الجمعة، 16 ديسمبر 2011

الدم والمشمش


الدم والمشمش
 
       خرجت من بوابة الجامعة, وأنا أتفادى بكتابى العريض لفحات شمس يوليو الحارقة المسلطة على رأسى, وحبات العرق تنزلق على وجنتىّ, بينما قدماى كانت تحملانى إلى مسكنى هاربا من الصخب والحر القائظ ومن النفوس الصيفية.
مشيت قليلاً إلى اليمين خارج البوابة ثم وقفت على الرصيف تحت اللافتة "موقف السيرفيس" وأخذت أعد نفسى للانتظار, وانتَظرَت بجوارى سيدة قاتمة الملامح صامتة اللقطات كأنها مشهد صامت يتشبث بصمته فى هذا الهياج العشوائى من الحركة والاختلاط, يلفها جلباب أسود لايخلو من علامات البؤس, يتدلى من قبضتها كيس ضئيل به حبيبات معدودة, أحسبها مشمش.
التفتّ إلى وجهها الشاحب؛ كان يشبه قطعة من أرض سوداء تشققت بؤساً, وما أنفها إلا نتوء برز من هذه الأرض, وشفتاها تلقى بين الحين والآخر بتمتمات صامتة غير مفهومة.
وقفت بجوارها وقد انتبهْت إلى صمتى المغرق فى ملامحها وقد أصبحت جزءاً من عالمها الصامت, فرجعت قليلاً إلى الوراء فأعود إلى عالمى, واستأنفْت انتظارى للسيرفيس, والشمس مازالت متعامدة على الرؤوس تتسلل بأناملها الجلود لتلتقط حبات العرق من وجوهنا المشوية بلفحاتها.
كانت سيارات السيرفيس تخطف الطريق ذهاباً مكدسة بالركاب, فأبيت أن أستوقف أحدها, وآثرت انتظار واحد به مقعد فارغ على الأقل.
وبعد ذلك بقليل اقترب نحوى سيرفيس متباطئاً حتى توقف أمامى, وأصبحت هذه السيدة خلفه, لم يكن به ركاب فسألت السائق:
-"إلى الموقف..؟"
-"لا, سأتوقف هنا"
 فتأففت من هذا الوضع الشبه متكرر. أما السيدة فاكتفت بالتواء رقبتها ناحية سؤالى, وعندما سمعت جواب السائق عادت إلى عالما الصامت العميق.
حجب عنى السيرفيس بعضاً من آشعة الشمس, فجاء رحمة إلى أن يأتى السيرفيس المنتظر..
  وبينما أقف فى هذا الظل شارد الفكر, متعب, أرهقنى اليوم بمشاغله وحرارته, فجأة تحرك الظل من تحتى حاملاً سيرفيسه إلى يسارى ببطء ومازال يتحرك ولازلت شارد الذهن, لاأهتم بما حولى حتى استوقفنى شئ غريب.
 شئ أسود تلتهمه الأنياب المطاطية, وأخيلة أصابع تستغيث, ألقى بنظرى إلى يسارى وقد اختفت السيدة البائسة ذات الجلباب الأسود.
فَهِمْت بوجهى نحو السيارة أضرب بقبضتى جدارها صارخاً نحو السائق: "توقف..توقف..توقف..",
فيتوقف السائق مجزوعا, ويهرول الناس منقادين بحبال من الحيرة, مشدوهين بصرخاتى, واكتنف المكان فجأة لغط كثير.
التفّت النساء حول السيرفيس وقد جمعن أكفهن بوجوههن وتحدقت أعينهن نحو الجلباب المفروم بين الإطارات, ورجال يستنزلون قوتهم العضلية جاذبين الجلباب المتهالك, وجمع آخر من الشباب يحاولون رفع السيرفيس, يطلق أحدهم صيحات لإثارة حماستهم؛ فتتساقط قطرات العرق من جباههم فتختلط ببقع الدماء من تحت أقدامهم. والبعض الآخر يضرب بباطن كفيه مرددين: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
ظننت أنهم إنما يجذبون قلبى أو يجرون هلعى, حتى سقط من صدرى حين رأيتهم يمسكون بذراعيها المتراخيان....


