الخميس، 28 نوفمبر 2013

المحاورة


- مرحبًا يا رب، تأخّرت قليلًا، أنا أنتظرك منذ عامين!

- ............

- لا، لا أريد شيئًا مهمًا يستحقُّ الذّكر أمام عظمتك، لكنّها الأسئلة يا رب، خلقتها ولم تخلقْ لها أجوبة، أتعرف يا رب، الأسئلة الآن تقتل، فلّت السيوف ولم تعد ذات شأنٍ، والآن صارت تقتلنا الأسئلة، كنت أفكّر؛ أليس من الرائع حقًا لو خلقت لكلِّ الأسئلة أجوبة، خلقتني يا رب وخلقتَ معي فتاتي، وجعلتَ لنا طريقًا نتسكّع فيه، ليت كلّ الأشياء رائعة مثل صديقتي، وليت كلّ الطرق معبدة كذاك الذي نتسكع فيه

- ............

- أحبُّها جدًا يا رب، ذات ليلةٍ اعترفَت لي أنها تُحبك مثلما تُحبني وأكثر، لكنها الأسئلة يا رب ما تجعلنا نفترق، بالأمس قتلوا شابًا لأنه سأل، فلما لم تُخلق الأجوبة، ملّوا من ضجيجه وقالوا نقتله، هل رأيت ذلك يا رب، وددت لو أحكي لك ما حدث، لكنك في غنىً عني

- ............

- حقًا يا رب تريدُ أن تسمعَ مني! أنا ممتن لكرمك.. هم رأوه من بعيد، فأشاروا إلى ذاك صاحب الأسئلة الصاخبة، ولمّا كان يسير وفي يده كتابان، لم ينتبه، فصوّبوا نحوه فوهة البندقية فأصابوا صدره، وقع الكتابان ثم لحق هو بهما، وصار مثل نائم يا رب، والدم يسيل من جنبه في هدوء، لم يُرد أحد أن يوقظه، فقط تجمعوا حوله وتناقلوا أسئلته.

- لماذا لا تموت الأسئلة يا رب؟ لماذا خلقتها أبدية؟ ولماذا لا تموت مع أصحابها فلا يموت آخرون يبحثون لها عن أجوبة؟

- ............

- حقًا يا رب! هناك أجوبة.. أين يا رب؟
-

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

ثلاثية غرناطة، وهم العظمة

My rating: 1 of 5 stars


"تخل عن مقدساتك، تخل عن ثوابتك ولو قليل منها، واشرع نوافذك المغلقة لتهب عليها الريح، ألا قد يكون الدفء يوما من إعياء أو مرض؟!"
ـــــــ
تعال هنا أيها الغريب، يا من تجول الجودريدز طولا وعرضا بحثا عن تلك المراجعة التى تشفى غليلك، التى تقول لا بصوت عالٍ، أنت مثلى.. غريب.. طوبى للغرباء.

هذه المراجعة لمتذوقى الأدب، للذين يرون فيه –لذاته- القداسة وحدها.


ــــ
بعد عشر صفحات من الملاحظات على هذه الرواية، وبعد عمليات انتقاء وتفحيص وتمحيص وحذف وتثبيت، ها هو ذا الريفيو يكتمل..

إذن
Let’s party


*المراجعة*
///
** فى هذه المراجعة سأهتم بأدق التفاصيل وأشياء تبدو للوهلة الأولى عادية لكن بتجميعها فى صورة واحدة تظهر مدى ضعف وسخافة الرواية
///

كنت أظن أن عبقرية الرواية التى ظهرت فى التقييم 4.34 هى الإتيان بشيء جديد، فالعبقرية ليس لها معانٍ أخرى غير هذا. لكن واضح أن عبقرية ثلاثية غرناطة هى إجادة وإتقان الشيء المعتاد، وللأسف ما هو أسوأ!

فى البداية وبصفة عامة فأنا أعتبر الروائي الجيد هو كمخرج جيد، فلابد لهذا الروائى أن تكون له نظرة سينمائية من نوعٍ ما، فهو يدير شخصياته يحركها ويعطيها الإشارات لتعمل بالطريقة التى يرتئيها..

