاة جالسة على المكتب قابلتنى بابتسامة، فسألتها مباشرة: ما هذا الصراخ؟
فأجابت أيضا مُبتسمة بأن الأطفال مذعورون من يومهم الأول فى الحضانة، لا أكثر، فطلبت منها أن أراهم (ولا أعرف لماذا تذكّرت لجان تفتيش الأمم المتحدة فى تلك اللحظة) .. دخلت الغرفة ووجدت طفلين ملتصقين بالحائط وأبواق الهول والذعر تُطلق صراخهم من رؤوسعم، لايرون شيئا من دموعهم المنهمرة، وطعم الملح فى أفواههم الفاغرة المتصلة بمخاط أنوفهم... بينما بقية الأطفال يلعبون فى الغرفة الواسعة، لا يبالون، ينزلقون على المزالج، يتداعبون، يقفزون.. حاولت عبثاً أن أهديء من روع الطفلين، إلا أن ذعرهم كان أعظم.. التفتُّ إلى المشرفة التى كانت تبتسم وشرحت لها كيف كان صراخم من شرفة منزلنا والذى لم أسمعه من قبل، فتفهمت وأومأت: يومهم الأول..

اعتذرت لها وخرجت..

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

لَــيْـــل.. نصٌ سيريالىّ مكتشف حديثاً تحت عجلات سيرفيس المحطة

لَــيْـــل

السرفيس متوقف. فى آخره يختلى عاشق بمحبوبته، تتحرك شفتاه باستمرار ناظراً إلى عينيها، غارقا فيهما، وحبيبته تبتسم فى خجل لكنها بدت مستمتعة، أرادت المزيد، وهو أيضا أراد..

السائق متذمرا، السيرفيس ليس به إلا أربعة ركاب، الكمثرى فى الخارج ينادى على القادمين، لم يكن يرى سوى أشباح تلوح فى الظلام.. لكنه أبدا لم ييأس.

أحد الركاب كان جالسا بجوار السائق، وكان ملتحياً، يكلم الكمثرى من النافذة بعدما نفذ صبره من الانتظار:

- توكل على الله وانطلق، وفى الطريق يأتى الرزق. احمد الله.

ثم قال السائق فى دهشة:

- ماذا قلت ياشيخ؟ ألم يحمد الله؟! ، (صائحاً) أنت يا ابن العاهرة لم تحمد الله! وماذا سيفيدنا الرزق إن لم نشكر. كان الشيخ ينظر إليه مستمعاً.

تمتم بحيث أن الشيخ استطاع أن يسمعه:

- قلت لأبيه أن ابنك لن يفلح وطلب منى أن أعلمه القيادة، لكنى صحت فى وجهه: القيادة لها أصول وابنك لم يتعلم الأصول، والحق أقول ياشيخ أن الرجل غضب لكنه لم يبد أى انفعال لأنه يعرف إنى من سأعلمه المهنة، لكنى أخبرتهم أن الولد خُلِق ليكون كمْثريا لا ليكون سائقا، والآن.. الآن لا يحمد الله، أنا أعرف أنه أحمق.. أتعرف يا شيخ؛ أنا أحمد الله كثيرا لكنك على الأرجح لم تسمعنى.
ثم فجأة صرخ ليمرق صوته من النافذة ليصل إلى الكمثرى- كان جالسا يلوح للأشباح لتركب:

- تعالى يا بن العاهرة. ونحمد الله على هذا العدد اليوم!

- ماذا قلت يا ريّس؟

تمتم الشيخ فى سره، وكان يفرّ حبات سبحة فى يده:

- الحمد لله على كل شيء، اللهم اهدنا.. اللهم اهدنا

ثم صاح السائق مرة أخرى:

- تعالى ويكفِنا ما رُزقنا، هل ستتدخل فى أرزاق الله، الدنيا ليل والناس نيام، ومع ذلك رُزقنا بأربعة ركاب!

صعد الكمثرى وكان شاحبا وهزيلا، عظام وجهه تبرز من خديه الكالحين، لكنه كان يبتسم وأسنانه البيضاء كان لها وقعا خاصا فى الليل، قال وكان لا يزال يبتسم:

- ماذا قلت يا ريس، لم أسمعك جيدا؟

تمتم السائق:

- هذا الولد لا يصلح حتى لأن يكون كمثرياً، عائلة هذا الأحمق كلهم مساكين.

قال الشيخ وقد اطمأن أن السيرفيس قد انطلق:

- افعل الخير وألقه فى البحر

- أنا أفعل ياشيخ، لهذا فإنى تركت هذا الأحمق يعمل معى ليعول عائلته
 ثم اقترب منه وبصوتٍ خفيض أشار إلى المرآة المعلقة:

- ألا ترى هؤلاء الأنجاس يا شيخ، أتعرف أنى انطلقت رغم قلة الركاب حتى أتخلص منهم، لو أننا مكثنا طويلا لارتكبوا فاحشة كبيرة، ونحن كلنا مساكين، ماذا لو ارتكبوها، هل يكون للرزق معنى لو أتى بفاحشة! الرزق يا شيخ مذاقه حلو حتى لو خسرت من وراء هذا الأحمق، لكنه مُر من وراء الفاحشة..

- أنت تقول الحكم

- لأنى أحمد الله، أنا أحبه حقا يا شيخ رغم أنى لا أصلى

صرخ الشيخ ومال بكل جسده نحوه:

- ماذا قلت؟!

- والله يا شيخ أحبه، ألا ترى أنى أدع أحمقا يعمل معى، وأود أن أتخلص من الذنوب التى فى سيارتى

- ولو.. الله لا يقبل عملا من إنسان لا يصلى له

- عندى سر يا شيخ، لكنى فى نصف ملابسى من الحرج

- قل ولا تتحرج، أسرارك فى بئر عميق

- لم يعلمنى أبى الصلاة، وكان يقول أن جده لم يعلمه، وأنا أعتقد أن أحدا لم يعلم جدى..

- لا حول ولا قوة إلا بالله، ولماذا لم تذهبوا لشيخ يعلمكم

- كنا طيبين يا شيخ، وكنا نفعل الخير، ونحب الله كثيرا، لكننا نخجل من الجهل، وأنا الآن لا أصدق أنى أخبرتك يا شيخ

- هناك أمور لا خجل منها، هل تريد أن تُعذّب خالدا فى النار لأنك خجلت من أمر كهذا؟

- ماذا أقول ياشيخ؟

- لا تقل شيئا، أعطنى رقم هاتفك وفى الغد تقابلنى فى المسجد الكبير وأعلمك

صاح السائق:

- ماذا؟ هل تريد أن تعلمنى ويضحك علىّ الصبية والعيال؟ لا يا شيخ، الله رحيم!

- لا تقلق، سأعلمك فى مكان لا يراك فيه أحد

هنا استيقظت سيدة عجوز، وقالت بوهن:

- هل وصلنا المستشفى؟

رد عليها الكمثرى:

- لا يا حاجة، نامى وأنا أوقظك حين نصل

ثم دعت الحاجة بحنوٍ بالغ:

- إلهى يستر طريقك يابنى ويوفقك ويحشرك مع حبيبه

التفت السائق إلى الشيخ، وقال:

- هذا الولد يا شيخ لا يصلى أيضا والآن سيدخل الجنة بدعوة السيدة الطيبة. ابن العاهرة.

صاح الشاب من نهاية السيرفيس:

- هنا يا ريّس

انتبه السائق لصوته واختلج، وقال:

- اللهم ارحمنا من ذنوبنا، ثم رأى خديّ الفتاة القانيان فى المرآة، كانت فى نشوة وسعادة بالغة، رغم صمتها العذرىّ، وقد بدا على الشاب أنه قضى وطره، وكان مستريحاً. تمتم السائق فى سره:

- العالم أصبح مليء بالأنجاس، اللهم ارحمنا.

لما هبطا من السيارة، صاح الكمثرى وهو يلاعب حاجبيه:

- ياعم، أعطنى خد واحد، أعطك عمرى التعيس كله

لكنهما اختفيا فى الطريق المظلم ولم يلتفتا إليه.. كانا مستمتعين حقا

ضحك السائق:

- ألم أقل لك ياشيخ، هذا الأحمق أضاع دعوة السيدة، برذيلته هذه

- الصلاة عفة

- أود أن تعلمنى ياشيخ، لكنى فى النهاية مجرد سائق، نكرة

- الله لا ينظر إلا لقلوبنا

- لهذا أحبه والله ياشيخ

ثم صاحت السيدة العجوز:

- أخاف أن تفوتنى المستشفى، الراجل عيّان وهقطعوله رجله

صفق الكمثرى على يديه وقال فى شفقة:

لا حول ولا قوة إلا بالله. اقتربنا ياحاجة لا تخافى، ربنا يشفيه.. لا حول ولا قوة إلا بالله

قال السائق:

- كلنا مساكين ياشيخ

صاح الكمثرى نحو السائق:

- توقف عند المستشفى!

داس السائق على المكبح، وتوقفت السيارة أمام مبنى كبير، يضيئ جدرانه ضوء أزرق خافت، كان أحدهم يسير على عُجالة لكنه اختفى، أمسك الكمثرى ذراع السيدة العجوز وساعدها فى النزول، ذهبت وكانت لا تتوقف عن الدعاء لهم جميعاً، وكان السائق مستريحاً لهذا..

- أنزلنى عند محطة البنزين القادمة... قال الشيخ للسائق

- حاضر يا شيخ

وقبل أن يهبط، أكد على السائق:

- لا تتردد ولا تتحرج، اتصل بى وفى الوقت الذى يناسبك

- كله بأمر الله يا شيخ

- بارك الله فيك

ثم سار مبتعدا حتى تلاشى فى الظلام

سأل الكمثرى السائق، وقد خلا السيرفيس:

- ما هذا يا ريس، ماذا يريد منك الشيخ؟

- وأنت ما دخلك يا ابن العاهرة، لماذا تحشر أنفك فى وسط الكبار، هذا الرجل المبروك شيخ وأنا سائق كبير، لماذا يتدخل كمثرى أحمق مثلك!

