الجمعة، 22 فبراير 2013

سر القرية


املأها أنت بالإسقاطات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ســـر الـــقــريــة

  بعدما كثرت الأقاويل حول قريتنا العجائبية وأصل الناس فيها, وتلك التساؤلات السخيفة عما إذا كانت تنطبق عليهم نظرية داروين الشهيرة الخاصة بتطور الأحياء, آثرت الخروج عن صمتى والبوح بأسرارها مضحياً بنفسى التى لا أشك ستطاردها لعنات الأجداد كما طاردت من قبلى الفتى الرشيد التى حولته لعنة ما إلى أبله يشحذ كسرات الخبز والعملات المعدنية ليشترى بها فتاته الدمشقية التى كان يقرأ عنها ولم يعد يتذكر سواها, كان يقول: ستكون زوجتى, هى تنتظرنى, أنا أعلم ذلك. كلما قالها ابتسم ابتسامة واسعة حمقاء وسال من فمه خيط من اللعاب, فكنا نعرض عنه ونقول: أبله !
كما أصابت إحدى تلك اللعنات العجوز الحكيم, فصار بين ليلة وضحاها ماجن سكّير ينتظر حسناوات القرية على قارعة الطريق ليلف أردافهن بنظراته الماجنة ويدعوهن لإقامة الليل معه أو العمر فتعرضن عنه, وتقول إحداهن بعدما كشفت عن وجهها الذابل: كم أصابتك اللعنات ياعم, ثم تذهب يائسة, فيعود العجوز يتذكر وقد سقط من يده كأس النبيذ الأبيض, أكنت قبل هذا اليوم غيرى ؟!
هكذا أصابتهم اللعنات حين غرتهم حكمتهم ورشدهم بالبوح بسر القرية للغرباء, هذا السر الذى أبقى قريتنا على قيد الحياة حتى الآن برضا الأجداد.
فى قريتنا لا يُسمع سوى صراخ السماء الممطرة فى الليل, وصوت الأطفال فى النهار يلعبون لعبة العصا والعصفور*؛ لعبة لا يعرفها سوى أطفال قريتنا ورثناها عن أجدادنا, ومع أن هناك ألعاب أخرى جديدة قد ظهرت مؤخرا, إلا أنها ظلت لعبتهم المفضلة, فلم تظهر لعبة حتى الآن تجعلهم يتقافزون فى الهواء مثل لعبة العصفور هذه. فبينما يضرب أحدهم العصفور بالعصا وتقفز فى الهواء فى مسار منحنى, تذرع امرأة بدينة وسط الصبية لايرون وجهها أبدا, فتنادى على طفليها اللذين غابا عنها أسبوعين كاملين, وبعدما ينهكها النداء تبدأ فى النحيب فيسقط دمعها على الأرض فيعرف الصبية أنها تبكى ولا يظهر ابنيها. وبعدما تيأس تعود وهى تلعنهما وهى تقسم أنها ستقتلهما لو رأتهم, فيضحك الصبية, ويسقط العصفور ويتسابقون فى الإمساك به.
ثم تصطخب السماء ويأتى أمر بالنفير و تشتبك السحب وتتراكب ثم تلتحم وتصير السماء سحابة واحدة عظيمة دائبة الحركة كأنها تغلى, ثم تتوالى الإنفجارات, ويهرب الأطفال بعيدا فإنها ساعة الليل, وقد أنذرتهم السماء بخلوتها مع الأرض. وحين يأتى الصبح والشمس تلتمع على صفحات الماء العكر الأحمر والأسود كأنهما لونىّ الخطيئة, يسير شيخ  فى الخمسين من عمره, يأبى إلا أن يسميه أهل القرية بالشيخ الحكيم حين وجد فى لسانه فصاحة اعتقد أنها ستبطل لعنات القرية, فكلما مرّ على نسوة دق بصولجانه الخشبىّ الأرض الطينية, ونظر مليّا فى وجوههن ثم تحدث كثيرا إليهن بحكمته وهو يلوّح بيده اليسرى فى الهواء منفعلاً, ثم فى النهاية يهدأ ويفتعل ابتسامة مشرقة كلون الشمس بعد ليلة الخطيئة, ولسبب ما تضحك النسوة بعدما يبتعد عنهن ويتغامزن فيما بينهن, وعندما يقترب العجوز من بيت السيدة البدينة يصيخ السمع إلى الجدار فيسمع نهنهات وبكاء فيتنهد حزينا ويقف وهو يتأمل صولجانه المنغرس فى الطين, ويقول: "إن جدران مساكننا لم تعد تحتمل.. آه لأحزان البشر", ثم يسير متململا تاركا خلفه الجدار والبكاء, فلا يسمع سوى دقات صولجانه اللينة على الأرض الطينية تنغرس فى ورقة مرسوم فيها نيرون متكئأ على كرسيه المذهب من شرفة قصره بجواره نمره الشبعان وروما من أمامه تحترق فتنعكس على جبهته ألسنة اللهب المتراقصة, وفى وجهه الصموت عبارة: "ما هذا الملل, لنطفيء هذا الحريق" ويبتعد العجوز, وقد اتسخت الورقة بالطين وابتلت بالماء حتى بدت الحريق كأنها انطفئت, فلا يشعرن نيرون بالملل !
لكن حين يقترب المساء وتصير السماء فى لون الزمرد, وقد أنهكها صراخ الأرض وارتعاش أطرافها, تُبدى التسليم, فتُمسى الأرض ملك أهل القرية فى هذا المساء, فيجتمع الصبية فى دائرة تحت سور مهجور, فيقصّ أكبرهم سنّا حكايات الجان والعفاريت فتلتصق أفخادهم المرتعشة وفى عيونهم الدهشة رجفة الخوف وحب الفضول معا, وهم فى كل ليلة ينتظرون حكايات الجان والعفاريت...