  ثم رأيت وجهها الدامى مُمسِك بعيناها المتجحظتان خارج جبهتها المتجلفة, بينما كانت رأسها المكشوفة تتدلى من على ذراع أحدهم والدم يتدفق من بين أصابعه. وقد صنع تدفق الدم ستارا أحمر غطى كل وجهها إلا عيناها المتجحظتان وثغرها الفاغر, حتى بدت لى وكأنها تنظر إلى شئ لانستطيع رؤيته....
وجهها لايبوح بأى موت ولايبوح بأى حياة. وتوقفت شفتاها عن إلقاء التمتمات!
يحاولون إفاقتها من غيبوبتها, والنساء تغطين مناطق عورتها ويمسحن وجهها من الدماء, ثم حملها الرجال مسرعين إلى السيرفيس لينقلوها إلى المستشفى الجامعى المجاور..
وتنطلق السيارة, وينفض التجمهر, ولايبقى سواى – مذهول مما رأيت, فقد أصبحت مثل هذا التمثال الباسق المنتصب أمامى, لايستطيع الحركة, لكنه يبدو أفضل حالاً منى كثيراً, على الأقل هو مبتسم!
     ألقيت نظرة أخيرة على السيارة وهى تتلاشى فى قلب الطريق الملتوى, ويتلاشى معها الخط الأحمر السميك من تحت الإطارات, ثم رحلت أحمل خطاى المثقلة والشمس من خلفى تهوى إلى مضجعها لتروى مآسٍ أخرى بآوار أشعتها, ولايبق سوى آشعة الشفق تقلب حبيبات المشمش المتناثرة فيعكس عليها حمرة الدماء....
  تُرى, هل تجسد شظف العيش فى حبيبات المشمش, ونزلت قسوة القدر فى بقع الدماء ؟!
* * *
قصة شاهدها ناظرى, وأدماها قلبى, ودونها قلمى

القصة الفائزة بالمركز الثانى فى مسابقة جامعة الزقازيق للقصة القصيرة


** بها بعض التعديلات عن المُقَدمة للمسابقة

جلسة الأنس


  • ·        يـاجلســــة الأنـــس مالـــك         قد صـــرت لاتحــتوينا
    ·        أأصـــبح الضــيق نــعتـــك         أم أنـــنــــا قـــد نسينــا
    ·        أم أن الشجـون قــد زالـــت         وصارت الدنيا تلاهينا
    ·        أطرقت أغصـانـــك شوقــا         وصار الماء لايرويـها
    ·        تسألينى أين الصحابا, وهل         أملك لنفسى منهم دليلا
    ·        اســـــألى أيـــام الــسمـــــر         أو نسيم هواءنا العليــلَ
                             ****
    ·        أيها الشبــاب الكــامن فيــنا        قم من صمتك وانفخ فى المزامــيــــر
    ·        علّ النفــخ يثيــر التــرابـــا        أو تعود الأرواح لأجساد العصافيـــر
    ·        واشدو بنـغــم جنونك ألحانا        نتراقص بها على صفحات الأغاديـر
    ·        وارسم بهيام أناملــك دروبا        تتــلاقى فيــها البسمــات والتــعابــير
    ·        واطـــرق أبـواب الصحــابا        وذكـــرهـــم بالجــلســات الـــوثــيرة


السبت، 26 نوفمبر 2011

عــزازيـــل

عزازيلعزازيل by يوسف زيدان
My rating: 5 of 5 stars

ماذا أقول فى رواية خطفت عقلى خطفا, ثم سلمتنى عقلا آخر جديدا؟
ماذا أقول فى رواية يستنبط عقلى من كل كلمة منها فكرة غائبة عنى أو متوارية خلف ستار من اللاعلم؟
ماذا أقول فى رواية أخذت منى أياما وأعطتنى عمرا؟
.......
عزازيل, بهذا الاسم الشيطانى انتقى يوسف زيدان الاسم لروايته الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2009 .. بحق تستحق.
...
تدور أحداث الرواية فى القرن الخامس من ميلاد المسيح, فى ذلك الزمن الذى شهد صراعات كنسية كبرى تتعلق أغلبها بالعقيدة المسيحية نفسها والإختلاف حول طبيعة المسيح.
لكن الرواية ليست بهذا الإتجاه التاريخى البحت, فنفس هيبا الثكلى تغلب على أسلوب الرواية. ثكلى لما عاصر من أزمات عصفت بقلبه وحياته, منذ أن كان فى صعيد مصر عندما رأى أبيه الصياد يذبح أمام عينيه على أيدى مسيحيين متشددين, وأمه التى تزوجت من أحد القتلة, فهاجر هيبا هاربا من هذا الواقع الأليم إلى الأسكندرية التى حبك فيها القدر لقاء أوكتافيا التى عاش معها أيام لن ينساها هيبا. أيام العشق والخطيئة. لكن الأيام أسرعت وخطفت منه هذا الحلم سريعا وأعادته إلى كابوسه الحقيقى. لكنة خيانة الأيام ألبسته مزيدا من العذاب بعد ماعرف هيباتيا. ذلك الحلم الجديد الذى صار بعد حين كابوسا جديدا..
وتدور الأيام, تهب الأحلام وتلقى الكوابيس, وعزازيل صديقه أو هو ذنوبه وخطاياه..
ـــــــــــــ
محمد الشواف