- أردت أن أعرف فقط يا ريّس 

- أحمق مثل أبوك!

- هل سنعمل لدور آخر؟

- لا، نحمد الله على الأرزاق

- لكن لم نكسب سوى خمسة جنيهات فقط!

- لا نعترض على الأرزاق

ثم تمتم بصوت خفيض:

- يجب أن أتعلم الصلاة


السبت، 21 سبتمبر 2013

موسوعة الاكتشافات العلمية

My rating: 5 of 5 stars


"إيه يا حلوه"- تشيخوف
إيه يا علم... الكتاب دا حببنى فى العلم أكتر من كلية الهندسة ذات نفسها، و11 سنة تعليم تحت جامعى!
دا أول كتاب أشتريه فى حياتى، من أربع سنين تقريبا، من يومها وهو مركون مهابة لضخامته، لكن كتغيير فى مسار القراءة المعتادة (الإنسانيات) قررت إنى أقراه، وكعادة الأعمال الموسوعية، فالكتاب دا يُفترض إنه غير الكثير من مفاهيمى، وأضاف كذلك صورة واضحة عن مسار العلم وتطورة وفكرتنا عن الكون ونشأته. زيه زى موسوعة فنانون عالميون، فإنه فتح عالم مُبهر يثير الفضول فى تتبعه.
أهمية الكتاب ليست فى كونها معرفة معلوماتية محضة، حتى أنى أكاد أكون نسيت الكثير من المعلومات ولم أفهم بعضها، لكن تظل الصورة واضحة أمامى: تطور النظريات العلمية، طريقة التفكير العلمى وتطوره، شغف العلماء، مُتعة الكشف وقوة الملاحظة، والأهم الأهم، إثارة بعض الأسئلة، وهنا أبدأ نوع آخر من المراجعات، مراجعة علمية:

أفكار على هامش العلم
- كيف نرى الضوء؟

- فكّرت فى الموضوع بنفسى ورجعت لأصله (كيف نرى الأشياء؟) - طبعا معروف إن الضوء يسقط على الأشياء ومن ثم ينعكس ليسقط على حدقة العين ومن ثم نرى صورة الشيء، لكن كيف نرى الضوء نفسه، هل المفروض أن يسقط ضوء على مصدر الضوء ثم ينعكس لنراه؟ (أو بصورة أدق: نرى مصدر الضوء)، ثم وجدت الإجابة أن جوهر العملية هو خروج شعاع ضوئى أيا كانت طريقة خروجه من الشيء سواءًا كان انعكاسا أو خروج من المصدر، فكل الأشياء التى نراها هى فى حقيقة الأمر مضيئة! (فيزياء كلاسيكية)

حين بحثت عن الأمر وجدت أن الإجابة الأدق تتعلق ببحث قام به عالمان فازا عليه بجائزة نوبل 2012، لكنهما استخدما فيزياء الكم بدلا من الفيزياء الكلاسيكية!
الفيديو المتعلق:
http://www.youtube.com/watch?v=2dRr-f...
ــــــــــــــــــ
سؤال آخر:
هل تنعدم الجاذبية فى الفضاء حقا؟

لكن كيف تنعدم الجاذبية فى الفضاء، والكون مليء بالأجسام العملاقة، والتى من المفترض طبقا لقانون نيوتن أن تجذب بعضها البعض بفضل كتلتها الضخمة، فأن تنعدم الجاذبية فى مكان ما فى الفضاء يعنى أنه لا تأثير لهذه الكتل العملاقة!
الغريب أنه تم تلقيننا أنه فعلا لا جاذبية فى الفضاء وأن هذا هو سبب حالة الطفو وانعدام الوزن التى يكون عليها رواد الفضاء!
لكن الحقيقة أن الجاذبية موجودة فى كل مكان فى الكون، وحالة انعدام الوزن التى عليها رواد الفضاء سببها السرعة الكبيرة، بسبب حالة السقوط الحر، مثل انعدام الوزن فى مصعد يتحرك بسرعة لأسفل..
https://www.facebook.com/photo.php?fb...

ــــــــــــــــــ
وهناك الكثير الكثير من الأفكار المهمة.. باختصار، فإن هذا الكتاب ثرى بدرجة كبيرة...
ــــــــــــــــــ
عن "الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم"

بعد قراءة كل هذا الكم من المعلومات والنظريات العلمية، فلا يزال البعض يردد فى فخر بأن القرآن خصص الضياء للشمس، والنور للقمر، معتبرينه (إعجاز علمى)
لا يزال البعض يذكر (دحاها) كإعجاز علمىّ.. والغريب إنى اكتشفت مؤخرا أن الثقب الأسود مذكور فى القرآن! لا زالوا يتحدثون عن كل هذا والعلماء الآن يستطيعون احتجاز فوتون ضوء (جزيء الضوء) ودراسته، العلم الآن يكتشف كواكب آخرى تدور حول شموس بعيدة، العلم الآن يكتشف ويؤرخ للأرض من مليارات السينين...
والغريب إنه لو تم اكتشاف شيئا عظيما فى الغد سيخرج مُرتزقى الإعجاز العلمى بعد غد ليستخرجوه لك من بين آيات القرآن!

لكنهم يجهلون إن إعجاز القرآن ليس علمياً، لأنه ليس كتابا علميا بحال، فكل النظريات المثبتة هى عرضة للنقد والتغيير بسهولة

خالد منتصر يقول فى كتابه "وهم الإعجاز العلمى":
(القرآن كتاب دين وهداية وليس كتاب كيمياء أو فيزياء، وإنكار الإعجاز العلمي في القرآن ليس كفراً ولا هو إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فالقرآن ليس مطلوب منه ولا ينبغي له أن يكون مرجعاً في الطب أو رسالة دكتوراه في الجيولوجيا، والآن نستطيع أن نقول وبكل راحة ضمير وانطلاقاً من خوفنا سواء على الدين أو على العلم أن الإعجاز العلمي في القرآن أو الأحاديث النبوية وهم وأكذوبة كبرى يسترزق منها البعض ويجعلون منها "بيزنس"، وأن عدم وجود إعجاز علمي لا ينتقص من قدر القرآن ككتاب مقدس وعظيم ومعجز أيضا ولكنه إعجاز الأفكار العظيمة التي تحدث عنها، والقيم الجليلة التي بشر بها، والثورة التي صنعها والتي كانت شرارتها الأولى العقل واحترامه وتبجيله، ومن يروجون للإعجاز لا يحترمون هذا العقل، بل يتعاملون معنا كبلهاء ومتخلفين ما علينا إلا أن نفتح أفواهنا مندهشين ومسبحين بمعجزاتهم بعد كلامهم الملفوف الغامض الذي يعجب معظم المسلمين بسبب الدونية التي يحسون بها وعقدة النقص التي تتملكهم والفجوة التي ما زالت تتسع بيننا وبين الغرب فلم نعد نملك من متاع الحياة إلا أن نغيظهم بأننا الأجدع والأفضل وأن كل ما ينعمون به وما يعيشون فيه من علوم وتكنولوجيا تحدث عنها قرآننا قبلهم بألف وأربعمائة ألف سنة،...)
ــــــــــــــــــ
أنا ذكرت نقطة الإعجاز العلمى، لأنى كنت من المقتعين بها، لكن بعد قراءة الكتاب اتضحت مدى سخافة الفكرة، وأنها أوهمتنا كثيراً.. وأن الحقيقة أننا أبعد البشر عن العلم!
ــــــــــــــــــ
فى النهاية، لا أجد ما أقوله لمكتبة الأسرة على إحدى روائعها، ففى الوقت الذى أنهى فيه الكتاب فإنى أرثى لأيام ولت من عمر المكتبة الزاهى، ولا أجد غضاضة من أن أذكر فضل سوزان مبارك فى هذا المشروع الأهم فى تاريخنا الثقافى، فأن تكون زوجة رئيس الجمهورية هى المشرفة على مشروع ما فإن نجاحه يكون حتمياً، فلماذا لا تكون زوجة كل رئيس قادم مسؤولة عن مشروع مكتبة الأسرة، وبالتالى يعطيه ثقل؟ أعتقد أن هذا لو حدث لكان شأن المكتبة عظيما وهاما خصوصا وأن تكون مهمة زوجة الرئيس أمام الجميع هى رعاية المكتبة فقط، فسيعرف الجميع بأهمية الأمر وتتسابق دور النشر فى المشاركة...
ـــــــــــــــــــ
لينك تحميل الكتاب:
http://goo.gl/vFyuJM

الجولة وحوادث مؤثرة أخرى | لوكليزيو

My rating: 4 of 5 stars


ما قبل القراءة:

لما رأيت الكتاب على الرف غريبا ككتب اخرى غريبة لا أعرفها، لمعت فى رأسى فكرة أن أعيد القراءة لما كانت عليه قبل الجودريدز، حيث كنت أشترى الكتاب ولا أعرف عنه شيئا، لم يكن هناك وجودا للتقييمات والمراجعات، وكانت العلاقة هى مجرد اكتشاف فردى بحت، اكتشاف لا يشاركنى فيه أحد، بحلوه ومرّه، وتلك متعة تنقصنى الآن، على الرغم من فوائد الجودريدز العظيمة، لذلك فقد قررت شراء كتاب مجهول لمؤلف نوبل مجهول أيضا، ولما قطعت فيه أربعة أيام من القراءة لم أعرف فيها رأى القرّاء ولا معلومات عن الكاتب (وهذا إن حدث قبل شراء الكتاب فغالبا سأتراجع عن شراءه!) لكن حسن الحظ قادنى لأشترى كتابا مجهولا لأكتشف عالما آخر غير معهود.. وبعد الأربعة أيام دفعنى فضولى المتزايد لأعرف الكاتب ورأى القراء، وكانت الصدمة، رغم أنها كانت إلى حد ما مُتوقعة، وكنت متفهم سبب هذه الآراء الحادة، وأتفق مع بعضها، لكن لى رأى آخر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غالبا العبقرية هى اكتشاف طرقٍ جديدة لم تخطر على بال أحد، وفى الأدب هى اكتشاف تقنيات سردٍ لم تُكتشف بعد. لهذا مُنح لوكليزيو جائزة نوبل.