ــــــــــ
* العصفور: عصا فى طول كف اليد



فبراير 2013

السبت، 16 فبراير 2013

المَسرحِيّة




المخرج
لا داعى للمَزيد
فَرّطْنا فى اللّونِ الأحْمَر
كان مَشهَداً طَويلاً
ابْتَعنا السكاكين مِن بائِعِ المَوْت
أَعطَيناه مَلايين الجُنيْهات
وأَحْضَرنا المُمَثلين
حَفِظوا أَدوارَهم
ها؛ أَنْتَ أيُّها اليافِع
يا ذو الشّعرِ الأَسْود
يا ذو القامةِ الطّويلة
اخفى ابْتسامتَك
أَنتَ سَتقوم بِدَورِ القَتيل
وهَذا البَدين سَيرْتدى أَبْيَض فى أَبْيَض
ونظّارة سَوداء
ونٌعطيه السكّين
سيبقر بَطنَك
لا تَصرُخ!
لا, بَل اصْرخ حتى يَكُون المَشهدُ صادقاً
وهنا فَوقَ السّجادةِ البَيضاءِ سَتسْقُط
حينها ارسُم ابتِسامتَك
ونَحنُ سَنَسْكُب دَماً تَحت صَمْتك المُفاجِيء
ونَكْتُب فى الهَواءِ بِالدُخانِ: شَهيدُ
بالطَبعِ سَيَبكون ويُصَفّقون
.....
البطل الثانى
أمّا أنا يا مُخرِجَ النصّ البَديع
سَأَكون قَتيلاً آَخَر
وهَذِه السيّدة ستلعبُ دَورَ الأُم
سَتَرتدى العَباءةِ السوْداء
هى ماهِرة فى البُكَاء
مُذّ فَقَدت ابْنَها فى مَسْرَحية أُخْرى
حينَ صَدّقَ المَلكُ أَنّهُ امتَلَك
هى تَبْكى مِن يَومِها
وتُطالبُهم أَن يَسجِنوا المَلِك
هاها.. لا تُصَدقُ أَنّها كَانت مَسْرحِية
 وقَدْ أَتْقَنوا أَدْوارَهُم
أمّا ذاك البَدين ذى النظّارةِ السوْداء
فسيقتُلنى بِنَفسِ السكّين
وَهِى سَتذكُر ابْنَها
ستَبْكى, ويُصَفّقون