بالنسبة إلى رضوى عاشور وروايتها، فإنى دائما خلال قراءتى للرواية كنت أتذكر مسلسل "القاصرات" هذا المسلسل المعتوه، الشخصيات الناقصة، الحوارات الساذجة، اللغة التى لاتمت لروح الصعيد بصلة... وحتى لا يكون كلاما فى الهواء، فإنى سأتحدث عن الرواية من عدة زوايا:

- الحبكة الروائية
- الحوار
- الحكاية والشخصيات
- الشعور واللاشعور
- البطل اللحظى والمربع الشعورى


الحَبكة الروائية:

الفرق بين الحكاية والحَبكة الروائية: الحكاية هى التتابع الزمنى بين الأحداث وهى المسؤولة عن إثارة فضول القاريء فى تتبع أحداثها فهى تتطلب قاريء فضولى. أما الحبكة فهى العلاقة بين المسبب والنتيجة، مثال لتوضيح الفرق:

"مات الملك ثم ماتت الملكة بعده" هذه حكاية، أما "مات الملك ثم ماتت الملكة بعده حزنا عليه" هنا تم إدخال الحبكة والكاتب الجيد هو القادر، ليس فقط على صنع الحبكة، ولكن أيضا على إقناعنا بها والتأثير علينا بها. وفى حين أن الحكاية تتطلب قاريء فضولى فإن الحبكة تتطلب ذهنا متقد.

جملة كهذه تصلح

هنا الحبكة أسخف من محاولة مبتديء يتعلم مباديء الكتابة، فهنا الترتيب الزمنى أنه أكل العسل ثم بعد ذلك أخد يتقافز كالأبله، لكن كيف انبعث هذا الشعور بحب التقافز فجأة؟ لماذا يتقافز؟! رضوى عاشور جعلته أشبه بأبله ساذج! ورضوى لم تقصد أن تصوره بهذه السذاجة بالطبع، لكن ضعف أسلوبها لم يسعفها فى توصيل فكرتها.

وهذا مثال آخر (من نفس الصفحة!)


فهى فى وداعِه تبكى، رغم أنهما لم يتفوها بكلمة ولم يقتربا من بعضهما، هو يرقص ويتقافز كالأبله وهى تغنى ليل نهار(عموما رضوى أحبت أن ترسم صورة كأنها من الجنة مثلا!) وفى ساعة رحيله، ورغم أنها لم تتفوه بكلمة خلال وجودهما معا، إلا أنها بكت وقالت- وها نحن نسمع صوتها للمرة الأولى: ستنسانى!!
المفروض أن حالة الافتقاد هذه ناشئة عن علاقة وطيدة وتبادل للعواطف، وهذا مالم نره خلال فترة تواجدهما معا.

مثال آخر على سوء الحبكة:


فهو قد تطلع إلى العمائر فبكى ثم ضحك! ما الذى تذكره جعله يبكى، وما الذى أضحكه فجأة!!
وهنا:


كان ناقص يقول "ويا ترى يا دار لما بيتفسحوا بيروحوا فين، وياترى لما بيجوعوا بيتصبروا بأى حاجة ولا بيقضوها دليفرى من سوق الفطاير اللى على أول الشارع.." وإلخ من العبث، وإلخ من حالة القيء الروائى!!!

الحوار:

(هو يدير حوارا جيدا. هو روائي جيد)
أستطيع من بين مئات الروايات أن أحكم على رواية ما من خلال قطعة حوار.