أسلوب لوكليزيو يعتمد على تكثيف الحالة الشعورية وصلتها بالطبيعة، لهذا فهو كثير الوصف سواء فى وصف الطبيعة أو وصف الخلجات الشعورية، وهذا يمثل للكثيرين عبء ملل..

قضية لوكليزيو:
فى البداية فإن هذه المجموعة تُهاجم وبشدة، الحداثة والمدنية بكل صورها؛ ناطحات السحاب، التكنولوجيا الحديثة، الزحام.. لكن بالنظر إلى الظواهر، فالأمر ليس بهذا السوء، فحين أن لوكليزيو فرنسى، فإنه بذلك يهاجم (جمال) المدنية، وبريق الحداثة، المتجسدة مثلا فى مدينته (نيس):

ونحن، إذ نحارب ونثور من أجل الحصول على عسل الحرية، مذاقها، فالحرية لا تعنى فقط أن تمشى حُرا فى شارع تحوطه القاذورات، والأبنية الشائهة، إنما مذاقها فى أن يكون للحرية الداخلية استجابة من الخارج، أن تسير فى الشارع وقلبك الحر يرى طريقا معبّدا نظيفا، هذا اعتراف من الطريق بحريتك.. أن ترى الأبنية جميلة الذوق والمعمار، هذا اعتراف منها بحريتك، أن ترى الشوارع النظيفة لا غبار عليها ولا ورقة ملقية، فإنها بذلك تحيى حريتك، تلك هى قيمة الحرية، صلة متبادلة بين النفس الحُرة والبيئة المُعترِفة بك كإنسان..

لكن لوكليزيو هنا وبعد أن تذوق (طعم) الحرية يُذكرنى بصورة ساخرة عن نظرية التطور

كأن لوكليزيو يقول: عودوا يا رجال، الأمر مزرٍ هنا، لا جدوى من التطور.

هذا ظاهر الأمر، لكنه فعلا يتطرق إلى نقطة قاسية لانستطيع إغفالها، ألا وهى تأثير تلك الحداثة على (الإنسان) وصلته بالطبيعة، سواء طبيعته هو (الجوهر) أو طبيعة البيئة (جوهرها) فهو يرى أن لا قيمة حقيقية من هدم منزل قديم تسكنه عجوز (فيلا أورور)، من أجل بناء بنايات من الطراز الحديث، ستشعر بكم الإنسانية من خلال اكتشافات لوكليزيو للنفس، سوف تعيد تقييمك لأشياء ظننتها ثوابت، أو ترى أشياءا لم تكن تنتبه لها..

الأسلوب:
حتى يصل لوكليزيو لتلك المرحلة، الدخول فى أعماق النفس والطبيعة، فإنه يلجأ دوما للوصف الدقيق، وهنا مكمن من مكامن الملل... آه.. الملل، أذكر إنى قلت مرة أن أحداً لم يكتشف جوهر الملل بعد..

فمثل العديد من الاكتشافات الأخرى التى أهملها الكثيرون ظنا منهم أنها لا جدوى منها، فإنى اعتقد أن الملل لازال يحتاج لكثير من الصبر على دراسته، كشف هذا الكائن، فكم من مُتعٍ فاتتنا لأنه نال منّا، أعرف إنه إحدى الصفات البشرية مثل الخوف والقلق والضجر.. إلخ.. لكن ما تفسير إنى أشعر بشيء ما مختلف ومؤثر بعد قراءة كل قصة، ومع ذلك كنت أشعر بالملل أثناء قراءتها..

لكن كدراسة مبدأية، توصلت إلى أن الواحد منا يجب أن يتحلى بثلاث خصال وهو مقدم على قراءة هذا النوع من الأدب: الرغبة الحقيقية فى معرفة ما يريد لوكليزيو توصيله... التواصل والقدرة على رسم الصور وربطها برغم الملل، والقراءة بعمق، يعنى قراءته فى أفضل الأوقات، وفى وقت مُفرغ له..

واضح طبعا أن تلك الشروط مُجحفة، ولا ضير من سماع اعتراض من نوع "وعلى إيه كل دا!"

طريقة لوكليزيو فى الوصف واقتناص اللحظات الصعبة، قد لا تنقل إليك مُتعة فى القراءة، لكنها ستنقل خبرة جيدة، كما أنها –وهذا المهم- ستجعل لديك قدرة كبيرة على الوصف، فأذكر أنه حين انتهيت من قصة وجدتنى أنظر إلى الأشياء والأحداث وأكتب لها أقصوصة صغيرة فى عقلى بطريقة لوكليزيو فى الوصف الدقيق. وكان الأمر رائعا بالنسبة لى..

وهذا لا يعنى أيضا أن لوكليزيو هو الكاتب المثالى فى كل شيء، هناك قصة أو اثنتان وجدتهم عاديتين ونهايتهم مُفتعلة... لكن مٌجملا هناك جو قصصى فريد شعرت به، خاصة بعد الانتهاء منها، وتَشرُّب التجربة الكاملة..
ـــــــــــــ

بالمناسبة فإن قصة أورلاموند لمستنى بشكل شخصى، أورلاموند = مكتبة طلعت سلامة

فنانون عالميون - الجزء الثاني : هنري ماتيس - بابلو بيكاسو - سلفادور دالي

My rating: 4 of 5 stars


فيه أهمية مستبطنة من إنك (تقرأ) فى الفن مش تسمع أو تشوف. فى البداية مكنتش واخد بالى منها لكن بالتدريج بدأت افهم..

أولا تطور المدارس الفنية عبر التاريخ بيوضح التطور الاجتماعى والفكرى لمجتمع معين، وفيه علاقة وثيقة بين اتجاه الفن واحتياجات المجتمع، ودا هيوفر علينا أسئلة كتير وعلامات تعجب أكتر!
فلما تشوف مثلا لوحات فنية من القرن ال16 أو ال17 (وأكيد انت متخيل دلوقتى شكل الرسم ازاى، اللى أكيد مش تكعيبى ولا سيريالى بطبيعة الحال) هتفهم المجتمع دا كان عايز إيه وعايش ازاى، ولما تشوف دلوقتى لوحات من النوع التكعيبى أو السيريالى اللى غالباً معظمنا مش فاهم موضوعاتها! هتعرف برضو المجتمع عايز إيه، والأكثر من دا إن المدارس الفنية تقريبا كلها متشابهة، يعنى المدارس الموسيقية مثلا تشبه إلى حد ما المدارس التشكيلية وحتى المدارس الأدبية (خلال نفس الفترة الزمنية)، على سبيل المثال:
قارن بين موسيقى كلاسيك ولوحة تشكيلية من نفس الفترة، غالبا هتديك نفس الانطباع: شعور جارف بالجمال.
قارن بين نص من الشعر الحر أو قصة من الواقعية السحرية ولوحة تشكيلية من المدارس الحديثية (تكعيبية مثلا)، هتديك نفس الانطباع برضو: اللى هو مش فاهم حاجة!
حتى ممكن تاخد بالك من فيلم قديم لعماد حمدى مثلا وفيلم جديد لأى حد.. وقارن بين حالة الرومانتيكية الجياشة ونظام الحديث الخطابى فى أى حوار (اللى بنعتبرها دلوقتى أفورة) وبين أى فيلم عادى دلوقتى. لكن لأنهم كانوا بيعبروا عن واقع العصر ف احنا مصدقينهم ومقتنعين ب(الأفورة) دى، لكن لو جيت تقلد دا فى فيلم جديد، هيبقا فيلم منبوذ وفاشل، ليه؟ لأنك خرجت عن واقع عصرك... ومن هنا تقدر عن طريق فهم المدرسة إنك تفهم المجتمع (مش العكس لأنه مش هيحصل بسهولة) فإنك تفهم مثلا مدرسة أدبية دا يديك بعد نظر واستقراء جيد لأمور المجتمع..
ـــــــــــــــــ

وحتى لايفوتنى الأمر:
الآن ع التلفيزيون الأخ أحمد عبده عوض بيمارس طقوسه فى الشفاء اللى بتميل لحد كبير لطقوس الدجل والشعوذة، رغم إن الكلام دا كان بيتعمل كتير (فترة ما قبل الثورة ق.ث) والواحد كان بيصدقه (إلى حدٍّ ما) وبنحترمه، إلا إنه دلوقتى فقد كل دا، لدرجة إن والدتى نفسها اللى بتقول كدا وهى اللى مكانتش بتفوت برنامج دينى... ليه؟
لأن ببساطة حاجات المجتمع اتغيرت والمجتمع المصرى قبل الثورة غير بعد الثورة.
كأن الممارسات دى نوع من أنواع الفن...؟ محتاجة تفكير :)

ـــ
نقطة أخرى عن: تذوق الفن
ظاهرة سلبية خصوصا فى مجتمعنا وهى انطوائية الفنان على فنه، يعنى مثلا تلاقى الأديب (أو خلينا نقول كاتب القصص مثلا) تلاقيه حاطط كل تركيزه على قراءة القصص، وبستغرب من بعض (الكتاب) اللى مبيقروش غير فى القصص وف أفضل الأحوال فى الأدب بوجه عام! بحسه نوع من النفعية؛ إنك عشان تاخد حاجة انت عايزها متقراش غير فيها (هات وخد)
لو جيت تبص على المجتمعات الفارزة للفن المتكامل تلاقيها مشتملة على كل الفنون، لأن الفن كتصوير للحدث: الأدب بقوة الكلمة، والموسيقى بقوة اللحن، والرسم بقوة اللون، كل نوع من أنواع الفنون دى بتسلط الضوء على جانب من جوانب الحياة بقوتها الخاصة، وذائقة الفن السليمة لازم يكون عندها قدرة للاستجابة لنداءات الكلمة واللون واللحن، لأن الجمال المفروض مالوش حدود، يعنى تحبس نفسك فى رواية جميلة، أو مقطوعة أو لوحة، فانت بتحرم نفسك من جوانب أخرى للجمال، الجمال اللى المفروض أصلا صورة من صور الكمال.