صوت مجهول
سَنَبيعُ لَهُم الدّمْعَ وهُم يَشْترون
سنُصدّق نَحْنُ أنّنا متنا
وهُم يَبيعون دَمَنا لِمَن يَبْخَسون
سَيدّعون أَنّ الوَطن قَدْ صار حُراً
وهُتافَنا لازال سَجينَ الدّفاتِر
يَنْتظرُ إِمْضَاءَ القَاضى
ذى الوشاحِ الأَخضَر
سَيُزورون النّص المَسرحى الذى كَتَبْناه
فَيَمنَحهم القاضى الحَياة
مُدَعياً أَنّها البَراءَة!
ويَمْنَحنا نَحنُ المَوْت
مُدّعياً أَنّه العَدْل
وتِلكَ السيّدة المَسْكينة
سَتَبكى عِندَ بَابِ المَحْكَمة
وهى تُنادى ابْنَها الذى صَار جَانياً
ويَخْرُج أَمَامَها القاتِل
سَيَقْتلها بِضحكته بَعدَما تَحفّظوا على سِكّينه
سَتموت بَعْدَ قَتْلتين, لاشكّ
ويَنْقَطِع خَبرُ الشّهيد
أمّا الوَطن
فَحقّه كَما الشّهيد
مَحْفوظٌ فى الدّفاتر
يَنْتظرُ إِمْضاءَ القاضى
حين يَنتَهى القاضِى مِن الإِمْضاء
سَيُصَفقُ الجُمهور ويَقَف,
سَيَبكى بِحَرارة
وحين يَنْتهى المَشْهدُ الطويل
سَيخرجون للطُرقات
سَيتفرّقون
ويُوقّعون بِجوار صَناديق الاقْتِراع
 فَيأْتى مَلِكٌ جَديد
وَسَيّدةُ جَديدة تَبْكى
ابْنها المَفْقود
ويَسقُط دَمْعَها على نفسِ العَباءةِ السَوْداء
حينِها سَنُفكّر فى المَشهدِ الثانِى مِنَ المَسْرَحِيّة
سَيَأتى أَبْطالٌ  آَخَرون
سَيَأتى قَاضِياً آَخَر
سَيَأتى جُمْهورٌ آَخر
سَيَأتون عِندَ نَفسِ الوَطَن
لَكِن المَسْرَحِيّة لَن تَنتهى.. لن تنتهى

عزازيل.. مرة أخرى

My rating: 4 of 5 stars

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة هزيلة
قرأت عزازيل لأول مرة فى أكتوبر 2011 لم يشدنى لها سوى هذا الصيت وتلك الشهرة الواسعة فانجرفت نحو الانبهار –وهى حق كانت جميلة- بدون أى نقد موضوعى لها, وكنت بعد ابن الستة عشر كتابا, مبتدئ.
وها أنذا أعود لها بعد 48 كتاب لأكتب ماتمليه علىّ ذائقة أدبية مقدارها أربع وستون كتابا, مقدارا يسمح لى باستجلاء وجهة نظر واضحة... وقد آثرت قراءة كتاب أقباط مصر (للمرة الثانية أيضا) للإلمام بالأمور التاريخية واللاهوتية وحقيقة الدين المسيحى.
القراءة الثانية تختلف تماما عن القراءة الأولى, فمن ظن أن الرواية هى مجرد رواية تاريخية تحكى عن المشاحنات الكنسية الكبرى, فالقراءة الثانية ستوضح أمورا خطيرة كُتبت لأجلها الرواية. فالحقيقة أن التاريخ فى عزازيل لا يمثل سوى جانب هامشى من هدف الرواية نفسها, كأنها بساط تسير عليه لا أكثر.
كما تأتى قراءتى لعزازيل فى الوقت الذى يحدث فيه عندى تحول فكرى, إعادة تفكير فى الثوابت أو ما اعتقدت دائما أنه ثابت, حالة من الشك , لذلك فقد انعكست تلك الحالة على قراءتى.