هذا كل ما فى الأمر فالشخصية لا تتشكل إلا حين تتحدث.
انتبهت لشيء فى حوارات الشخصيات هنا، فرضوى تسرف فى استخدام الفعل قال/ قالت، فتبدو الشخصية فى حوارها بلا شعور واضح أو انفعال ما، ويبدو الأمر كأنه مجرد ترديد كلام محفوظ. ولاتستحدم الصفات التعبيرية، مثل: قال متذمرا/ احتج/ صاح غاضبا/ قال موبخا/ أطرقت فى حياء.. إلخ.. ، لكن كل الكلام عندها قال وقالت..هذا يجعل الجمل الحوارية باردة ومتشابهة وخالية من الشعور، كما أنه يحمّل الحوار ما فوق طاقته، لأن عليه أن يعوض هذا النقص. انظر مثلا إلى حديث حسن إلى الشيخ إبراهيم:


فيه جمود، رغم صعوبة هذا الحوار إلى حد ما وتطلبه التغلب على الخجل أو الخوف، لكنه ينطلق من مكانه إلى الرجل ويقول له مباشرة: اسمى حسن تربيت فى بيت جدى، أعمل خطاط، زوجنى ابنتك. فيرحب الرجل، وينتهى الأمر.... "اسمى حسن" ذكرتنى بمقولة أحمد حلمى: اسمى رضا :D

مثال آخر على التمادى فى استخدام أفعال قال وقالت


ورغم أن تلك اللحظة تعج بالمشاعر وردود الفعل سواء فى نظرات الخجل أو تعابير الوجه، والاشتياق والعتاب، إلا أن كل التعبير الظاهر عليهم هو (قال) و (واصلت).

أخرى:


بغض النظر عن أن لغة هذه الجملة الحوارية ثقيلة على القاريء ثقل الطود العظيم، والكلمات تقطع قراءتها كأنك تقطع أميال من الصحارى القفر (ليت للعرسان أخوين أصغر منها يطلباننا للزواج)، إلا أن رضوى تصر على استخدام الفعل قال وقالت، لا تلمح لانفعالات الفتاتين لتناسب الموقف، أو ضحكات فيما بينهن، لكنها تظهرهن كأنهن واقفات يرددن كلمات لقنتها إياهن الكاتبة!
ــــــــــــــ

الأدب هو الفن الذى يظهر الأشياء التى نراها بطريقة مغايرة لما نراها ومع ذلك يظل يحتفظ بنفس الصدق لكن رضوى تنقل ما تراه كما تراه بلا أى لمسة فنية أو أدبية انظر إلى هذا الحوار فى اعتياديته:


(وشكرا على الزيت يا أم هشام) هذه الجملة تندرج تحت بند الجمل الاعتيادية الفجة، معدومة المدلول الفنى، الخالية من اللمسة الأدبية، فأن تخصص لها مكانا فى الحوار ذاته هذا خطأ فنى، لأنها تعمل على تشتيت الذهن بلا داعى فكان الأولى أن تنتهى من هذا السطر، ثم تقول- إن لزم امر يعنى-"ثم شكرتها على الزيت ومضت" لأنها فى الأساس جملة عابرة وغير مؤثرة، فبالتالى وجب أن تكون فى وضع غير مؤثر

ومثال آخر على هذه النقطة:


رغم أن علىّ ليس على علاقة وطيدة بأبوي خوسيه إلا إن رضوى تردد ما فى حياتنا- نحن- على ألسنة شخصياتها التاريخية، بلا حتى أى لمسة فنية.

عزيزتى رضوى، ليس معنى أن فى حياتنا العادية نقول على سبيل تمضية الوقت "وأبوك وأمك عاملين إيه" أن تضعيها فى روايتك كما هى كأنها مثلا ستدعم الواقعية!!
ــ
فى هذا الحوار:


يرد حسن مباشرة بأنه حكى للطفل حكاية مفزعة (وهذا مفهوم من سياق الحوار)
ورغم أن حسن يعرف أن هذه الحكايات تعود على الطفل بأثر سيء فهو يرد مباشرة على استفسار مريمة بأنه حكى له حكايات الجان، كأنه لا يأبه بتأثيرها أو أنه حكاها عمداً، تهيأ لى بعدها أنه يقوم وهو يضحك ضحكات شريرة متقطعة وهو يردد "خوفت الواد.. خوفت الواد نياهاهاهاهاها" :D