View all my reviews

قطار الأفكار


 قطار الأفكار

رَكِبتُ القطار
محطتى الأولى نهرُ أفكار
أخذت رشْفة
فهامت بى أطيافُ ألوان
كأمواجِ بحرٍ بلا شطآن
فأسنى إلى قطعٍ من السماء
أتعلق بسنا من الأنوار
لاتُشبه فى ألوانها ألوان
تتراقص روحى بِشَدْو كلمات
من لحن ملاك
وعبَث شيطان
فى أذنى طنات
لكنى إنسان فآثرت الإختيار
محطتى التالية عَبوس أفكار
لها وجوه رماديات
أشكال قَفْر كأنها محزِنات
تبدو من تحت دِثار
خيوط أدمع ساقطات
على وجوهٍ حمرٍ تائبات
لكنى إنسان فآثرت الإختيار
محطتى التالية مروج أفكار
شمسها ملكة
لها جوارٍ من الأزهار
وحورٍ عين
كأنها أنهار
وصفوف جندٍ
من خضر أشجار
لكنى إنسان فآثرت الإختيار
محطتى التالية منتصف آماد
فوجدت خلق عن اليمين
ووجدت خلق عن الشمال
فألقيت سلام عليكم أهل اليمين
وسلام عليكم أهل الشمال
وأغلقت أقفال الأفكار
ثم طويت سجادتى
 وألقيتها على كرسى الانتظار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ


فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

داخل عقلى أتفلسف عن: الإيمــــان



داخل عقلى أتفلسف عن: الإيمــــان*





لكل متدين اعتقاده الرصين الذى لاتخلخل فى فقراته, فالمسلم له اعتقاده والنصرانى له اعتقاده, حتى الوثنى, وهنا نستبدل الاعتقاد بالإيمان إذا كانت فقراته شديدة الهوى.
                                       

والإيمان نوعان: إيمان قلب وإيمان عقل؛ إيمان القلب أو الهوى أو الخشوع: قوى مؤثر, وإيمان العقل: صحيح رصين الثوابت؛ وحيث أن لكل إنسان هواه فإن إيمان القلب قد يكتمل لأى متدين أيا كانت ديانته, فلا جدال على الهوى, ولا يُسأل هاوٍ عن هواه. أما إيمان العقل فهو فقط نتيجة منطقية للتفكير العقلانى, ولا يحتمل التفكير المنطقى أكثر من احتمال, إذ أن الحقيقة العقلية لها وجه واحد فقط. ونجد هنا المنهج العقلى الذى اتبعه الخليل إبراهيم لإقناع قومه ببابل (أرض الكلدانيين) بعقيدة التوحيد التى لم يجدوا مبرر لقبول سواها إلا لأنهم وجدوا أباءهم لها عابدون! وقصة هدم الأصنام معروفة. وكيف أنه اتبع منهجا عقليا لدعوة قومه لعبادة الله وحده, فقد آثر هذا المنهج بدلا من المنهج القلبى. وهو نفس المنهج الذى اتبعه مع قوم حاران عندما هاجر إلى أرض الكنعانيين (بيت المقدس والشام) فقد كان أهلها يعبدون الكواكب من دون الله, فعرض لهم أجرام الكون الواحد بعد الآخر ليثبت لهم أن ليس بأحق بالألوهية غير الله وحده خالق هذه الأجرام الآفلة :﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(١) وعبر هذا التسلسل المنطقى؛ خلص قومه إلى النتيجة التى تقول إن ربه هو واحد أحد لاشريك له فى الملك خالق الشمس والقمر والأرض والسماوات وما بينهما؛ فيتحقق إيمان العقل الذى يأتى فى المرحلة قبل الأخيرة من الإيمان الخالص لله, إذ أن المرحلة الأخيرة هى قبول القلب لما خلص إليه العقل من نتائج منطقية ليجتمع إيمان العقل والقلب معا؛ أى أن إيمان القلب يأتى بعد إيمان العقل وليس العكس, ولكن حتى يسير العقل فى مسار للتفكير الصحيح؛ لابد أن يكون القلب على درجة مناسبة من اللين, إذ أن تحجره يكبت التفكير الذى يعارض هواه. الخلاصة أن الإيمان يمر بخمس مراحل:

   1.    لين القلب ليتحرر العقل
   2.    تحرر العقل وانطلاقه إلى مسار للتفكير
   3.    نتيجة التفكير
   4.    إيمان العقل
   5.    إيمان القلب
وفى هذه المرحلة الثالثة؛ نتيجة التفكير, قد يصل العقل لنتيجة منطقية وقد لايصل, وإذ نحن هنا نتحدث عن الإيمان فنأخذ الإحتمال الأول, لأن الإحتمال الثانى هو فى الحقيقة فى طور الشك.
... وعندما يجتمع إيمان العقل مع إيمان القلب, فإن الإيمان يصل إلى ذروته ويكون فى أنقى صوره وأصدقها...
أما عن إيمان القلب فكما قلنا مسبقا أنه مؤثر... وكما يكذب المنجمون ولو صدقوا ,فقد يُستجاب لتضرع وثنى, ويتعمق إيمانه القلبى بربه, وقد يهئ له هواه معجزات تعمق هذا الإيمان القلبى أكثر, فيُغيِّب العقل عن مساره المنطقى. أما عن تلك المعجزات-الوهمية- فهى ناتجة عن تغييب العقل وغلبة هوى القلب .....
وفى القرآن الكريم نجد دائما العبارة:﴿ أفلا تعقلون﴾ ,﴿أفلا تتفكرون﴾ أو ﴿أفلا يبصرون﴾... وفى سورة الزمر مثلا نجد ثلاث آيات تنتهى ب﴿أولو الأباب(٢)ذلك غير ضرب الأمثلة وعرض الأسئلة وكلها أساليب تخاطب العقل. ثم بعد عرض الأساليب المنطقية العقلية يأتى دور القلب, فيخاطب القرآن الكريم الكافرين الذين ﴿فى قلوبهم مرض﴾, ومن بعد ذلك يجمع بين الأسلوبين فى آية واحدة: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(٣) وقد يسأل سائل هنا: كيف يكون التدبر محله القلب, أما فرقت بينهما بمفارق لاصلة بينها ؟
الجواب: أن معنى هذه الآية الكريمة أنه لا استجابة لتدبر العقل إذا غلب هوى القلب على مساره المنطقى, فأهواء القلب هى أقفال العقل والتدبر, وإذا استجاب القلب مهد الطريق للعقل, وهذا يعود بنا إلى سطور سابقة... لذلك أوجب إعمال العقل أولا وجعل التأمل مسارا للحقيقة, فالتأمل عبادة؛ فهى ذكر لله.
وعلى الجانب الآخر, قد نجد إيمان عقل بلا قلب, ومثال ذلك إيمان عقل, عم الرسول (صلى الله عليه وسلم)
فأبو طالب كان على يقين بصدق النبوة, كما ذهب للدفاع عن النبىَ - فى أحلك ظروف الرسالة- فى وجه سادة قريش, غير أنه لم يسلم!
هذه المفارقة الغريبة مفادها؛ أن عقله يعلم أما قلبه فيجهل! وأن قلبه مازال متشبثا بجذور أجداده الضاربة فى أعماق الكفر والجاهلية. ولكن الإيمان الحق لايكتمل إلا بهما معا.
لهذا وضع الإسلام الإيمان فى منزلة رفيعة لما تتميز به من نقاء ووعى معا.
ولو سيّرنا هذا المبدأ(مبدأ الإيمان) على شؤون حياتنا لوجدنا الكثير من التوافه(حتى ما نراها غير تافهة) التى تسيطر على هوانا؛ هى أصلا ضد العقل والمنطق, فنجثوا لها بهوانا الأعمى كأن العقل صار عبدا لهوى القلب!
ميز الله الإنسان عن سائر خلقه بالعقل, فلو توقفنا عن إعماله -مادامت فينا اليقظة- فسوف يتبع الإنسان شهواته كما الحيوانات.
فالإيمان لايأتى بإتباع رسالة وكفى, بل بالتأمل والتفكر أيضا, وهذا ماأنزل لأجله القرآن.
ولعل تلك الآية العجيبة حقا التى يقشعر لها العقل بالتأمل فى عظمتها:
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾- لقمان 16
تعطى للعقل سلطة واسعة للاختيار(مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ), على الرغم أن الشرك بالله من أعظم الكبائر, إلا أن الله فى هذه الآية الكريمة أعطى للإنسان حرية العقيدة غير مجبر على عبادته بغير علم.