لو خدنا شريحة معينة كمثال واتكلمنا عن باريس (بدايات القرن ال20) تلاقيها شاملة لكل أنواع الفنون (أدب، فن، موسيقى)، لدرجة إنى ممكن اعدلك عشرة من أعظم فنانى وأدباء العالم كانوا بيقعدوا فى نفس القهوة وبعضهم كانوا ساكنين مع بعض..

باختصار نظرتنا للفن ككل محتاجة تتغير، مش يمكن لما نفهم الفن، نفهم مجتمعاتنا؟!
ــــــ
على هامش الكتاب:

الكتاب بيتكلم عن ثلاثة رواد فى الفن التشكيلى وكل واحد رائد لمدرسة

هنرى ماتيس (المدرسة الوحشية)
بابلو بيكاسو (المدرسة التكعيبية)
سلفادور دالى (المدرسة السيريالية)
ـــ
بالنسبة لهنرى ماتيس، فدا لم أتذوقه كثيرا، لأنه عبارة عن تعديل فى المدرسة الإنطباعية، وكل التجديد عنده فى استخدام الألوان، لكن دى تُعتبر أفضل لوحاته، ودا واضح من استخدام اللون على جانبى اللوحة، والظل الممتد من الجبهة حتى الأنف، واللون الأزرق المميز للشعر، كل دا استخدام عبقرى للألوان:


أما بابلو بيكاسو:

فيجب قبل أن تحكم عليه أن تعرف أن عبقرية بيكاسو وصلت إنه تفوق فى كل أنواع التصوير حتى الكلاسيكى، حتى فى سن حوالى 15 سنة رسم اللوحة دى


حتى إنه طور من الكلاسيكية نفسها ورسم نوع سماه الكلاسيكية الجديدة زى اللوحة دى، اللى تشبه اللوحات الكلاسيكية مع تطوير بيكاسو

والنوع دا من البشر مش هيقدر يحط نفسه فى مساحة معينة وكان لازم يبحث عن شيء يناسب قدراته، فكان الفن التكعيبى..

أما بالنسبة للفن التكعيبى نفسه، فلابد من كلمة:

قوة الفن الكلاسيكى فى الإحساس يعنى مثلا لوحة زى
Flamming June

لابد أن تشعر بدفقات الجمال ، وهى دى قوة الفن الكلاسيكى (الإحساس، اللى هو أسهل تأثير على أى إنسان عادى، اللعب على مشاعره)
ومن هذا المنطلق اكتشفت قوة كل مدرسة:

فالمدرسة الكلاسيكية قوتها فى الإحساس فليس لك إلا أن تترك إحساسك وتحلق مع الجمال.
المدرسة الانطباعية قوتها فى الألوان والإضاءة يعنى جرب تحط اللوحة دى مثلا اللى هى أم الأعمال الانطباعية

علّقها ع الحيط عندك فى مكان مناسب مع إضاءة مناسبة (بحيث تكون بحجمها الطبيعى) واتفرج ع التأثير.
المدرسة التكعيبية قوتها فى الزوايا والخطوط، ومن هنا بدأ الفن يرتبط بالعقل بعد ما كان مجرد إحساس، فأنت محتاج ترجّع كل الأشكال لأصولها الهندسية، وعامة النوع دا بيبحث فى الأصول، ودى تعتبر من أهم أعمال بيكاسو، محتاجة تركيز شوية، اسمها "المرأة الباكية"


مشكلتنا إننا بنعتبر إن الرسم الجيد هو فقط القدرة على نقل التفاصيل بدقة، ودا غالباً مفهوم غلط، دا غير إننا متعودين نشوف اللوحات بعينينا فقط، ودا بينقل الصورة ناقصة، خصوصا لو من المدارس الحديثة، يعنى لوحة زى دى لبيكاسو رسمها بعد القصف النازى لقرية جورنيكا

صعب إنك تتذوقها بمجرد الرؤية، يعنى مثلا حاول تستخدم باقى الحواس لمحاولة الدخول فى عالم بيكاسو، اسمع صراخهم، شم ريحة الدمار، وحس بالألم، ممكن بالطريقة دى نقدر نفهم بيكاسو..

المدرسة السيريالية عكس المدرسة الكلاسيكية تماما رغم إنهم بيشتركوا تقريبا فى نفس الأسلوب فى التصوير (نقل التفاصيل كما هى)، إلا إنه فى حين الكلاسيكية قوتها فى الشعور، فالمدرسة السيريالية قوتها فى اللاشعور، ودى بدأت مع ظهور أفكار فرويد..
اللوحة دى من أهم أعمال سلفادور دالى، وواضح فيها اللاعقلانية وتضارب الزمن، ودى من الأعمال اللى اتأثرت بأفكار أينشتاين عن الزمن


وبتمازج ال3 مدارس دي نقدر نفهم طبيعة العصر، اللي عايش حالة من اللاوعي ناتجة عن التطور المُفاجيء والغير مُستوعب، وحالة القلق والخوف اللي ظهرت بشكل أفجع بعد الحروب العالمية، وظهور الأسلحة النووية، ومن ساعتها انتهى بحث الإنسان عن قيم الجمال زي ما كان أيام العصور الكلاسيكية والرومانتيكية، وبدأ بحثه عن مخرج من حالة القلق المستمر، وهروبه من الوعي للاوعي!
ـــــــ

ﻓﻨﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﻴﻮﻥ - ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﻭﻝ:

ﻓﻨﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﻴﻮﻥ - ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

فنانون عالميون - الجزء الأول : كلود مونيه - بول جوجان - فنسنت فان جوخ

My rating: 4 of 5 stars


المراجعات أيضا لها مدارسها

على غرار مدارس الفن التشكيلى، من اتجاه كلاسيكى، رومانتيكى، وانطباعى،.. والتى غالبا ما يجتمع تحت مظلتها الأدب والموسيقى وفن التصوير، فتجد كل هذه الفنون تجتمع تحت مدارس متشابهة فى الاتجاه، فإن مراجعات الكتب أيضا لها مدارسها، فهناك الذى يتبع أسلوبا محافظا فى المراجعة هدفه هو نقل صورة واضحة عن الكتاب ومحتواه، يضع لنفسه ضوابط محددة لا يخرج عنها، هذا يندرج تحت المدرسة الكلاسيكية، وآخر يُفضّل أن يعبر عن انطباعه الذى تركه الكتاب فيه فيُثرى مراجعته بآرائه التى غالبا ما تخرج عن محتوى الكتاب ويكون حُرًّا فى آرائه كيف يعبر عنها لا حدود تحده، هذا يتبع المدرسة الانطباعية. وآخر يُفضل أن يعبر بطريقة درامية تحت تأثير عاطفى تركه فيه الكتاب، فينقل رأيه عن الكتاب فى صورة رومانسية تعجّ بالدراما، هذا يتأثّر بالمدرسة الرومانتيكيّة..

أنا دائماً فى مراجعاتى أفضل المدرسة الانطباعية، لكنى فى هذه المراجعة سأتبع خُطى المدرسة الكلاسيكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب يتحدث عن ثلاثة من رواد الفن التشكيلى خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هم على الترتيب؛ كلود مونيه، بول جوجان، فينسنت فان جوخ..
لكنى سأتحدث عنهم بترتيبى الخاص؛ فينسنت فان جوخ، كلود مونيه، بول جوجان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
VINCENT VAN GOGH

حين تتحدث عن أكثر العباقرة شقاءًا فى الحياة فلابد أن تذكر منهم كافكا، وفينسنت فان جوخ.

كان مصدر إلهام فان جوخ هو تعاسته ووحدته، وصراعه مع معاناته النفسية، ومع ذلك تجده يصور آلام البسطاء بدافع طيبته ونقاءه وإحساسه، حتى أنه حاول الاشتغال ككاهن لاعتقاده أن هذا أنسب طريق لمساعدة الآخرين لكنه رسب مرتين فى اختبار اللاهوت، فاشتغل واعظاً اجتماعياً خلال فترة تواجده فى مدينة بوريناج وكان دائما مؤازراً لعمال الفحم الذين كانوا دائمى الاحتجاج على أوضاعهم القاسية..

فتُظهر هذه اللوحة "زوجات عمال الفحم" معاناتهن فى حمل أكياس الفحم وهن عائدات إلى منازلهن، حتى تكاد تستشعر مدى ثقلها على ظهورهن المقوسة.