فى رد فعل مريمة على قرار مثل هذا- قرار الترحيل، كل ما تقوله هى مقولة الأطفال "مش عايز اروّح= لا أريد الرحيل" ومرة أخرى تغفل رضوى عن رصد الافتعالات المعقدة داخل نفوس شخصياتها، وتبدو لى مريمة شديدة السذاجة وأن حدثا جللا مثل هذا لم يستطع أن يخرج من داخلها شيء صادم ناتج عن الرحيل من الوطن، والذى هو فى الأساس أصل حكاية الرواية (الرحيل) فتعجز عن أن تقتنص منهم مشاعرهم الدفينة. رضوى عاشور دائما تظلم شخصياتها بضعفها الأدبى. ومرة أخرى أشعر بخيبة الأمل من رد فعل شخصيات سخيفة عاجزة فى مواقف أنتظر منها الكثير.

أستطيع أن أقول أن رضوى عاشور فى روايتها تدير مستودعا للصور المستهلكة:


هل سمع أحدكم عن (بؤلة)؟!
ـــــــــــــــــــــــــ
الحكاية والشخصيات:


- فى تعليم علىّ اللغة العربية، رضوى تخبرنا (بالتفصيل) أن جده قال له اكتب حرف كذا وكذا وكذا، ثم يعيدهم، ثم بعد مسافة معينة يكتب الحرف المقابل باللغة العربية، تقريبا رضوى عاشور سجلت هنا الحصة كاملة، كأنها تدون (أو تؤرخ) ماحدث، حتى أنها أظهرت كأنه تعلم اللغة كلها فى هذه الحصة، ومرة أخرى لا وجود للمسة الأدبية، وليس لديها حس بأهمية بعض التفاصيل وعدم أهمية تفاصيل أخرى!

ـــــ
وهنا:


الرجل كان لديه كبرياء وأنفة من أنه يكون عبداً وهو أصلا سليل عبيد أى أن الموضوع ليس بقسوة الأسر مثلا، ليس هذا فقط بل إن سيده كان يعامله بطريقة لائقة وهو أقل الأسياد قسوة على عبيده، لكن احتراما لكبرياءه العجيب يترك زوجته وأسرته ويهرب لأنه غير قادر على تحمل هذا العذاااب.. لكن كبرياؤه لم يمنعه من ترك أسرته!!

- علاقة علىّ بوردة: رأيتها مختلقة ولم توظفها رضوى بطريقة تخدم روايتها، فكان كل ما تذكره أن على كان يحب أن يراها، لكن هى كانت أشبه بشيء جامد أو غير موجود، لم تستطع إظهار العلاقة كعلاقة حب حتى ولو من طرف واحد، فلم أشعر بوجود شخصية وردة، ولا حتى لها ملامح معينة تم تصويرها (هذا مهم لفهم عاطفة المُحب)، وارتبط حبه لها بالبوابة التى كان يراها عندها، حتى ارتط لدى حبه لورده بحب البوابة!!!

- الزمن فى الرواية مفكك، فتحدث قفزات زمنية بعيدة لا تُلمح لها رضوى، حتى أنى لم أعرف عمر (نعيم) إلا حين مر على جماعة من الناس وأشارت رضوى: "منهم من تجاوز السبعين مثله.."
كما شعرت بغرابة (لها علاقة بالزمن) فى علاقة على بفضة أُم صديق طفولته!!


- بتصفح مجموعة الملاحظات التى كتبتها عن الرواية لم أجد سوى صورة واحدة جيدة فقط، أسرتنى للحظات، وتخيلت لو رساما ينقلها: صورة سليمة تجلس بجوار الظبية تملس على ظهرها بيد وبيدها الأخرى تمسك كتابا تقرؤه.
- الفصول 24,25,26 من الجزء الأول كانت جيدة، فقد أحسنت إلى حد ما تصوير أزمة سليمة ومحاكم التفتيش وجورها.