وقد جاء فى حديث قدسى عن العقل: (...ماخلقت خلقا أعجب إلى منك, وعزتى وجلالى لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عبادة كتفكير)
وقال أيضا: (تفكر ساعة خير من عبادة سنة)
وقد مر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قوم يتفكرون فى الله, فقال: (تفكروا فى الخلق ولاتتفكروا فى الخالق, إنكم لاتقدرون قدره).


**تـــم بــحــمــد الــلــــه**

*  *  *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال يعبر فقط عن وجهة نظرى الفلسفية.
(١) الأنعام: الآيات ٧٧- ٧٨
(٢) الزمر: الآيات ٩- ١٨-٢١
(٣) محمد: ٢٤
بقلم: محمد أحمد الشواف
من مجموعة مقالات (داخل عقلى أتفلسف)
ـــــــ
كلية الهندسة
جامعة الزقازيق
٢٠١٢

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

المدير



قالها فى وجهه
ثم طرده المدير
لايدرى, أين يذهب بعد هذا الطرد المرير ؟
أيذهب إلى البيت, وفى البيت مدير عسير !
ذهب وطرق الباب, فتحت زوجته, وجهها أصعب من وجه ألف مدير ..
سألته: هل طردوك؟!
فلم يجيب !
فتأكدت من خبرها
فأخرجت من خلف الباب حقيبة, وقالت: هذا ما لك عندنا ..!
فحاول أن يبرر
لكنه لم يجد إلا الباب ينتظر تبرير !





السبت، 22 أكتوبر 2011

مغامرات بكَش (الحلقة الأولى)


