السبت، 11 ديسمبر 2021

ضيف تقيل

 عندما طلب عم عبده الشرطة كان الكشك قد تحطم بالكامل وجثة ترقد بالخارج، قد لفظ أخر أنفاسه منذ ساعتين، وصلت الشرطة وبدأت في استجواب عم عبده: 

- كم تقدر حجم خسائر البضاعة في الكشك؟

كان عم عبده قد جهز رقمًا، قال:

-ألفين وخمسميت جنيه

في ذلك الوقت كان تجمهرًا آخذًا في التزاحم حول الجثة، فعطَّل الطريق، فانتبه المحقق الذي قطعت أصوات أبواق السيارات تحقيقه مع عم عبده، فذهب بنفسه لينتبه له العسكري المصاحب الذي انتفر من موقفه الراكن بجوار أحد أعمدة التندة التي سقطت عند سقوط الصريع، ودب نشاط في ذراعيه لتبطشا في المتجمهرين، بعد وقت قليل استطاع فتح طريق للسيارات، وهدأ صوت الغضب من أبواقها.

عاد المحقق:

- كم سعر التندة؟

- حوالي ألف جنيه

- الخسارة المقدرة إذن تلتلاف وخمسميت جنيه؟

- أيوا

انفضّ التجمهر وبقت الجثة وحيدة على قارعة الطريق.

جاء الابن الوحيد لعم عبده صاحب الثلاثين عام، واسمه إبراهيم مندفعًا مفجوعا بالمأساة والخسارة التي حاقت بمصدر الرزق الوحيد للأسرة، لكن ما أن وقع نظره على رجل الشرطة حتى تعقلنت ثورته، ضرب بكفيه إثر رؤيته آثار الخسارة، متنقلا بنظراته بين كراتين الشيبسي وأرغفة العيش وزجاجات العصير والمياه الغازية، والبيض والحلاوة، والزيت الذي وثق حركة أقدام الداخلين والخارجين إلى الكشك. ولسبب ما اختار الشمعدان من بين كل هذه البضاعة وقال متأثرًا:

- حتى الشمعدان! 

انتبه له المحقق الذي طلب منه الابتعاد، لكن عم عبده أخبره إن ذاك ابنه.

بدأ المطر في السقوط في الخارج، لكن وقع صوت ارتطام حبات المطر بأكياس الشيبسي موقعا حزينًا في نفس عم عبده، فتجسدت أحزانه، بينما جلس إبراهيم على أحد صناديق الكوك كولا، غير بعيد عن موقع الجثة التي شفّ المطر وجهها من تحت الملاءة البيضاء وفمه مفتوح لزخات المطر. 


ثم وكأنه تذكر شيئًا، بينما يحدّق في الجثة ويسبها في نفسه، انتفض إبراهيم من على الصندوق، وقال للمحقق:

- طيب مين يعوضنا الخسارة دي؟

جاء صوت والده كلحنٍ حزين على خلفية مشهد درامي:

- عليه العوض ومنه العوض.

قال المحقق:

- بنجرد الخساير وهيتم تقدير التعويضات.


كانت مجموعة من الكلاب تحوم حول الجثة فاشرأب المحقق نحوها ليتأكد عدم نيتها الاقتراب، فخرج العسكري يهش وينش كما يفعل مع ذباب المكتب. ابتعدت الكلاب وعاد العسكري يتسند واقفا على عمود التندة وهو يدخن.


عاد المحقق لمجرى التحقيق:

-هل لديك مصدر رزق غير هذا

-لا والله

فجأة قطع الهدوء صراخ العسكري وهو يقول "هش، امشي ابعد". فتحولت نظراتهم من داخل الكشك لما يحدث في الخارج، كانت الكلاب تحاول جذب الجثة من القدمين، لكن نجح الشاويش في إبعادها بالحجارة بعد أن استطاعت زحزحة الجثة مقدارا ليس قليلا حيث لم تعد في مركز مدخل الكشك من الخارج.