سيكولوجية الشخصيات/ الشعور واللاشعور:

رضوى تغفل دائما الجانب اللاشعورى فى الشخصية، فتعبر الشخصية عما يدور بخلدها بسذاجة ودائما عاجزة عن رصد العواطف والاختلاجات المعقدة، التى هى أساس الرواية الحقيقية.. وهذا أوضحه جزء "الحوار"

هنا:


تصر رضوى على أن تبدى مريمة مأخوذة باللوحة بطريقة مكشوفة لا مجال فيها للخلجات النفسية، لدرجة أنها أدخلت هذا الشعور وسط حوار كهذا (رأيت لوحة مصورة بعرض الجدار فيها وعل جريح، وصيادون وكلاب)، وهى فقط تريد أن توصل فكرة أن اللوحة أثارت فى نفسها نوع من القلق أو أنها ظنت أن اللوحة مثل الرؤيا تفسر مستقبلهم!
لكن أليس الخوف يكون أقسى إن ظل يعتمل داخلها بدلا من العلن! أساسا هذا هو أصل الخوف وبيئته المناسبة، النفس لا الحوار.
هذا غير إنه من الغريب أن لوحة ترى مثلها لأول مرة، لا تثير داخلها دهشة من دقة تفاصيلها وحيويتها، فهذا هو دور الانطباعات الأولى.. وبدلا من ذلك فهى تذهب نحو القلق!
رضوى عاشور كانت ضعيفة فى فهم سيكولوجية الشخصيات.
وهنا:


كدت وأنا أقرأ هذه الفقرة، أن أصرخ فى وجه رضوى: حرام عليكِ اعط فرصة للصمت، الحزن الصامت، العيون التائهة فى ذكرى الفقيد، حالة فقدان معنى الحياة والشعور بالتيه، كل هذا يلزمه استجماع لا شعورى وتدفق عاطفى مأساوى، مش تروح تداعب صديق زوجها وتقوله: ألن تودع صاحبك إلى قبره!!!



حين كان نعيم يهدهد الطفل، والمفروض أنه فى نشوة مابعدها نشوة فقد سرق طفل وظن أنه يمتلكه، وشخص فى مقام نعيم وفى هذه النشوة لايجب أن يكون الحوار بتلك السذاجة ولا أن يرد بهذه البساطة المعلنة، حيث لاتظهر نشوته. مثلا يمكننا أن نفترض حالة أخرى كهذه:

"أخذ نعيم يهدهد الطفل ويبتسم له رغم فمه الأهتم ولم ينتبه لفضول مريمة، بل كان مأخوذا بضحكات الطفل"
كل ذلك أضاعه الرد السخيف "وجدته" ولا دور حينئذٍ لشعوره العاطفى المعقد ناحية الطفل. ومرة أخرى رضوى عاجزة عن فهم سيكولوجية الشخصية.




- ثم ما هذا بحق الجحيم؟ يقتل الجندى ويسرق حصانه ثم يختلى بحصانه ويسأله: هل كان صاحبك طيب يا حصان؟؟!! ما هو مدلولها وما تعبيرها؟ وإيه علاقته بحالته الحالية (الهرب والقتل والخوف). شعور بالسذاجة!!

- يقول إى إم فورستر فى كتابه أركان القصة فى معرض حديثه عن الحَبكة الروائية:

".. ونحن نعتقد أن السعادة أو البؤس يوجدان فى الحياة الخفية التى يحياها كل منا فى السر والتى يتوصل إليها الروائى (عن طريق شخصياته)، ونحن نعنى بالحياة السرية تلك الحياة التى ليس لها أى دليل ظاهر، وهى ليست تلك الحياة التى تكشف عنها كلمة عابرة أو تنهيدة، كما يظن عادة. فالكلمة العابرة أو التنهيدة تعتبر دليلا كالحديث أو القتل تماما والحياة التى تكشفها تخرج عن نطاق السرية إلى دائرة العمل"

رضوى لم تقم بتطبيق هذا، ولم تُسند إلى أبطالها هذا النوع من التعابير، وكانت تعبيراتهم سطحية ومباشرة عن طريق الكلمات أو رد فعل ظاهر، لكن لاتتحدث عن مكنون الشخصية. نظرتها للأمور عامةً شديدة السطحية.