أولا: مايُحسب للرواية
- لجلال أمين مقولة أتذكرها دائما: الكتب الرائعة هى تلك التى تمدك دائما بالأفكار, لا أذكر كتابا أمدنى بسيل من الأفكار مثل عزازيل, فأنا أذكر فى قراءتى الأولى كتبت مقالا من فكرة انبثقت عن جملة وحيدة, وكان أول مقال أكتبه فى حياتى:
ـــــــــــــ
- ذكرت أن القراءة الثانية تواكب فترة تحول فكرى خطير, وقد رأيت الرواية على النحو التالى:
تنقسم شخصيات الرواية إلى:
• شخصيات حقيقية (نسطور-تيودور المصيصى-كيرلس-هيباتيا-...)
• شخصيات خيالية (هيبا- أوكتافيا – مرتا-...)
الشخصيات الحقيقية تمثل التاريخ الثابت, وهيبا هو الإنسان المثقف الدائب على البحث عن الحقيقة داخل هذا التاريخ, إنسان كل عصر, ولاسيما القرن الحادى والعشرين المليء بالشكوك.
مثلت لى الرواية من هذا المنطلق إبحار فى عالم الشكوك , مواجهتها, مجادلتها, ولم ينس هيبا اصطحاب الخطايا معه, فكانتا أوكتافيا ومرتا, فما من شكوكٍ إلا وصاحبتها الخطايا. لذلك فإن اقترحت اسما آخر للرواية لكان: شكوك وخطايا.
كانت أول مواجهة فى عالم الشكوك هى مواجهة النفس للاعتراف وطرح هذه الشكوك أمامنا للتخلص من عذاباتنا فكان ألم النفس الذى لازم هيبا لتدوين سيرته واعتقاده أنها دائما من عزازيل, فما التدوين إلا مواجهة النفس مواجهة صادقة, أما ثانى تلك المواجهات فهى مواجهة الخرافات والأساطير الطامسة للعقل, فكانت قصة المسامير التى تضيء ليلا (ذُكرت فى منتصف الرواية) فلما انتهت رحلة الإنسان (هيبا) إلى عالم الشكوك انتفض ضد هذه الأساطير معلنا:
"لم تكن هناك مسامير صدئة تتوهّج فى الظلمة, ولم أجد هناك أىّ شيء غير الظلام المكدس فوق الظلام"
- نجح يوسف زيدان فى أنسنة قضايا طائفية كبرى, مثل مقتل هيباتيا, فنحى كل الجوانب الدينية وجعلنا جميعا نشعر بالحزن والأسى لتلك الحادثة المفجعة, بغض النظر عن أى خلفيات عقائدية, فكانت ضربة قاضية للتطرف, وكانت المواجهة الثالثة ضد التطرف.
وفى النهاية تجتمع كل المواجهات فى مشهد واحد:

ثانيا: مايؤخذ عليها:
بعدما قرأت عزازيل للمرة الأولى كنت شاهدت كل حلقات يوسف زيدان بخصوص الرواية وكانت تلك أول مرة أعرفه فيها, ومن ثم توطدت معرفتى به وبالرواية فعرفت عنهما الكثير.
الكلمة عنده فوق كل شيء يقدسها لذاتها, ستطغى على أىّ شيء لإظهار نفسها, والفلسفة كلمة, والرواية – ولا يخفى على أحد – مليئة بالتفلسف, وهى وإن كانت تخدم الفكرة أحيانا, إلا أنها فى أحيانا أخرى تضعفها وتهمشها لإظهار نفسها, مثلا, تكررت هذه الصورة بشكل مزعج:

(النجوم كانت شبيهة بالنجوم فى بلادى الأولى, والسماء مثل التى كانت هناك, لكن الأرض كانت غير الأرض.. وكنت أنا غيرى)
ـــ
(لكنهم ليسوا إخوتى.. أنا لستُ منهم, ولستُ منى)
ـــ
(فى لحظة ما أدركت أننى لا أعرفنى)
ـــ
(أنا آخر غير هذا الذى كان, ثم بان!)
ـــ
(وأدركت لأول مرة أن الناس شجر, وأن الشجر مثل الناس, غير أن عمر الإنسان قصير..)
ـــ
(هل سأقضى معها السنوات الأخيرة من عمرى حارسا لها, منها ؟)
ـــ
تكرر هذا النوع من العبارات بصورة لافتة.