      فى يوم استيقظ بكَش من نوم عميق وتغمره سعادة لايعرف مصدرها, قرر أن يكون طعام الإفطار زبدة وبطاطس مقلية وأرز ثم يحلى بالسكاكر, حتى امتلأت معدته فصار يتجشأ فى وجه كل من يتكلم معه, حتى اشمئز منه الجميع, لكنه مازال سعيدا, لكن يبدو أن السعادة ستجعله مجنونا حين قررأن يذهب وحده إلى الغابة المظلمة, سمع عنها من القصص المتداولة, والتى كانت تقول أن هناك وحش كبير يختبئ خلف أشجار كثيفة فى الغابة المظلمة التى لايصلها ضوء النهار من كثافتها. هو أكيد مجنونا حين قرر ذلك فهو يعلم جيدا أن من يذهب لايعود. لكنها السعادة التى تجعل الجنون فى نظر صاحبها شجاعة. حزم أمتعته وصار فى خطوات محسوبة إلى الغابة.... ووصل إلى الغابة حيث وجد لافتة مكتوب عليها: "احترس هنا وحش", فسخر من هذه العبارة واعتبرها جبنا, وأخذ يسخر من أهل قريته الذى اعتبرهم جبناء, واقتلع اللافتة, ووضع بدلا منها لافتة مكتوب عليها: "لاتكن غبيا, لقد قتل بكَش الوحش" فأخذ ينظر إلى العبارة بزهو حتى ثمل لها...
ثم أخذ من جيبه ورقة ووضع علامة بجانب جملة:" استبدل اللافتة الغبية"
واستعد للمهمة التالية:" ليدخل بكَش العظيم, إلى الغابة"
فارتدى خوذته وحمل حقيبته, وسار بخطى ثابتة ليتوغل داخل الغابة التى كانت مظلمة تماما فى وقت الظهيرة, فأخرج من الحقيبة كشاف واهتدى به حتى أتم نصف الغابة تقريبا سيرا.
هنا باغته التعب والإرهاق فقرر أن يغفو قليلا, فنام ثلاث ساعات وما فاق إلا من صوت شئ يتحرك نحوه, فهب مفزوعا من نومه مشهرا بندقيته فى وجه الظلام, وفجأة خرج إليه ثعبان كبير, فصرخ بكَش وألقى البندقية, ففزع الثعبان وأخذ يصرخ, وتبادلا الاثنان الصرخات حتى توقفا, وسأله الثعبان:" من أنت؟"
فتمتم, ثم قال:" أنا بكَش" فابتسم له الثعبان وقال له:" وأنا حنش"
فقال بكَش مرتعدا: "أعرف أنك حنش, لا تقتلنى ياحنش"
فأخرج حنش لسانه ليسلم على بكَش, لكنه ازداد ارتعادا, وقال: " أرجوك سيد حنش, أنا بكَش الضعيف"
فقال له حنش:" لاتخف ياصاحبى ,فأنا لن أوأذيك, أريد فقط أن أسلم عليك"
فتردد بكَش, لكنه اطمأن إليه ومد يده فى تردد لكنه سلم عليه.
وقال:" لماذا لن تؤذيننى"
فقال حنش: "لا أحب أن أفعل مايفعله أبناء عمى وإخوتى من أذى للناس فهم غالبا طيبون وأحب أن أجلس معهم"
بكَش: "وهل يعلم أبواك هذا ؟"
-"لقد طردوننى من العائلة ونعتونى بالبشرى"
-"ألست حزينا؟"
-"لا, أنا سعيدا لأنى أخيرا قابلت إنسانا وسنصير أصدقاء"
-"تقصدنى !"
-"نعم, ألسنا أصدقاء؟"
-" بالطبع بالطبع نحن أصدقاء, أو أصبحنا أصدقاء.."
-"ولكن ياصديقى لماذا أتيت إلى هذا المكان الخطير, أما خفت من الوحش ؟!"
-(بغرور) "أنا, لا أخشى الوحوش لقد جئت هاهنا لأهزمه, (بخوف يحاول أن يخفيه) هل تعرف مكانه, حتى أقتله ؟"
-" إذن فقدت جئت لتقتل الوحش (مطرق الرأس)"
-"إن لم يكن موجودا فباستطاعتى أن آتى إليه فى وقت يكون موجودا فيه ..!"
-" سنهزمه معا ياصديقى(قالها بفرحة, وأخذ يرقص ويلتف حول أغصان الشجرة وهو يغنى: سنقتل الوحش, نحن الوحوش لا نخاف, انتظرنى نائما أو ماشيا أو راقصا أيها الوحش, لكن لاتنسى أن ترتدى قفازات, حتى لاتحرقك شعلة الشجاعة فينا, نحن الاصدقاء أشجع الشجعان ...."

ثم سمعا صوتا من خلف الأشجار .......
********
يتبع فى الحلقة الثانية...