قال المحقق بعد أن اطمئن لاستتباب الهدوء في الخارج:

- نحتاج إلى استجواب الشهود

تواصل مع العسكري الواقف بالخارج الذي دخل وفي عينيه وأرنبة أنفه احمرار شديد، أمره المحقق بإحضار الشهود. 

بعد قليل دخل رجل ستيني في عينيه احمرار، وفي وجهه حزن وجفاف. تواجه مع المحقق الذي سأله:

- كيف عرفتم بالحادث؟

- سمعنا صوت انهيار في الطابق السفلي.

- ما علاقتكم بصاحب الكشك عبده إبراهيم؟

- كل خير

- هل أنتم على علم بحجم الخسائر؟

- لا، لكن هل...

فجأة انفجر المشهد إثر عواء عصابة الكلاب التي نجحت في خطف الجثة وفرّت بها هاربة، فهرع المحقق وراءها غير واعٍ، ثم تبعه العسكري الذي فاق من النعاس، ومن بعدهم الرجل الستيني يحاول إنقاذ جثمان ضيفه الذي زاره منذ الصباح.

نجح ثلاثتهم في استرجاع الجثة بعد أن عرقل حجر طريق الكلاب.

عادوا بها حملًا على الأعناق إلى مركز مدخل الكشك، وقامو بتغطيتها بورق الكرتون، بدلا من الملاءة القماش التي ضاعت في الطريق.

كان المحقق جالسًا يحدق في الأرض، يفكّر بعمق، يفرك يديه من آثار الطين العالق بملابس المتوفي، ثم رفع رأسه بخفّة بعد ثقل، وقال:

- هنوزن الجثة

وأشار للعسكري نحو ميزان الأجولة القائم في ركن الكشك البعيد، أحضره العسكري تحت قدم المحقق. لكن انفجر الرجل الستيني:

- يا سعادة البيه دا إسمه كلام! فين حرمة الميت، ميجوزش الكلام ده والله.

هنا تصدى له إبراهيم الذي قال بشكل قاطع:

- وفين حرمة الحي يا عم عبد الحي؟

خرج عم عبد الحي غاضبا، توقف عند جثمان ضيفه، قرأ الفاتحة ثم رجع إلى حيث كان.

تعاون إبراهيم مع العسكري في حمل الجثمان، صعدا بها الدرجتين اللتين تفصلان الكشك عن الشارع، وسارا بهدوء إلى داخل الكشك، لكن انزلقت قدم إبراهيم في المقدمة بسبب زيت الطعام، ففقد توازنه ليسقط وفي إثره سقط العسكري والجثة.


وضعوا الجثة على الميزان لتدب الحياة في مؤشره، حتى استقر عند الرقم ١١٢. فتوجهوا بنظراتهم المتسائلة نحو المحقق الذي كان يفكر بعمق. قال وهو ما زال يفكر:

- وزن ثقيل على التندة

فرد عم عبده:

- وحضرتك كنت مفكّر إننا بنتبلّى على الجثة، ما هي سبب المصايب دي كلها.

- مبتتبلاش، لكن الكلام بينا حاجة واللي هيتكتب في التحقيق حاجة تانية.

في هذه اللحظة انبثق من صمت الليل صوت سرينة بوليس، تقترب في سرعة وثبات، وما مرت لحظات حتى توقف بوكس خارج الكشك، بالكاد استطاع تفادي الجثمان، وخرج منه طاقم شرطة مكونًّا من أربعة عناصر، ذهب المحقق لاستقبالهم، تفحص أحدهم الجثة وانتظر البقية، وحين انتهى تجمعوا في دائرة ليجري حديث خافت بينهم، لا يُفهم منه شيء سوى أنها أمور خاصة برجال الشرطة. ثم انتهوا إلى اتفاق على شيء ما، واستقلّت كل مجموعة سيارتها، ورحلوا عن المكان، وكان عم عبده يشاهد كل ذلك، من دون أن يفهم شيء، خرج إبراهيم، وتوقف عند رأس الجثة، وهو يتابع انسحاب السيارات. حتى خلت المنطقة.