وفى هذه الجملة الأخيرة بالذات, قطَعَت الفلسفة الزائدة عن الحاجة حبل خيالى الممتد من أول الفقرة فكان الأمر أشبه بصحوة من إغفاءة خيال إلى تفلسف ثقيل. أحيانا نحتاج الخيال أكثر من الفلسفة.
أحيانا تغرى الفلسفة الكاتب فتطغى على الفكرة, فتصير عبئاً لا سنداً, وهذا ماوقع فيه يوسف زيدان فى عبارات كثيرة فأحيانا يظهر يوسف زيدان الفيلسوف السكندرى ويختفى هيبا الراهب.

بعض العبارات ضعيفة الوصف:
(لم يمنعوا أحدا, مع أن وقفتهم كانت توحى بأنهم على وشك المنع)
وصف غير دقيق, وبعيد.
(ينظرون بكسل)
لا أعرف كيف تكون نظرة الكسل لحراس مدينة عظمى!
فى وصف هيباتيا: (كل ما فيها كان أبهى من كل ما فيها !)
وصف مفتوح وغير محدد!
- وفى وصف الفريسى الأقنوم: وصفه أنه (وقور, لكنه يضحك, ومع هذه الوقارة يضع يده على فمه حين يضحك كالعذارى) هى من أغرب الصور التى قرأتها فى وصف إنسان, ولا سيما راهب, كما أن تلك الصورة لم تستخدم فيما بعد, فكان وصفا غريبا زائدا عن الحاجة !

- بعض مناطق الحوار التى استشعرت فيها غرابة كأنها مأخوذة من فيلم أبيض واسود !
ـــــــــــ
ـــــــــــ

تُرى بالمناسبة, لماذا فى سن التاسعة بالذات تزوجت مرتا ؟!
...
لن أتكلم فى الإسهاب الجنسى وفى تلك الأوصاف الدقيقة التى لم أجدها فى مواضع أخرى, لكن هناك شيئا لا يجب السكوت عنه. أنا مؤمن تماما بأن تكون الشخصية حرة كما يريدها الكاتب لا كما يريدها القاريء, لكن بأى مبرر يُصوّر هيبا كالمهووس جنسيا فيستبيح كل الأوصاف الجنسية فى أى موقف حتى فى حديثه العادى مع مرتا فكان يهيم فى بحر من الأوصاف الجسدية كالمريض نفسيا !

لا أعرف, لما قرأت هذه الفقرة تخيلت هيبا يلهث مدلدلاً لسانة !
**********


حسنا.. هذا ما لدى, أو ما أتذكره, وقد عمدت إلى التركيز على نقاط الضعف, لأن عزازيل أخذت حقها فى المديح والتقريظ.. وأعمت الكثيرين عن نقضها كما يجب..

وفى النهاية هذه الجملة كنت كتبتها على الصفحة الأخيرة من الكتاب منذ قراءتى الأولى:
 -اكتب يا محمد, اكتب كل ما قرأت .. 
- عزازيل ؟! 
- نعم, أريدك أن تدوّن ! 
- أما كنت حاضراً بيننا ؟ 
- كنت, لكن أود أن أعرف . 
- تريد أن تعرف... 
- اكتب.. 
- عزازيل, أخذتنى من أطراف عقلى إلى أفق بعيد غير الذى أراه, إنها عمل عظيم, لقد أمدتنى بسيل من الأفكار, وشحنت عقلى بمداد أنيق, بسطت لى ألوانا من المعرفة, أليس بكلمة واحدة أنبتت فى عقلى فكرة خرج من رحمها موضوع فلسفى رائع عن الإيمان, تتجدد كل يوم بفكرة جديدة..
- أنا فعلت كل ذلك؟! 
- ليس أنت أيها الملعون, إنها الرواية !