فى تلك الفترة من حياة فان جوخ فإن المدرسة الانطباعية كانت فى أوجها، فتأثر بهم وبرائدها كلود مونيه، وحاول فى لوحاته التعبير عن انطباعاته ورؤيته الشخصية بضربات الفرشاة السريعة وألوانه المفعمة بالحياة (يمكنك أن تجرى بحثا على صور جوجل عن أعمال فان جوخ حتى تمتليء شاشة الحاسوب لديك بالألوان والحيوية) فكان يمكنه أن ينجز لوحة كل يوم، على خلاف الرومانتيكية والواقعية التى كانت تهتم بالتفاصيل..

شعوره بالوحدة الدائمة، آماله التى لم تتحقق (فان جوخ لم يبع سوى لوحة واحدة خلال حياته)، صداقاته التى دائماً ما تفشل، كل تلك الأسباب قادته إلى أمراضه النفسية، وتواجده فى مستشفى الأمراض العقلية ثم محاولته الدائمة للانتحار. قطع فان جوخ جزء من أذنه اليسرى بعد مشادة عنيفة مع بول جوجان رحل على إثرها جوجان إلى باريس تاركاً صديقه فان جوخ وحيدا، وبعدها دخل المستشفى وصور أهم أعماله داخلها، ومات فان جوخ بعدأن أطلق على صدره رصاصة لينهى بها حياته التعيسة، وهو لا يعرف أنه سيصبح من أهم فنانى العالم..
ـــــ
فن فان جوخ

أهم ما يميز لوحات فان جوخ هى خطوطه الانسيابية والتى دائما ما تتعارض مع الأبعاد الحقيقية فترى فى هذه اللوحة فان جوخ يصور كنيسة أوفير كأنها مفرودة مما يعطى انطباعا بالحركة والحيوية

فان جوخ وبول جوجان


كان فان جوخ يحلم بأن يضم الاستوديو الخاص به والذى أسماه استوديو الجنوب طائفة واسعة من الفنانين يتشاركون فيه أفكارهم ورؤاهم فى الفن، وكانت خطوته الأولى أن يضم صديقه بول جوجان وقبل وصول جوجان كان فان جوخ متحمسا للأمر حتى أنه احتفالا بمقدم جوجان رسم مجموعة من لوحات زهور عباد الشمس ذى اللون الأصفر والبرتقالى تعبيرا عن بهجته

وتعبيرا عن طبيعة شخصية جوجان رسم فان جوخ المقعد الخاص به، والذى يعبر عن شخصية جوجان القوية والتى تعبر عنها كثرة المنحنيات والأقواس وشكل المسند المريح، بينما رسم فان جوخ لنفسه كرسيا بسيطا لمصور قروى

من أول اعمال فان جوخ المميزة هى لوحة "آكلو البطاطس" فى هذه اللوحة يعبر فيها فان جوخ عن قسوة حياة عمال المناجم، ومع ذلك هناك مسحة من الرضا على وجوههم التى ينعكس منها ضوء الشمعة المعلق على سقف المنزل، وجميعهم يتناولون العشاء ويحتسون القهوة..
لوحة الصرخة

اعتقدت كثيرا أن لوحة الصرخة هى لوحة لفان جوخ لما فيها من استخدام جريء للألوان وحيوية فى الخطوط هذا بالإضافة للبؤس والشقاء الذى تعبر عنه اللوحة، واتضح أن تلك اللوحة لفنان آخر هو إدوارد مونخ، وهو فى هذه اللوحة متأثر بأعمال فان جوخ..

من لوحات فان جوخ العظيمة أيضا والتى لم يتضمنها الكتاب للأسف هى لوحة "عند باب الخلود" والتى رسمها قبل أيام من انتحاره

من مقولات فان جوخ:
"سأكون فقيراً، وسأكون فناناً، لأننى أريد أن أكون إنسانا"

وحين مات فان جوخ نعاه الدكتور جاشيه وهو صديقه وطبيبه النفسى:
"لقد كان رجلاً أميناً، وفناناً عظيماً، وكان له هدفان فقط، هما الإنسانية، والفن. فقد أحب الفن فوق أى شيء، وفنه هو ما سيبقيه حيًّا"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
CLUDE MONET

لم يكن يتخيل أحد أنه سيأتى يوم ويتم فيه تصوير شيء فى لوحة على خلاف ما هم معتادون على رؤيته، أو أن يتم تحريف الشكل الطبيعى للأشخاص والأشياء، فكان مجرد نقل الصورة كما هى شيء من الأمانة، فحتى حين تطورت مدارس الفن سواء من العصر الكلاسيكى أو الرومانتيكى أو حتى عصر الباروك، فكانت كلها تنقل واقع الأشكال كما هى بدقة متناهية، إلى أن أتى كلود مونيه، وأعطى تعريف آخر للتصوير، وهو أن يصور الفنان انطباعه الشخصى لما يراه، وكان من أوائل الفنانين الذين خرجوا ليصور لوحاته فى الهواء الطلق لينقل تأثير الطبيعة مباشرة إلى لوحاته، وتُعتبر لوحة "انطباع غروب الشمس" هى البداية التى انطلقت منها المدرسة الانطباعية والذى جاء اسمها من اسم لوحة كلود مونيه.

واضح أن كلود مونيه لم يرد تصوير مشهد للغروب بدقة متناهية كما يفعل الكلاسيكيون، إلا أنه أراد إظهار الشمس وسط السماء وانعكاسها الواضح على وجه الماء ذى الموجات الصغيرة والمبانى غير الواضحة فى شيء لا يبرز سوى الغروب فقط، فكأن كل عناصر اللوحة اتحدت من أجل عنصر واحد هو الغروب.. فيقول مونيه عن هذه اللوحة أنها تسجيل حالة لا تصوير مظهر..

فى البداية لم يتقبل الناس هذا النوع من اللوحات إلا أنهم بمرور الوقت وكنتيجة للتطور الذى شهدته أوروبا فى شتى المجالات فقد قبلوا فى النهاية هذا التطور فى فن التصوير وأقبلوا عليه


فى هذه اللوحة استخدم مونيه تقنيات جديدة للضوء والظل، حيث أن الجو شتوى والأرض مغطاة بالجليد، ويستخدم مونيه ضوء الشمس الحاد فتنعكس الظلال بدرجات لونية متعددة، هذا بالإضافة للطائر القابع على البوابة الخشبية.. كل تلك التفاصيل تلفت الانتباه وتعطى جوا دراميا وحيويا بين ضوء الشمس والجليد والحياة متمثلة فى طائر العقعق.

رسم مونيه هذه اللوحة (أكوام القش) 25 مرة فى أوقات مختلفة، ولكل لوحة "انطباع" مختلف عن الأخرى
ـــــــــــــ
من لوحات كلود مونيه الرائعة التى لم يتضمنها الكتاب:

لوحة سيدة المظلة

وهذه لوحة الحب رغم الحروب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
PAUL GAUGUIN
علاقتى متوترة مع هذا الرجل الصلف. كانت لآراءه القاسية فى أعمال فان جوخ وترديده بأنها رديئة وأن أعماله هى الجيدة، كان لذلك أثره النفسى على فان جوخ، وحدثت المشادة بينهما والتى ساءت بعدها حالة فان جوخ النفسية وانتحر على إثرها.. ولم يحضر جوجان جنازته

رسَم بول جوجان هذه اللوحة أثناء إقامته مع فان جوخ وهى تصور فان جوخ وهو يرسم إحدى لوحات زهور عباد الشمس.


إلا أنه يمكننا أن نذكر أن حبه للجزر الاستوائية دفعته للمعيشة فى جزيرة تاهيتى بدلا من المدن الصناعية، وله مواقفه المشهودة فى وجه الاحتلال الفرنسى ضد سكان تاهيتى، فكان دائما مناصرهم فى الواقع وفى فنه، وتلك بعض لوحاته عن سكان تاهيتى:
"فتاتان من تاهيتى"


"المرأة ذات الزهرة"


ـــــــــــــــ
لكن حياته هو الآخر لم تنجُ من التعاسة فقد حاول الانتحار بعد وفاة ابنته، فذهب إلى الغابة وتناول كميات كبيرة من السم إلا أنه لم يمت وعاد إلى كوخه زاحفاً!
وصور مجموعة من أروع لوحاته:


ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وفى نهاية هذه المراجعة، أود أن أختم بمقولة فى حب باريس، تلك المدينة التى كانت كالحلم فى تلك الفترة من نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين، كل هذا الفن، كل هذه الموسيقى، كل هذا الأدب، لابد أنها كانت حلماً: "إذا واتاك الحظ بما فيه الكفاية لتعيش في باريس وأنت شاب، فإن ذكراها ستبقى معك أينما ذهبت طوال حياتك، لأن باريس وليمة متنقلة"- إرنست همنجواى
__

ﻓﻨﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﻴﻮﻥ - ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:

ﻓﻨﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﻴﻮﻥ - ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:

