الخميس، 13 ديسمبر 2012

مسير (خَوْفٌ. حُلْمٌ. مَوْتْ )

خَوْفٌ. حُلْمٌ. مَوْتْ



     كنت أعدو هارباً, صدرى يدفع هواءاً ساخناً كالصهد, عيناى كرتان من اللهب, أبصرت أمامى أعداء لا قبل لى بهم, فدقّ قلبى كدفوف الحرب, فكرت فى الرجوع إلى حيث أتيت, لكن قلبى معى أينما كنت, فخفت أن يتبعنى الأعداء, وجهى ويداى يتصببان دماً مغليّاً , قدماى تدق بشراسة على الأرض فكانت ترد بعنف على رأسى كالمطرقة, فتدفعنى دفعاً, أخذتنى نشوة عَدْوِ الهروب إلى المجهول كأن ساقىّ تدلانى على طريق لا أعرفه.. قد يكون هناك عند نهاية الأفق مكانا أتظلل به.. قد أصل إليه, فاللهب يسيّر الكون فكيف لا يسيرنى !
كانت السماء قاتمة لا تساير جسدى المشتعل , حتى ظننتها لا تعبأ بى , لكنى آمنت... آمنت أنها تحمل لى النعيم عند نهاية الأفق. كانت أفكار كثيرة تحوم حول رأسى التى كانت تشكو من حرّ اللهب, لم أكن أقود عقلى, بل كان هو يقودنى.. تركت له دفة القيادة, عرضت عليه البقاء هناك ويترك لى الأفق, لكنه أبى.. فحملت همّاً على همّ... عقلٌ وقلب,, لا طاقة لى بهم.. لاطاقة لى.

كان العَدْو طَويلاً مُنْهِكَاً
لَكِن الإيمانِ بِقَتَامَةِ السّماءِ مَنَحَنى لَهيبَا عَلى الّلهَبِ..
خِفْت أَنْ أَكون ضَلَلْتَ الطّريقَ
فَكّرْت أَنْ أَسْتَريحَ بِظِلٍ عَريضٍ
لا أَعْرِف لِمَنْ, وَلَم أَكُنْ أَهْتَم..
نِمْتُ, وتَمَنّيْتُ أَنْ يَطولَ النّوْمُ.
تَمَنّيْتُ أَنْ يَكون مَوْتاً فى صورَةِ نَوْمِ..

كان هناك حلماً, تعقبته, عرفت من فيه:
 (كان خبث الدنيا فى وجهه الذى لم أره لكنى رأيت ظهره. كان يقود العربة التى جلست فيها بجوار الرجل المسن والسيدة العجوز, كان الطريق طويلاً يبدو أن لا نهاية له, بدأ بشعلتين تضيء جانبيه فامتد بساط طويل من الضوء بدت عليه العربة كقطرة من الشمع السائل تهبط منزلقة على عمود طويل من الشمع إلى حيث السكون فى ظله الدائم. كنا نسوق أمامنا ظل العربة الذى كان يتسع كلما ابتعدنا حتى تعاظم ولم يقو على قهر الليل فصار ليلاً بهيمياً يغطى كل شيء, وانسلخ من أمه العربة بل التهمها التهاماً. دخلنا فى جوف الظلام المكفهر, ولم نشعر سوى بأنفاسنا الحارة المرتعشة, لم يتكلم أحد فقد كان الليل مهيباً يمنحنا الصمت المقدس .. ادعى ذلك السائق بخبثه أنه سينزل للحصول على مشروبه فنزل وترك العربة تسير وحدها وصاح من بعيد: "سآتى ..لن أتأخر".. ثم احتضنه الليل وذاب فيه, كأنه على موعد!
لم يصدقنى العجوزان أنه خبيث, قال العجوز: لا تقل هذا يابنى, أنت لم تر وجهه حتى!
صحت: إن وجهه خبيث لا أشك.. ثم فجأة صرخت العجوز, فنظرت أمامى , إذ به الموت نقترب منه.. فتصلبت نظرتى نحوه, كان جالساً ينظر إلىّ مبتسماً فى ردائه الرمادى, يداه مبتلتان بندى الفجر السرمدى. عيناه تحمل علم خفايا صدرى, فأردت أن أعرف نفسى من عينيه, سحرنى... تمنيت لو يتقبلنى بين يديه, تمعنت النظر, فكأنه كائن عجائبى أردت أن أحط به علما. لم يمنحنى علمه بل منحنى نفسه, عرفت أنه ذو الكرم.. رحبت به ... ورحب بى..احتضننى داخل ردائه الرمادى حتى ظننته الليل.. ثم.. ثم كان ليل ! )
استيقظت من النوم, كان حلماً كالدهر, فوجدت عجوزاً يرقد بجوارى الأيمن, وسيدة فى مثل عمره ترقد بالجوار الأيسر.. صرخت: أيها العجوزان , استيقظا.. من أنتما.. وأين نحن.. ؟؟
استيقظ العجوز وقال: صِه.. لا توقظها.. لقد أخبرتنى برغبتها فى النوم العميق !
- لكن أين نحن ؟
-استلقى على جنبه الأيمن وهو ينظر مخترقاً الفضاء الملاصق لجنبى.. نظرت إلى حيث ينظر, فوجدتنى فى شرفة عظيمة بلا أسوار وبلا عمد, حولنا كون من الليل, تاهت فيه عيناى, وشعرت أنى ليل . نظرت له بعينين تحملان أسطورة من العجب.. فلما رآهما, قال مجيبا الألغاز التى امتزجت بقطرة من الدمع سقطت من مؤقتى: الموت!
تذكرت السماء, فرفعت رأسى لأعلى, فوجدتها السماء... قاتمة !
 * * * * *

من المطبخ إلى قسم الطوارئ

منذ بضعة أيام( يوم السبت 27 يناير 2024 ظهرًا) جُرِح إصبعي البنصر (الإصبع قبل الأخير) لليد اليسرى جرحًا خطيرًا أثناء غسيل طبق صين...