الخميس، 20 أكتوبر 2011

الجائزة



      كنت حينها فى السادسة, طفلا  أتذوق طعم الأمل الذى يتجلى فى براءة الطفولة, أنهى دروسى المدرسية, وأعود إلى البيت فأجد الغداء فى انتظارى, تقوم أمى عليه. ماأكاد أنهيه وأفتح التلفاز لأسمع باباى أو ميكى ماوس, أو غيرها من مسلسلات الاطفال, التى أزهو بها كل الزهو وتنتشينى بنشوة الطفولة بكامل برائتها. حتى تقف أمى وتعجل من أمرى فبعد دقائق ميعاد درس القرآن عند الشيخ رمضان, فأصطنع عدم الاهتمام. فلاشئ عندى  أهم من باباى وميكى ماوس. فرجعت من المطبخ ووجدتنى مازلت منتشيا ومتناسيا الدرس, فعنفتنى وأغلقت التلفاز وأعطتنى المصحف وفتحت الباب وأزلفتنى نحوه, وقالت:"عايزاك تبقى شاطر النهارده وتسمَع كويس", وابتسامتها لاتقل نشوتها عن نشوة باباى. خرجت وأنا سعيد على كل حال, وذهبت أعدو عدو الاطفال وأنا أغنى أغانى باباى حينا, وحينا أراجع سورة الكافرون, التى اعتقدت حينها أنها أصعب شئ يمكن حفظه.
ووصلت عند الشيخ, والمكان يعج بالأطفال, وبالحناجر الوليدة التى تشبه فى وقعها وقع زقزقة العصافير, ووجدت زميلا لى يقول فى صوت خافت:" ماأخرك, الشيخ سأل عليك. وهيزعقلك". فخفت فى نفسى أن يعنفنى أمام زملائى أو يضربنى, ففتحت المصحف وافتعلت الحفظ والمراجعة, حتى إن وقع نظره على فينسى تأخيرى, ووقع نظره على ولكنه لم ينس تأخيرى.
نظر إلى بجدية ونادى على:" تعالى ياللى جاى متأخر", فآثرت الذهاب حتى لاأزيد الطين بله.
فذهبت إليه فى بطء وأنا مطرق الرأس, ووصلت ووقفت أمامه أنتظر العقاب.
لكنه سألنى سؤال لم أتوقع أن يسأله إلا بعد عذاب أليم:" حفظت ياسى محمد"
فرفعت رأسى نازحا عن صدرى الصغير هما ثقيلا, وقلت "آه ياشيخ, حفظت"
-"سمعنى..."
-" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). صدق الله العظيم 

فقال وهو مزهوا بى, وكأننى لم أتأخر:" بارك الله فيك يامحمد يابنى"
فابتسمت وحمدت الله.
وأقرأنى سورة جديدة ,وأعادها على مسمعى وأعدتها عليه, ورجعت إلى مكانى, فأتلوها. وفى وسط هذه المعمعة والملحمة القرآنية, استوقفنا الشيخ, ليستعير انتباهنا:" صدق الله العظيم. اسمعوا ياأولاد, بعد أسبوع بإذن الله سنختار أفضل خمس حافظين ومرتلين للاستعداد للمسابقة السنوية التى تنظمها المديرية. أمامكم أسبوع حتى تظهروا كفائتكم وتفوقكم, ومن يحفظ أفضل سأختاره للمسابقة, ولو فاز فإن له جوائز قيمة"
     فرحنا بهذا الخبر وظن كل واحد منا أنه هو أحد هؤلاء الخمسة المختارين, وقد ذهب فينا من ذهب إلى أنه الفائز بتلك الجوائز القيمة.
وبعد ساعة من يومنا القرآنى انتهينا من حصة اليوم حيث أعلن الشيخ: "انصراف"
وماسمعنا هذه الجملة حتى هببنا إلى الخارج كالعصافير السعيدة . وقبل خروجى استدعانى الشيخ وقال لى: "احفظ جيد هذا الأسبوع, حتى لا أغير رأيي, فقد اخترتك لتكون أحد الخمس متسابقين". ففرحت كثيرا لهذا الخبر وابتسم لى الشيخ وقال:" ورينا شطارتك, اتفضل..."
فخرجت من عنده أعدو فرحانا وأنا أتخيل ذلك اليوم الذى قد أفوز به بتلك الجائزة القيمة, وأنا أتساءل: " ياترى, ماذا ستكون الجائزة..."
وصلت المنزل فطرقت على الباب طرقات خفيفة وفتحت أمى بعد ثوان, وسألتنى ماذا فعلت اليوم عند الشيخ , فأخبرتها أنى سمعت جيدا, ورضى الشيخ بهذا الحفظ, فطلبت منى أن أسمع لها حتى تتأكد, فسمعت وسعدت بهذه التلاوة, وقالت "أحسنت, فلتذهب لآن لتذاكر دروسك المدرسية ثم حفظ السورة الجديدة"
فتذكرت أن أخبرها: أن الشيخ اختارنى من أفضل خمس حافظين للاستعداد لمسابقة المحافظة.
ففرحت فرحا شديدا بهذا الخبر وعلامات السعادة تعلو جبهتها, وضمتنى بين جناحيها وهى تدعو لى بالسعادة وبالتفوق ورضا ربى. وقالت: "أسعدك الله يابنى, سيفرح والدك كثيرا بهذا الخبر". فقبلتنى على رأسى وقالت  : "يجب أن تتفوق أيضا فى المدرسة"
فسألتها: " هل سيعطون من يحفظ جوائز قيمة؟"
فابتسمت قائلة: "نعم, المتفوقون فى المدرسة أيضا يحصلون على جوائز"
ففرحت لهذا الخبر, ورحت أستعد لحفظ القرآن جيدا استعدادا للمسابقة, وأحلام الجائزة لاتفارقنى..