عبقرية محمد | العقاد

My rating: 5 of 5 stars


لماذا دائماً الرحيق المختوم؟! كأنه الكتاب المُنزّل ليس من عند بشر!
تخيلت عبثاً حواراً كهذا:
س: لو سمحت عايز اقرا كتاب عن السيرة؟
ص: طبعا الرحيق المختوم
ـــــ
س: بقولك ايه يا عمّنا عايز اقرا فى السيرة؟
ل: هو فيه غيره طبعا الرحيق المختووووم
ـــــ
س: ممكن يا عم الشيخ ترشحلى كتاب عن السيرة؟
ش: أما بعد؛ الرحيق المختوم يا أخى (وبالمناسبة قرأت الكتاب بترشيح من شيخ مسجدنا)
ـــــ
ك: بقولك إيه يا كابتن متعرفش كتاب حلو عن السيرة؟
س: اتكل على الله يابنى أنا ملحد
ـــــ
قد تكون هذه نهاية الرفيق (س) بعد أن أضناه البحث كثيرا عن هذا الكتاب العظيم الشامل لكل جوانب العظمة..
هل لاحظت مرةً أن تقريبا كل كتبنا الإسلامية تقييمها أعلى من 4 .. أليس غريباً هذا؟! أم أن عبقرية المسلمين لا تظهر إلا فى تأليف الكتب الإسلامية!!
لماذا نعجز عن نقد كتاب إذا ارتدى عباءة الدين؟ ولماذا إن وجّهنا هذا النقد يكون بحذرٍ؟ لماذا لا نوجه النقد اللاذع للكاتب، فلعل بالنقد هذا ينصلح التفكير ويتم تقويمه بصورة سليمة؟ّ!
أعتقد أن فى مرحلة مبكرة أعطيت كتاب الرحيق المختوم 4 نجوم وعللت ذلك بتحفظ شديد: ان الكتاب ركز البحث فى الغزوات عن غيرها..
صدقنى لو كان الكتاب يتحدث عن شخصية عادية وركز على جانب واحد من حياته، لكان الكاتب يغلى فى قدور النقد التى لا ترحم.. فما بالك بأعظم وأهم شخصية على مر التاريخ، ألا يكون البحث أجدر بالشمول!
ـــــ
لا أخفى سرّا أنى أشعر فى كثير من الأحيان بميل أكثر لشخصية عمر بن الخطاب، هذا الرجل عبقرىّ بحق، كل أفعاله تنم عن شخصية فريدة، عقلية إنسانية لامثيل لها، فقد تم تناول حياته وسيرته بطريقة رائعة بلا توجس من كونه مرسل من السماء فتحوطه عوامل دخيلة فتبعد عن شخص عمر الإنسان.. هذا بالطبع بسبب تنطع الكثيرين لإصرارهم على طريقة واحدة لتناول السيرة، وهى دراسة محمد ليس المجبول على الخير من نفسه وإنما المجبول على الخير بالوحى، فقد شاهدت مرة مثلا الشيخ الشعراوى يُلمّح إلى كتاب يتحدث عن عبقرية محمد فأخذته الحمية وهو يُهاجم مؤلف الكتاب مُصرّا على أنه موحى إليه وأنه يجب تناول السيرة على هذا الأساس.. وطبعا يتم الانحياز دائماً لآراء الشيوخ من ذوى الكاريزما الجبارة، فنحن مجتمعات تؤثر فينا الكاريزما أكثر من الكتب..
ـــــ
فى هذا الكتاب تناول العقاد شخصية الرسول بطريقة عبقرية، تحليل غير تقليدى بعيدا عن طريقة الكتب التقليدية، سيرة تُعيد إليك صورة زاهية لإنسان هو بشر مثلنا، لكنه ارتقى إلى مراتب الكمال.. الكتاب عبقرية العبقرية.
كانت هناك محاولة من عبد الرحمن الشرقاوى لفعل تأثير يشبه ما فعله العقاد فى كتابه محمد رسول الحرية، تحت ادعاء إنه موجه بالأساس لغير المسلمين، هذا على اعتبار أن غير المسلم سيشترى كتاباً عن الرسول لمُفكر إسلامى واسم الكتاب محمد رسول الحرية!!
بالطبع باءت محاوته بالفشل..

العقاد فعل ما يجب فعله، كتب ما وجب كتابته

مهر الصياح

My rating: 3 of 5 stars

هناك نوعان من القرّاء؛ نوع ينتبه إلى الشيء الجميل فى العمل الأدبى، ينظر إلى نصف الكوب الملآن منه، فيمنحه تقييم عالى ويخرج من غلافه مبتسماً ومنشرحاً، هذا النوع ينمّى عنده ملكة الشعور بالجمال والتفاؤل، أما النوع الثانى فيتعقب عثرات الكاتب، يتوقف عندها، يحللها، وينظر مليّا إلى مساويء العمل، هذا النوع من القراء ينمّى عنده ملكة النقد والتحليل، غالبا هذا النوع جاد وصارم، وغير حالم.. القاريء المحظوظ الجيد هو من يمتلك الملكتين معاً..
ــــ
كانت لدىّ دائما فكرة لطيفة أطرحها على نفسى بين الحين والآخر علّها تصبح ذات يوم مشروع يتنفس، هذه الفكرة كانت أن أعرف كل شعوب الأرض عن طريق الأدب بعيداً عن العلوم الإنسانية، أن أقرأ قصص لكل البشر ليس فقط الروس أو الإنجليز أو اللاتين (عُصبة الأدب العالمى) لكن ما المانع من أن أقرأ على سبيل المثال أدب أندونيسى أو جنوب أفريقى أو باكستانى حتى تلك الدول الفقيرة التى لاتسمع عنها إلا من أخبار المعاناة(هذا إن توفرت ترجماتهم أصلاً).. اقرأ أدبهم تعرفم، والمعرفة هى زروة العلم كما عند الصوفية، العلم يأتى من كتب الإنسانيات أما المعرفة فتأتى من دواخلهم.. من أدبهم..

بعد قراءة هذه الرواية اتضحت مدى صعوبة الفكرة ليست علىّ فحسب بل على الكاتب أيضاً، فهو مُطالب أن يتخطى حدود العلم إلى المعرفة، مُطالب بوصف عالم لا أعرفه، مُطالب بكل التفاصيل التى تُقنعنى بعالمه، وتجعلنى أخرج منها كخروجى من رحلة لطيفة بعيدا عن عالمى الواقع. وهذا أمر إن حدث فإن هذا العمل الأدبى بطبيعة الحال ينضم سريعا إلى عصبة الأدب العالمى لأنه حوى كل الصفات المطلوبة فى الأدب الموسوم بالعالمى، ونحن لا نقرأ من الشعوب الأجنبية إلا أدبهم العالمى، الأمر أشبه بالدوارن فى دائرة مفرغة! ففى النهاية لن نقرأ إلا الأدب العالمى، حتى أننى بعد هذه الرواية أخذت أفكر بجدية أن أقلل من قراءة الأدب وإتاحة الفرصة للعلوم الإنسانية، وإن قرأت الأدب فلا أقرأ إلا العالمى..

فى هذه الرواية بالذات ينقصها الشعور باللون الأسود، ينقصها البشرة السمراء، ينقصها النيل والشمس، باختصار، ينقصها روح السودان!
ــــ
لو قرأت هذه الرواية فحتما ستشدك اللغة، حتى أنى فكرت فى بعض الأحيان ألا أكمل قراءتها لكن رواية بتلك اللغة لا يجب أن تكون تلك نهايتها. وعند الحديث عن اللغة يحضرنى رأى لتوفيق الحكيم أورده فى كتابه "التعادلية مع الإسلام" فى معرض حديثه عن الأدب وهو أن هناك تعادل يجب الانتباه إليه فى الأعمال الأدبية حتى لا تهبط إلى درك الانحطاط والابتذال، وهو أن اللغة والأسلوب لا يجب أن يتعاليا على الفكرة فلا تكون ثوبا فضفاضا على جسدٍ ضامر، ولا أن تكون اللغة والأسلوب متواضعان بالنسبة لفكرة تحتاج إلى مجهود. اللغة هنا رنانة جدا ومتكلفة أحيانا، مثل فتاه أسرفت فى وضع مساحيق التجميل على وجهها، فبدلا من أن تصير أجمل صار وجهها مشوها..
الحشو:
أكثر ما يعيب هذه الرواية هو الحشو الزائد، حتى أنى قد أفتح صفحة عشوائية من الكتاب الآن ولا أتذكر بعض الأحداث المكتوبة، فأغلبها حشو، ولى بعض الملاحظات على هذا "الحشو":
- من قرأ الحرافيش لنجيب محفوظ سيلاحظ فى بداية كل فصل مقدمة لاتزيد عن خمسة أسطر على لسان الراوى (الكاتب) يعطى فى هذه المقدمة نبذة فلسفية سريعة، تشريحاً نفسياً، ثم بمجرد أن ينتهى هذا التدخل من الكاتب حتى تبدأ الأحداث فى الحركة وتبدأ الشخصيات فى التفاعل، هذا التدخل أشبه ب(ملح) الرواية، هذا التدخل من الكاتب مطلوب كما الملح بالنسبة للطعام، فى الحرافيش كانت نسبة التدخل هذا ضئيلة جدا بالنسبة لأحداث الرواية، ففى حالة زيادته تصير القراءة مملة، رواية مهر الصياح مكتوبة بلغة (الملح) هذه ( حيث تصبح الرواية أشبه بفيلم سينمائى تتوقف مشاهده بين الحين والآخر ليخرج علينا الكاتب وهو فى ثوب الناقد المُتعاطف ليشرح ماحدث وما يتفاعل داخلهم متأثراً بمعاناتهم، فيبتعد عن جوهر الأحداث، وحينها تصبح الأحداث عاجزة عن وصف نفسها بعد أن تولى أمرها تدخل الكاتب)
- تقنية الحوار تُستخدم لإبراز ما يفتعل داخل الشخصيات من عواطف ومشاحنات، إلا أن الكاتب لا يفعل هذا، بل يضطر إلى أن يذيل كل حوار بتدخله حتى يشرح لماذا قال وكيف قال.. حتى أنه فى أحد الحوارات كان هناك سؤال من أحد الشخصيات، أتت إجابته (المفترض أن تكون مباشرة) بعد ثلاثة عشر سطرا من التدخل المحشوّ، لك أن تتخيل أنك مضطر لتذوق كل هذا الملح!
غالبا هذه هى مشكلة الروايات؛ أن الكاتب مضطر لكتابة فكرة لمعت فى ذهنه فيما يزيد عن الثلاثمائة صفحة، فيضطر إلى الحشو لملأ الفراغات!
ـــــ
من الشخصيات الغريبة فى الرواية، شخصية حلحلوك المجنون:
كانت أمانيه أمام سلسة الكوراك سخيفة بعيدة عن الجنون، كأنه شاعر حداثىّ متمرس يكتب قصائده المطلسمة العصية على الفهم، كأن يطلب مثلا من السلطان بيتا ليس فى الأرض أو جارية بلا ثديين.. ذكرتنى بقصة كتبتها كانت فيها مجنون وكان يشحذ العملات المعدنية ليصنع منها قمرا كبيراً، وبمراجعة ما كتبته فيما بعد شعرت بسخافة الأمنية (يصنع من العملات المعدنية قمراً كبيراً)، فعدلتها لتصبح أعقل جنوناً!
- رغم لغة الكاتب القوية إلا أن هناك بعض القصور فى الوصف، كأن يصور هبوط قافلة محملة بالبضائع بإنسان يتقيأ! أو يصور استقبال نوافذ القصر لهبات النسيم بطفل يرضع، وغيرها من الصور التى استوقفتنى كصور ناقصة..
ــــــــــــــــــــ
فى الختام:
فإن القاريء ينتقد للوصول بالعمل الأدبى لحالة الكمال، وهذا أمر قد يكون محال، وهذه خسة أتلذذ بها، إلا أنها خسّة تتميز بالشرف والنقاء.
ـــ
إلا أن هذ العمل يتميز ببعض الإنسانية التى خففت من بعض مساوئه، فأمنية آدم التى أغضبت السلطان وعاقبه بتحويره وانضمامه إلى الرعاع البؤساء، حينها انتهت حياته الحالمة إلى حياة شبه ميتة، فى نهاية الرواية وبنهاية غير متوقعة تتحقق أمنيته التى لم يحلم بغيرها..

