الأحد، 12 مايو 2019

القارئ

    قابلته ذات أصيل في أحد المقاهي، كان ملثّمًا ويرتدي جلبابًا أزرقًا، وأنا سألته: "أتيت من الصحراء الغربية؟"، ساعتها نظر إليَ مستنكرًا، رفض شرب أي شيء وشربت أنا الشاي. تحدّث معي كثيرًا، وفي النهاية أخبرني أني سأموت غدًا، وأنا شكوت له أني لا زلت صغيرًا، وأحب الحياة، وتعرفت على فتاة أخيرًا، وطلب فنجان قهوة وأنا انتظرت حتى جاء النادل، قلت "هل هذا آخر كلام؟"، قال "نعم، هناك لوائح"، وأنا طلبت قراءة اللوائح، ثم كشف عن وجهه، حدقت فيه طويلًا، وقرأت اللوائح، ثم أعاد لثامه بخفةِ مَن أمامه العمر كله، وأنا شعرت بالوهن كدنوّ الأجل، جاء النادل بالفاتورة وأنا حاسبت، غادر المقهى، لم أنظر خلفي لأتابعه، ظل شبح وجهه أمامي، حملت كتابًا كنت أحضرته معي للقراءة في المقهى، وغادرت. عند المفترق، نظرت يمنة ويسرة، لم أجد له أي أثر، وبدأت أجهز لمراسم موتي المبكّر؛ اتصلت بها وأخبرتها أني أحبها وأريد تقبيلها، رفضت لأنها ظنت أني تحت تأثير الشهوة، وكنت حقًا تحت تأثير الشهوة التي سأفتقدها بعد موتي، لكني غضبت لأنها لم تفهم أني سأموت غدًا. عندما تقابلنا، وكانت تتكلم معي كأننا فعلنا شيئا فاحشًا في الحلم، سألتني عن ديوان لوركا الذي أعطته لي وطلبت أن أقرأه، كذبت وقلت أني قرأته ولم يعجبني، ولم يعد من مجال لفتح حوارٍ بعدها، حاسبتُ وغادرنا المقهى وافترقنا، ولم أنظر خلفي، ومن خبرتي في العلاقات تأكد لي أن هذا آخر لقاء بيننا.

في البيت وجدته ينتظر ومعه اثنين ملثّمين، وكانوا يشربون القهوة. لوهلة ظننتهم لصوص، حتى نظر نحوي الرجل الذي قابلته في المقهى، سقطت من يدي المفاتيح، وشعرت بالموت ورائحة قديمة تزكم أنفي. دعوني لأجلس معهم، وأفهمني أن هؤلاء جاءوا للتنفيذ، ثم أشار لي ناحية باب غرفتي، وفهمت أني سأموت على فراشي، عندما انفتح الباب وجدت صديقتي جالسة تتزيّن أمام المرآة مرتديةً قميص نوم أبيض واستطعت أن أرى صدرها العفيّ وأردافها الممتلئة، وأشار لي كمن يقدم هدية من العيب رفضها، وأنا رفضت، وزعقت فيهم وأفهمتهم أن هذا غير لائق، وأن عليهم أن ينفذوا الإعدام بدون إضافات، كانت صديقتي ميتّة- أفهمني- وقوانين الموت تختلف، وكشف واحد آخر عن وجهه وقرأت فيه قوانين الموت، للحظة شعرت برضا جامح أنه ليس عليّ ادّعاء المُثل، نظرت إليها وأنا أشعر بالخجل والرغبة. أصبحنا وحدنا بعد أن أُغلِق الباب علينا، استلقت على الفراش وابتسمت بغنج وقالت: "قبلني"، هممت بها، ثم انفتح الباب واندفع ثالثهم، سحبني من ذراعي وخرج، صرخت مدافعًا عن نفسي: "لم نفعل شيئًا"، كشف عن وجهه وقرأت حظي.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...