السبت، 26 ديسمبر 2020

روح المدينة

بياقة قميص مهترئة وزر مفقود، اكتملت هيئته على جسده الهزيل ذو البشرة الأقرب إلى لون التراب.

استقلّ القطار المتجه من سوهاج إلى القاهرة بحثًا عن عمل.

في المدينة الكبيرة، بهرته اللوحات الإعلانية العملاقة، لم يستوعب معظم ما تروج له، إلا إنها بثَّت فيه إحساسًا أنها تحتل مكانةً تطغى على وجوده الهش.

نظر في ورقة بالية منقوشة بالتعرّجات؛ حاول أن يربط بين العنوان المكتوب وبين معالم الطريق، لكن بلا جدوى، فزاد شعوره بالتيه. تأهب ليكلم السائق من المقعد الأخير، وبأقصى صوت استطاع رفعه- ليتأكد وصوله للسائق- قال بلهجة محلية:

- نزلني عند ساكس الله يخليك ياسطا.

فردّ السائق بسخرية ممسكًا المقود باسترخاء وهو ينظر إليه عبر المرآة:

- عايز تنزل عند سِكس؟

ضحكت الفتاة بجوار السائق، فبادلها الضحك وهو يشعر بالانتشاء.


شعر بالضيق، وما ضايقه أكثر هذه الرؤوس الغارقة في الصمت والتواطؤ- انطباع سيبقى معه طويلًا عن المدينة الكبيرة.

كان يطالع الورقة كأنها ستشفق على حاله وتنطق بمحطة النزول، حين جاء صوت السائق منعكسًا من المرآة:

- عدي الشارع، زاكس الناحية التانية.


انسلّ من بين الركاب في عجالة كالناجي. نظر يمنة ويسرة يستكشف المكان، ثم خطا أولى خطواته نحو القاهرة، مبتعدًا عن لوحة إعلانية ضخمة تغطي الشمس.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...