فمع أسوأ الأحوال هناك أمل، فقط.. احلم

رأيت الله

My rating: 4 of 5 stars

(يارب النور يفضل قاطع).. قالتها نفسى المتأملة عندما اكتشفت السماء واكتشفت النجوم واكتشفت النسيم، كنت أنا وحدى بينهم على سطح منزلنا حين انقطع تيار الكهرباء وتوقفت أجهزة الهواء، حينها لجأت إلى السماء، ونسيمها الذى لا ينقطع من علٍّ، السماء هى السقف التالى مباشرة لسقف منزلنا، صعدت الدرج أتأبط هذا الكتاب عاقدا العزم على أن أهبط منه وقد أنهيت قراءته..

عودةً إلى الليل، فلو يعلم الناس ما فى الليل من سحر لتمنوا اليوم كله ليل، ومع ذلك ولشقاء الإنسان وحماقته كانت تمرق من أمامى آشعة خضراء بعيدة لا يعلم صاحبها أين تصل إلا أنه يعلم يقيناً أنها أزعجت أحدهم وكدرت اتصاله بالنجوم؛ إنه الليزر فى حضرة النجوم.. تُعساً.. هذا الكتاب يتحدث عن علاقة الليزر بالنجوم!

لن أستطيع أن أشرح علاقة الليزر بالنجوم فى الصوفية! لعلّ السبب أن هذا كتابى الأول مع الصوفية
لكنى أتخيل أن يخرج من بيننا صوفى من هذا العصر بروح عصور الصوفية الأثيلة الأولى، ويخبرنا على لسان ربه:

- عبدى لن ترانى حتى ترى نورى ولن ترى نورى حتى تُطفيء الأنوار كلها، يا عبدى احذر الليزر فإنه من شهوة النفس وإذا اشتهت نفسك فقد عبدتها وإن عبدتها فقد بعدت عنى.

وبمناسبة أن أحدهم فرقع فرقعات فى الهواء فرحاً بزيجة أو بمناسبة ما فقد تكون العبارة الصوفية على النحو التالى:

- عبدى، لن تبلغ الرؤية حتى تكتفى نفسك، كُف نفسك عن الفرح بالأشياء والأسماء فأنا الفرح حين ليس هناك بينى وبينك سوىً، كُف عنها الحجاب، كف عنها الألعاب النارية والمفرقعات.

ولا ننسى شهوة العصر الكبرى... الفيسبوك، إليكم ما قد يقوله الصوفى العصرى:

- عبدى لن ترانى حتى تخرج من نفسك إلىّ، ولن تخرج من نفسك حتى تحذف حسابك على الفيسبوك، إحذف إيميلاتك كذلك يا عبدى، اقطع لسان إبليس، صل مابينى وبينك.

ــــ
هذا موجز قد يكون من المنظور المادى شديد السخافة، لكن هذه رؤية النفرى للكون وعلاقة الإنسان بالأشياء..
فى العبارة التالية أرى حد الصوفية الأهم الذى يجب أن تقف عنده الأشياء، يقول النفرى:

- زيارة الواجدين بغير وجد هَجْم (أى: مخالطة الرجل لأهل التصوف دون أن يكون له ذوق فى أحوالهم تهجم)

وفى هذه العبارة الصوفية تحديد لسبب بلاء المسلمين طيلة عصورهم وظهور الخرافات والخزعبلات، هذا لأنه دخل على أهل التصوف من اعتقد أن التصوف كلمات تُقال وأفعال تُفعل، والصوفية فى ظاهرها نوعٌ من الخبل لن يتعدى ظاهره إلى جوهره إلا أهل التصوف العالمين، وحين اختلط العامة بأهل التصوف كان ما كان من خرافات أخّرتنا أكثر مما قدمت الصوفية للإسلام، منها مثلا أن جدّتى رحمة الله عليها حين مرض أبى صغيرا نذرت نذرا للشيخ عبد الرحمن وهو كما هو مشاع من أولياء الله له مقام يقع على طرف بلدتنا، وحين شفاه الله قدمت جدّتى الذبائح وألوان من الطعام لهذا المقام، العجيب أن تلك الولائم والغنائم الأخرى- غنائم الجهل- كان يتسلمها القائم على المقام وكان يتقاسمها مع أهل الشيخ عبد الرحمن المقيمين فى مدينة بعيدة، كان هذا منذ حوالى خمسين عاما مضت، الآن هذا المقام صار مهجورا لا يحمل سوى الذكرى البعيدة لأهل قريتنا المنحدرين عن هذا الماضى..

إذن فالصوفية تجربة روحانية فريدة، أتعجب من وجود مجالس جماعية لهم، فئة اختصت لنفسها لقب الصوفية، وهذا أمر شديد السخافة لأن الصوفية بتجربتها الروحية شديدة الترابط بالشخص الفرد المنعزل..

بالمناسبة هذا الكتاب شديد البعد عن العقل وهذا أمر ثقيل لمحبى العقلانية مثلى وهم فى نظر الصوفية محدودون فى الأشياء لا يتعدونها، وأنا لا أنصح بقراءة الصوفية لمن لن يبلغ رتبتها، لكنى رأيت فى بعض عباراتها تهذيب جيد للنفس وسبر بعض أغوارها، بعيدا عن تجارب الصوفى التى لن نبلغها إلا بشق الأنفس، وهذا ما جعل مصطفى محمود يكرر قراءة مخطوطات النفرى (المتضمنة فى الكتاب) لمدة خمس أعوام لعمقها وصعوبتها فى آن..
ــــــــــــــ

استَمِع لمقطوعة التهويدة لجودار، هى مناسِبة لجو التصوف، تذكرنى برهبان الصحراء القدامى؛ الأنبا أنطونيوس.. والأنبا بولا أول السياح وهم جميعا من بوتقة روحانية واحدة
http://www.youtube.com/watch?v=dNyAZp...

المحاكمة والمسخ | كافكا

My rating: 4 of 5 stars

المحاكمة
4/5

مُحيّرة...
ــ
هل تعرف أن كافكا كتبها فى ليلة واحدة من العاشرة مساءًا حتى السادسة صباحاً، المقطوعات الفنية الفريدة فقط هى التى لها مثل هذه السّمة!
مُحيّرة، فماذا أراد بها كافكا!

لأديب يكتب رواية مثل هذه فى ليلة واحدة دون انقطاع، فإنى لا أشك أنه نفسه لا يعرف مدى رمزيتها وماذا أراد بها، فهو –مؤكد- لم يرسم الشخصيات ولم يوزع أدوارها فى الشكل النمطىّ المعهود ولا استخدم المسودات.. لأن كل هذا العمل الروتينى الرتيب يستغرق وقتاً ويستهلك من الروح الإبداعية، فتلك الروح حين تتواجد بقوة فإنها تتبنى كل تلك الأدوار وتسير بلا رقيب نحو الإبداع الحق... كافكا قد تلقى الهمسات الهادرة من ربة الشعر فى تلك الليلة!

كل ما فعله أنه عبر عن نفسه وحالته النفسية الحاضرة فى تلك الليلة بالرمزية.
لكن هذا لا يعنى أن قصته لاترمز إلى شيء، بل على النقيض؛ القصص التى تُكتب بتلك الروح تكون رمزيتها غاية الإحكام ومنتهى الصدق، فى رمزية "المحاكمة" بالذات لها أكثر من تأويل وجميعها قد يكون صحيحا: لكنى أميل إلى هذ التفسير:

فالإنسان حين يفتح عينيه على الدنيا ("جوزيف ك" يستيقظ ذات صباح) يجد نفسه مطاردا محاكما من محكمة القدر، لأنه لا يملك زمام هذا القدر، فالإنسان يأتى الحياة مُسيّراً، وهو مُطالب دائما بإثبات براءته من تهمةٍ لا يعرفها فهو لا يتحكم فى مصيره ولم يأت إلى الدنيا بإرادته، كأنه لم يأت إلا لأن يدافع عن نفسه طيلة حياته!
وهو دائب البحث عمن يدافع عنه (المحامى) ويحلم بذلك المدافع المثالى الذى لم يره أبدا لكنه يعرف أنه فقط من بيديه خلاصه.. وفى النهاية وبعد محاولاته البائسة للدفاع عن نفسه يُحكم عليه بالموت، نهاية حتمية لا مناص منها..