قصة قصيرة, كنت كتبتها عن عزازيل:
14\2\2013

الجمعة، 1 فبراير 2013

محمد رسول الحرية

My rating: 2 of 5 stars

إذن فقد أرادها خيرا, وكانت النية سليمة, أراد عبد الرحمن الشرقاوى ان يوجه هذا الكتاب بصفة خاصة لغير المسلمين ليقدم لهم الرسول الإنسان المقطوع الصلة بالسماء !. لكنى أقول أن محاولته هذه جاءت كما قال المثل الشعبى "جه يكحلها عماها" !
إن اعتبرنا هذا الكتاب عملا أدبيا (رواية مثلا) كما أرادها عبد الرحمن الشرقاوى, حينها يمكن أن تُصنف على أنها فشلت فنيا؛ أداء فنى وأدبى ركيك, لم يضف الشرقاوى للسيرة سوى النذر اليسير من تأويلاته السطحية؛ فيفسر انفعالات ومشاعر الرسول مثلا على هواه !
أمر آخر مزعج: التطعيم المباشر لتفسيرات عظيمة فى مواقف عادية: كأن يقول مثلا "واستدعى محمد شاعره حسان بن ثابت ليقرض شعرا فى الإسلام.. فقد كان محمد يحب الشعراء ويقدر الثقافة ويضع الثقافة والمثقفين فى موضعهما العظيمين" ! وهكذا فى معظم المواقف العفوية ,المتوارثة عند العرب.
لم أشعر بها عملا أدبيا, كأنها دراسة إسلامية عادية, مملة كثيرا حين يقحم الشرقاوى نفسه وسط الأحداث !!
الغريب أيضا فى هذا الكتاب أنه لم يأت ذكر كلمة قرآن سوى 3 مرات تقريبا, ولم يأتى ذكر (جبريل) نهائيا, الآيات مكتوبة فى صورة نثر, لا يوحى شكلها بقرآن منزّل, ولا من الوحى, حتى أنه لم يذكر حادثة نزول الوحى لأول مرة "إقرأ.." بل اكتفى بذكر أن وجهه تصفد عرقا, ورتل: "...." فيبدو الأمر كأنه كان حلما أو هزيانا, وللأسف هذه هى أصلا صورة الرسول والوحى عند غير المسلمين, يتعاملوا مع الرسول كأنه أديب مثلا يأتيه الوحى كما الأدباء العظام وأن القرآن من تأليفه, هذه فكرة المعتدلين منهم !!
فتثبت نظرتى للشرقاوى إنه "جه يكحلها عماها"
الأمر الآخر: زوجات الرسول.. اعتدت أنه قبل زواج كل زوجة أن يقول هذه الرواية الشبه متكررة: "وكانت من ضمن السبايا فتاة جميلة فأشار على أصحابه بأن يتزوجها أحدهم فيرفضون أو ترفض هى (أو أى أسباب أخرى) وفى النهاية يتزوجها الرسول" ... كم هى مزعجة تأويلات عبد الرحمن الشرقاوى!!
هذا بالإضافة للأخبار الغريبة التى لم أسمع عنها من قبل كما فى قصة حمزة وعربدته مع الخمر, وقصة محرف القرآن الذى أسمع عنه لأول مرة من الشرقاوى, وغيرها من القصص !!
والكتاب طبعا خالى من المصادر, فلا نعلم من أى مصدر استقى معلوماته..
فى النهاية: هذا العمل رائع حقا لمن يريد أن يكتب قصة عن السيرة ويريد أن يتحاشى كل هذه المغالطات والشطحات .
للأسف هذا العمل الأدبى العظيم عن السيرة لم يُكتب بعد, وفى اعتقادى أنه لن يكتبها مسلم !
الأمر الوحيد الذى يُحسب للشرقاوى: التسلسل اليسير للأحداث واللغة السهلة البعيد عن تعقيدات الكتب الإسلامية العتيقة.

ملحوظة: *قرأت من قبل كتاب "الرحيق المختوم" الذى على أساسه وجهت انتقادى.
*لمن يريد أن يقرأ هذا الكتاب, يُفضّل ألا يكون مصدره الأساسى عن السيرة

من المطبخ إلى قسم الطوارئ

منذ بضعة أيام( يوم السبت 27 يناير 2024 ظهرًا) جُرِح إصبعي البنصر (الإصبع قبل الأخير) لليد اليسرى جرحًا خطيرًا أثناء غسيل طبق صين...