"هم راحوا فين؟" - سأل عم عبده من داخل الكشك بلا حراك، مصغيًا للسكون في انتظار مفاجأة أخرى، "مش عارف" قال إبراهيم وقد أصابه تيه أخضعه للسكون.


ثم جاءت الكلاب وأخذت الجثة بثقة كأنها اطمأنت لعدم وجود الشرطة، سحبها كلبان من القدمين، بينما تبعهما كلبان كبيران كأنهما يؤمنان عملية الاختطاف.

بدأ عم عبده في تنظيف الكشك، بينما قام إبراهيم بجمع الكراتين والعلب الملقية أمامه.


السبت، 24 أبريل 2021

الحساب البنكي

     كانت الساعة الثانية والنصف صباحًا، في الخارج تزأر محركات السيارات بحُرية، وبين الحين والآخر تعوي مجموعة كلاب. النسيم يجد طريقه إلى شباك غرفتي أو أن العالم بالخارج مشبع بالنسائم فطالت غرفتي نصيبها؛ عموما كان الجو ساحرا والبال خاليا وأنا كنت نائم في عز النوم حين زعرت بحلم كالجاثوم، حتى أنني التقطت هاتفي الذي بجواري على الوسادة؛ فتحته قاصدا تطبيقًا واحدًا ألجأ إليه في ظروف كهذه، فتحت تطبيق حسابي البنكي وتأكدت من رصيدي، كان كاملاً غير منقوص، خانة الرصيد ممتلئة بالأرقام؛ شعرت بالرضا ولفظت الأفكار السيئة التي ساقها الحلم إليّ، منذ فترة والأحلام السوداء تعكر ساعات نومي وتوقظني بعنف، على اختلاف طبيعتها إلا إني وجدت طريق راحتي للتخلص من القلق عن طريق الاطمئنان على حسابي البنكي حتى لو كنت في الكابوس أُشوى على مقلاة عملاقة تغلي بالزيت. بطريقة ما طورت أسلوبًا يجعلني أربط بين مجموعة أحداث سواء كانت واقعية أو خيالية وبين مصير حسابي البنكي، ليس في أحلامي وحسب، ولكن في حياتي اليومية أيضا؛ مثل رسالة بريدية من مديري يطلب مني مهام معينة، أحيانا أشعر أن غرضها الإيقاع بي للتخلص مني، حتى إن في موعد تجديد عقدي السنوي تجنبت التحدث في أي زيادة في الراتب كنوع من إثبات حسن النوايا من جهتي وتهدئة الصراع. بدأ الأمر عندما اجتاحت كورونا بيئات العمل حينها خسرت عملي في واقعة تقليل أعداد العمالة وبدأت الأرقام تتهاوى من حسابي البنكي شهرا بعد شهر، حينها أصبحت الحياة اليومية أثقل مما يكون فهي تنهش في هذه الأرقام أسرع من أي وقت مضى، فبانت على قساوتها الحقيقية. وكنت كالذي ينتظر حتفه عندما تتبدل الأرقام أصفارًا. وضعت تصورا للانتحار وخططًا لوظائف بديلة أيضا.
لكن حدث ما يشبه -في قوانين الإيمان- بالمد الإلـٰهي، وحصلت على وظيفة في شركة مستقرة نسبيًا، وما أن أنعشتني هذه التغيرات وأحيتني وأحيت رصيدي البنكي من جديد، حتى بدأت مباريات وهمية بين مصير حسابي البنكي وبين طريقة تعامل مديري معي، والعروض التي أقدمها أمام مجلس الإدارة، وتقييم الأداء السنوي.
منذ ذلك الحين أيضا ظهر نوع جديد من الكوابيس رغم النسيم الذي يعبر شباك غرفتي بين الحين والآخر، وكنت أجد الاطمئنان على حسابي البنكي الملاذ الوحيد من كل هذا.

*****

ليس بالضرورة أن تعكس هذه القصة (أو غيرها عموما) واقعًا حقيقيا عايشته، هي مزيج من بعض الوقائع والخيال. 