السوادوية والعبثية هما سمتىّ المحاكمة الفريدتين، جعلتا منها قطعة أدبية فريدة، من حسن الحظ أن صديق كافكا لم يستجب لوصيته بحرق أعماله..
لم يعب الرواية سوى هذا الوصف الزائد خصوصا فى الفصل السابع، فى وصف المحكمة ونظامها الإدارى.
الترجمة لا بأس بها رغم التحفظ، لكن أخطأ المترجم حين ضمّن فى المقدمة مقتطفات من الرواية فكان أن (أحرق) بعض أحداثها..

المسخ
3/5

السمة الغالبة لأدب كافكا هو الاستسلام والخنوع للأمر الواقع، فهو فى المحاكمة لم يسأل عن سبب اتهامه ولم يعترض، بل كان يحاول أن يثبت براءته من هذه التهمة.. وفى المسخ كذلك لم يعترض على حالِه الغريب بل أنه أول ما اكتشف تحوله، بدأ يبثّ محاولاته البائسة فى التأقلم على وضعه الجديد ولم يسأل نفسه كيف ولماذا حدث هذا!
ـــــــــــ
المعاملة التى عومل بها جريجور من قبل والديه وأخته بعد مسخه، تثبت رأيا كنت أتبناه وهى أن أى علاقة بين اثنين تقوم على أساس من النفع، حتى بين أعضاء الأسرة الواحدة، فبمجرد ما أن فقد جريجور مزاياه حتى أصبح عبئا ثقيلا على كاهلهم وودوا لو يتخلصوا منه، وبعدما مات جريجور جوعاً استعادت الأسرة نظامها وقررت التريض فى نزهة بعيدا، وإعادة الترتيب لحياة، بدت لها أكثر إشراقاً، كأنما فاقت من كابوس لا يُحتمل..
لا شك أن هذه السوداوية هى انعكاس لطفولة كافكا البائسة!
ـــــــــــــ
الترجمة هنا سيئة للأسف! فى النصف الأول من الرواية كانت شديدة الملل لضعف الوصف، لا أعرف إذا كن هذا الضعف قصور عند كافكا أم أنه بؤس الترجمة!

تفسير الأحلام | فرويد

My rating: 2 of 5 stars

عذرا لهذا (الهرى) القادم، هو ضرورى لإثبات مذكرة دفاعى، لمحة عن شخصيتى القارئة (يمكنك تخطيه حيث الريفيو يبدأ من الصورة):
ــــــــــــــــــــ
لماذا كانت كل تلك المعاناة؟!
على مدار شهرين وأنا أقرأ فرويد، فى البداية يمهد لأفكاره بتبسيط لفكرة الأحلام عبر التاريخ مستعرضا خصائصها وظواهرها، مستشهدا بأحلام من عنده وباستخدام قريحة حاذقة يأتى بتفسير مدهش للأحلام غير متوقع على الإطلاق وفى الوقت نفسه لاتملك إلا أن تصدق هذا التفسير العبقرى، فرويد هنا يذكرنى بالشخصيات الكارتونية المتخصصة فى حل الألغاز؛ المحقق كونان، كرومبو.. لكنه أكثر عبقرية!
ـــــ
لكنى توقفت بعد مائتى صفحة تقريبا عن الشعور بتلك الدهشة، حدّت بينى وبينه مسافات فاصلة، فتوقفت عندى الرغبة، ولأننا فى صدد كتاب عن علم النفس، فيمكننا إذا أن نعزو هذا الشعور إلى عامل نفسى لا أكثر، فقط توقفت عن الرغبة، (نحّوا أى سبب ثقافى آخر له علاقة بالقراءة).. ومع ذلك ثابرت، وتصبّرت، شقّ على أن يفتنى كتاب مصنف على أنه من أكثر عشر كتب تأثيرا فى التاريخ، ثم إن نظريتى فى القراءة تقتضى أنه لارجوع عن كتاب قطعت فيه شوطا كبيرا مهما كانت الأسباب، أولا لتفادى خسارة الوقت الذى اجتُز سابقا، وثانيا أننى على يقين أن الصفحات القادمة لابد وأن تنطوى على شيء ما قد يكون مهما أو فكرى تنثال على رأسى بغير هدى من الكتاب، إلى آخره من أسباب.. لكن اتضح أن قراءته أصبحت مستحيلة، لا رغبة إطلاقا، كأنى أقرأ عن أكثر الأشياء التى لا أود القراءة عنها، على الرغم أنه ليست لدى أشياء محظور القراءة عنها، لكن هكذا كان شعورى! كانت أشبه بحرب نفسية، لابد أن ينتهى هذا الكتاب مهما كلفنى، واعتبرت عدم قراءة فرويد خسران مبين (وهذا ما سيتضح عدم صحته فيما بعد) جرى بينى وبين رئيس تحرير مجلة كبرى حديث ما، تطرقت إلى قراءة فرويد، فاحتد غاضبا أن فرويد قد انتهى، نظرياته قد وراها الثرى، راسلت طبيب نفسى كبير وكان هذا أيضا رأيه (وسيتم تفصيل ذلك فيما بعد)!
إذا فلما الشعور بالذنب الثقيل هذا؟، هوّن عليك يا فتى.. لكنى مع ذلك قررت أن أستمر فى قراءته!! ليس لسبب علمى (معرفة علم النفس مثلا) لكن لسبب أدبى (سيتم شرحه فيما بعد)
تحاملت وقرأت، لكن الكتاب يلفظنى من بين دفتيه غير راغب فىّ كما أنى لست راغبا فيه! واليوم قطعت أمرا لا رجعة فيه، لنكف عن هذا الهراء، لنقطع صلة غير مرغوبة من الطرفين، لننهى المعاناة، وما أن أصدرت قرارى هذا حتى شعرت بدفقات من نسائم الحرية تلاطفنى، فتخرج كتب أخرى للنور، لتأخذ حقها المسلوب، منعنى هذا الكتاب من كتب أخرى عظيمة الأثر ظللت أماطلها حتى يأتى يوم فرويد الموعود، لكنه لم يأتِ..
واليوم فقط يتحقق العدل، يذهب فرويد بنظرياته البائسة ليحل محله كتب طالما انتظرتها كثيرا، كأن اليوم قد تكسرت فيه قيودها...مرحى
ــــ
أنا أبدا لا أضيف كتابا لم أكمله فى قائمة قراءاتى، لكن انتصارا لقيم العدل وزهواً بنسائم الحرية سوف أضيفه لقائمة قراءاتى.. وليكن أمراً!
ـــ
إلى الريفيو، (لكن عذرا؛ سأنتقل الآن من الفصحى إلى العامية، لهجة تناسب حالة العبث!) ...




عارف انت الفرق بين العربيتين دول، هو نفس الفرق بين نظريات فرويد اللى انقرضت والنظريات الحديثة اللى قايم عليها علم النفس الحديث،
نظريات فرويد كانت بمثابة اختراع شيء جديد، العالم انبهر بأفكاره وطريقة تحليله، لكن كل دا تهاوى مع تطور علم النفس، وبقت مجرد ذكرى، يعنى لما تقرا فرويد زى اللى بيشترى عربية قديمة لمجرد حبه للتحف..

نظريات فرويد حاليا غير مطبقة فى أى مكان فى العالم غير فى بعض الدول الاسكندنافية، الأطباء بيستخدموا نظرياته، وعلاجه ممكن يستمر سنين!! والأطباء دول من النوع الكلاسيكى البرجوازى اللى غالبا منفصلين فى برج عاجى!
ـــ
قراءة فرويد صعبة لأبعد الحدود، ولك أن تعرف إنه خد جائزة جوته مش فى الطب النفسى لكن فى الأدب، لأسلوبه الفريد فى اللغة الألمانية، ومساهمته فى تطويرها، وطبعا حاجات زى دى بتقلل خوف الألمان من انقراض لغتهم، اللى فعلا على وشك الانقراض!

تأثير فرويد الأعظم هو تأثير أدبى، مش بس لأسلوبه فى اللغة، لكن كمان فيه آراء بتقول إن "تفسير الأحلام" من أهم الأسس اللى قامت عليها الحداثة، خد عندك مثلا، الشعر الحداثى أو الشعر الحر، اللى مليء بالخيالات أشبه بالأحلام، فرويد مثلا لما يفسر حلم ممكن يطلع منه معانى كتير جدا ودا بسبب عنصر التكثيف، والرمزية الشديدة فى الأحلام، ودا الأساس دلوقتى فى كتير من الأشعار، وسبب معاناتنا فى فهمها!

يمكن الجنس استحوذ على تفكير فرويد لأن الجنس من أكتر عوامل الكبت عند الإنسان، واللاشعور بيتأثر أكتر بعوامل الكبت، فبالتالى المشاكل النفسية بيكون سببها الكبت الجنسى، فرويد شايف كدا!

كمان فرويد هو مكتشف سحر السيجار فى فم المرأة ووقعها الجنسى الفج، ودا برضو من صور الحداثة، وبالمناسبة مارلين مونرو كانت إحدى بشائر الحداثة!
ــــ


الترجمة: من النوع اللى شكلها يبهر لكنها خواء تفتقد للبناء السليم، من نوع ترجمة "اللف والدوران"
ــــ


هذا كل شيء.. والسلام

من المطبخ إلى قسم الطوارئ

منذ بضعة أيام( يوم السبت 27 يناير 2024 ظهرًا) جُرِح إصبعي البنصر (الإصبع قبل الأخير) لليد اليسرى جرحًا خطيرًا أثناء غسيل طبق صين...