البطل اللحظى والمربع الشعورى

- البطل اللحظى: شيء ما أدعوه بالبطل اللحظى، وهو عبارة عن الجو العام المحيط بمشهد قصير ما، المسيطر عليه، على الكاتب أولا أن يعرف بخبرته ومهارته ما طبيعة هذا البطل، هل هو خجل، خوف، حب، يأس.. إلى آخره من المشاعر والحالات، ومن ثم يضفى على مشهده التعابير اللازمة التى تدعم هذا الجو العام (البطل اللحظى) لكن عامة رضوى عاشور عاجزة عن تحديد هذا البطل وتحديد متطلباته الكتابية.
هنا مثلا



شعرت باختلاق رد فعل سليمة، ولم تستطع رضوى رسم حالة من الخجل على المشهد، رغم أن الأمر كان يجب أن يكون أبسط خصوصا وأنه بين امرأتين.

المربع الشعورى: أسلوب رضوى فى الوصف أحب أن أمثله بمربع. فلوصف –مثلا- حالة من الحزن فإن المربع هذا يخرج منه على مسافات متفاوتة، بالونة تحمل اسم "حزن" و ثانية (داخل المربع) تحمل اسم"بكاء" وأخرى تحمل "دموع"، أما المربع نفسه فليس حيا أى أنه لايصدر هذه المشاعر من نفسه.
مثال:


هذا المشهد الهام: مشهد الرحيل، ليس فيه إلا أن واحدة تبكى، والبكاء حالة عامة لمواقف عديدة، وأخرى تضحك، وهذا أعمّ، وثالثة تثرثر وهذا طبيعى، فالمشهد إذن لا يميز حالة الرحيل ولا يعطيه ثقل برصد مشاعره الخاصة..
فيمر مرورا عادية لا يترك أثرا فى نفس القاريء.
ــــــــــــــــــ
كل هذه الأمور البسيطة ياصديقى لا تمر على أديب حقيقى ولو كان مبتدئاً.. وها أنذا قد أنهيت الرواية ولم تؤثر فيّ شخصية من شخصياتها ولم تترك لدى انطباعاً محددا... بالمناسبة هل حقا قال أحدهم أنه بكى فى هذه الرواية!

ــــــــــــــــــــ
فى النهاية فإن هناك طريقة يسيرة لتحديد ما إذا كان الكتاب جيد أم لا، فقط أسأل نفسى، هل بإمكانى قراءة هذا الكتاب مرة أخرى أم لا؟
- أنا: مستحيل.. مستحيل

وإذا توقفنا أمام سبب شهرة هذه الرواية بطريقة تستوقف النظر فلا سبب سوى أنها رواية تاريخية تتناول موضوعا حساسا (سقوط الأندلس) وهذا الموضوع العاطفى المدرّ لدمع الكثيرين يجعل من يقرأ هذا النوع من الروايات يتعاطف مع كل كلمة يقولها الكاتب وكل حركة تقوم بها الشخصيات، ويتحول الموضوع من قراءة عمل أدبى إلى معزفة على أوتار العاطفة، والحنين للماضى!

ورغم ذلك، فإنى على استعداد أن أقرا -مثلا- لوكليزيو، هذا المجنون شديد الملل، مرة أخرى ومرارا، لأن هناك دائما من يعرفون الأدب الحقيقى..

وأخيراً: فإنه وكما قال أحد الملحدين مرة على الفيسبوك- الفئة التعيسة منهم: أنه لا يعترف بمفكر له دين، ثم ختم منشوره بسمايل كهذه :) دليل على ثقته القصوى فى كلامه.

فإنى أقول:
أنا لا أعترف بأديب أو كاتب يعترف بثلاثية غرناطة كرواية :)

.....
هذا كل شيء :)

من المطبخ إلى قسم الطوارئ

منذ بضعة أيام( يوم السبت 27 يناير 2024 ظهرًا) جُرِح إصبعي البنصر (الإصبع قبل الأخير) لليد اليسرى جرحًا خطيرًا أثناء غسيل طبق صين...