الجمعة، 12 فبراير 2021

حكاية منتصف الليل

4 يناير 2016

في تلك الليلة لوّح لي، لو لم نكن في منتصف الليل لظننت أنه يقصد أحد خلفي، وهذا يحدث عادة، أن يلوح أحدهم أو يبتسم ناحيتي، لكني أتجاهله كأنها غلطة. لكن هذه لم تكن غلطة، بل كانت موجهة لي أنا، فالميدان خالي تمامًا.
صاح من شرفة في الدور الأول، في حين كنت أسلك طريقي للعودة إلى المنزل، البرد قارصا، والكوفية تلف عنقي بإحكام، صاح مرة أخرى:
- تعالى متخفش.
لوحت له مستفهمًا وألقيت نظرة خلفي.
- تعالى بس.
اتجهت إلى موقع سقوط رأسه، وأصبح بيننا خطا قصيرا.
-معاك عشرين جنيه؟
لم أدر بماذا أرد، فكل الردود ستكون سخيفة في حضور ثقته الزائدة وكأننا صديقين:
-بتوع إيه؟
-شكلك معاك، هات عشرين جنيه وانا هوريك حاجة حلوه، بص لو حماده كان موجود كان هيديني العشرين جنيه.
سرى لدي يقين أنه مجنون، واخترت أن أعامله على هذا النحو:
-وحماده فين؟
-مات، مات من أسبوع.
-البقية ف حياتك، أنا هروح اجيب العشرين جنيه وارجعلك.
-ماشي بس متتأخرش.
-لا خالص، مسافة السكة، استناني هنا هجيلك.
-ماشي،انت اسمك ايه؟
-سامح، وانت؟
-محمود.
-ماشي يا محمود. هروح انا اجيب الفلوس.
ومشيت مبتعدًا منتظرًا أن يقول شيئًا أخرقًا، حتى صاح من خلفي:
-مش تتأخر يا سامح.
لم أرد عليه، وكأن الموضوع انتهى. لكنه لم يتوقف:
-سامح مش تتأخر..
فكرت أنه سيلاحقني بصياحه، التفت نحوه:
-هجيلك يا محمود.
لكنه كان ذكيا بما يكفي ليستنبط من نبرتي المُتعجّلة أنني أزوغ منه. نظرت خلفي فلم أجد له أثرًا.
لكني حثثت في سيري وأنا أفكر فيما جعله يختفي فجأة هكذا.
حتى سمعت:
- مش تهرب يا سامح.
نظرت خلفي، فوجدته واقفًا وسط الشارع، مرتديًا بلوفر قديم وبنطلون كستور. كان هزيلًا ومسكينا.
-إيه اللي نزلك، الجو برد.
-انت مش مصدقني؟
-مصدق إيه؟
-إن عندي كنز.
-ومين قال؟
-انا قلتلك!
ثم أمال رأسه قليلًا مشيرًا بإصبعه إلى شفتيه، مضيًقًا عيناه.
ثم صاح مبتهجًا:
-إيه دا صحيح، أنا مقلتلكش.. طيب تعالي معايا...
ثم جذبني من ساعدي كطفل، لكني قاومته، فنظر ناحيتي مستفهمًا، قلت:
-سيبني يا محمود، هروح اجيبلك ال20 جنيه.
قلتها ولم أكن خائفًا، لكن إحساسا بالشفقة جعلني متعاطفًا. وإلا لكنت دفعته عنّي وبنيتي أقوى منه.
قال:
-انت مش مصدقني ليه، والله العظيم- اللي خد حماده، فيه كنز.
-طيب عايز العشرين جنيه تعمل بيها إيه.
-هبيعلك الكنز ،أنا محتاج فلوس.
كان يمكنني أن أسأله أسئلة لا نهائية بخصوص كنزه، لكن ذلك سيكون مضيعة كبيرة للوقت، لذا فقد ذهبت معه، ولم ينبس بكلمة، لكنه كان متشبثًا بذراعي كأني سوف أهرب منه.
صعدنا سلمًا ضيقًا لا يسعنا معا، كانت تفوح منه رائحة قذرة، سوره متهدم والإضاءة شاحبة، نظرت إلى ملابسه، كانت قذرة كذلك، كان بائسًا.
عند نهاية السلم دفع بابًا خشبيًا متهالكًا، محدثًا صريرًا. وما أن دخلنا البيت، حتى ارتد الباب من تلقاء نفسه ليعود إلى وضعه الأول.
قلت وقد نفذ صبري:
-فين الكنز يا سيدي؟
أخذ يدور حول نفسه، مشيرًا مرة يمينه ومرة يساره، حتى استنفد جميع الجهات تقريبا، وتوقف قليلا ليفكر مبللًا إصبعه بين شفتيه، وعيناه تتابعان بحثًا مرهقًا في عقله.
فجأة توجه ناحية غرفة. ثم انحنى أسفل أريكة مزيحًا ملاءة تغطيها ليستخرج شيئًا ثقيلا، كان صندوقًا خشبيًا، حمله وجاء به إلي. كان مبتهجًا. كنت أتابعه باستغراب ودهشة بذلك الاحتمال الضئيل جدا، أن يكون هناك حقًّا كنز!
أخذ يفتح الصندوق بصعوبة، متوقعًا أن يتوقف ليفكر في طريقة فتحه، لكن بحماسة شديدة فتحه، ثم أشار إلى ما بداخله، وأنا أمعن النظر بمحاولة بطيئة للاستيعاب، التقط كيسًا وفتحه، ثم نثره فوق بقية الأكياس. سألته:
-إيه دا؟
فكر بصوت كالأنين، ثم قال:
- دا بانجو.
لم أشعر بشيء سوى برجفة غير مبررة من صدري، كان حسن التصرف يقضي بأن أغادر فورًا، لكن شيئًا بداخلي حاول إقناعي أني أمام كنز، وتذكرت، وبشكل يدعو للشفقة، أني بالفعل ليس معي عشرين جنيه، وربما هذه هي هدية السماء.
-وانت عايز تبيعلي الكنز دا ليه؟
-عايز فلوس...
-تعمل بيها إيه؟
-أشتري عربية.
-تشتري عربية بعشرين جنيه ازاي.
قطب حاجبيه، وفكر قليلًا بطريقته التي أصبحت مألوفة لي، ثم قال:
- لا.. عشرين ألف جنيه.
يا تُرى ماذا نسي أيضًا، شعرت أني في ورطة لو لم أغادر حالا قبل أن يأتي أحدهم نسي أن يذكره لي. قلت وكأن شيئا لم يكن:
-أنا هروح اجيب العشرين ألف جنيه واجيلك.
صدقني هذه المرة واثقًا من أن رؤيتي للكنز عزّزت من عرضه.
لكن قبل أن أغادر استوقفني:
-استنى هوريك البانجو بيتشرب ازاي
(12 فبراير 2021)
لم أدرِ بماذا أرد هذه المرة، وقد بدا غير قابل لتصديق أي حيلة أخرى، كأنني صديقه.
تراجعت بظهري للخلف قاصدًا الباب، وقد بدأ في فتح أحد الأكياس، ثم أخد يعب منها في أنفه وفي فمه بلا وعي أو هدف سوى الاستعراض أمامي. كنت قد تراجعت مسافة معقولة لكن ما إن لمح انسحابي حتى جرى نحوي وفي يده الكيس ثم رماه في وجهي وهو يصرخ سعيدًا منتشيًا.
أظنني استنشقت بعضًا منه قبل أن أمسحه بعصبية بكامل ذراعيّ. اقترب مني وهو يقول بهدوء ومسكنة:
هات عشرين جنيه
لكني دفعته بقوة خاسرًا كل هدوئي ورباطتي حتى سقط على الأرض، وجريت إلى الخارج وأنا أمسح كل أثر لتلك البودرة الغريبة عليّ. توقفت عند مدخل البناية أنظر حواليّ وأنا أفكر في الوقت ذاته في سامح فقد سقط بقوة على الأرض. لم يلاحقني وقد أقلقني هذا، وجعلني أفكر في السيناريوهات القاتمة.

الأربعاء، 27 يناير 2021

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...