حبيبتى



حبيبتى لن يكون هناك فراق
فقد وجد الحب ضالته فينا
قد تمطر عينى دما
إن قمت من غفلتى وفقدت فيكِ الحنينا
عيناكِ جناحى ملاك
بهما أطير إلى سماء العاشقينا
عبرتى جفونك فيهما جراحى
ثغرك البسام مسْكن آلام السنينا
نسيم لقاءنا رحيقا
لأجمل زهور البساتينا
اليوم ازدت شوقا عن الأمس
إن حبى لكِ حبا يقينا
عهدى إليكِ بقلبى باقيا
فاعهدى إلىّ بحبك ماحيينا




الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

العجوز والحزين


(صحراء قفر واسعة, الشمس ساطعة, يجلس فتى على جزع نخلة مقطوعة يحمل رأسه بين كفيه, مطرق الرأس حزينا, يمر عليه عجوز بلحية بيضاء طويلة, يتكأ على عصا متعرجة)

العجوز: أصبحت تحجم عن سماع أحوال البلاد, كأنك تنفر منها ؟!
أحمد: كأنك تتابع أذنى !
العجوز: بلى, لكنك تعكف على القراءة كثيرا على نحو غير معهود منك.
أحمد: نعم, استمتع بها كثيرا, أكثر من الأخبار المتناثرة التى جلّ همها فى مصائب الناس.
العجوز: أنت محق, هذا أمر مزعج.
أحمد: لكن من أنت ؟!
العجوز: أنا عابر سبيل, مررت على عقلك فوجدته مهموما كأن به مس وجزع, فأشفقت على حالك.
أحمد: كأنك تقرأ مافى عقلى أيها العجوز !
العجوز: وأشعر بك !
أحمد: تشعر بى أنا ! بماذا تشعر ؟
العجوز: أشعر بضعفك ووهنك, مازلت صغيرا بعقلك الكبير...
أحمد: ماذا أيضاً..؟
العجوز: أنت حتى لاتريد أن تفصح عما بجوفك أيها الحزين !
أحمد: (لحظة صمت, مطرق الرأس) أنا لا أستطيع العوم, والقدر بحر هائج يتقاذفنى كأنه يمرح بى, أو يتفاخر أمام البحار التى لم أخوض فيها ..
العجوز: وماذا عنك؟
أحمد: أنا عاجز. لاأعوم!
العجوز: نعم, أنت فقط تبكى على حالك
أحمد: وهل أملك لنفسى غير البكاء!
العجوز: ولماذا تقرأ إذن ؟
أحمد: إنها بكائى 
العجوز: (يشير إليه بمكان غير بعيد) انظر هناك ...
أحمد: ماذا هناك ؟
العجوزالماء..هناك.....عند النخلة الرابضة هناك
أحمد: نعم, نعم, أراه. تُرى, لماذا يشع نورا هكذا, إنه نور حزين...
العجوز: إنه حزين مثلك تماما, لو شربت منه ستذهب كل أحزانك, وتعيش سعيدا !
أحمد: (ينظر إليه فى تهكم) إنك تسخر منى أيها العجوز!
العجوز: حاشا لله أن أسخر من فتى تتقاذفه أمواج القدر 
أحمد: وماذا فى هذا الماء يشفينى؟!
العجوز: إنه حزين مثلك ويشعر بأحزانك!
أحمد: حتى وإن كان هكذا, فحزنه لايزيدنى إلا حزنا
العجوز: أما فهمت أيها الأبله !... إنه دموع !
أحمد: (ينظر إليه فى تعجب) دموع, دموع من ؟!
العجوز: دموع القدر...
أحمدإما أنك تسخر منى, أو أنك هرمت وصار فوك لاينطق إلا بالهذى.إنه مجرد سراب,وسط الصحراء المترامية فى ذلك الحر القائظ.
العجوز: انظر إلى نفسك, حتى إنك لاتريد أن تحاول, لاتريد أن تتخلص من أحزانك.
أحمد(بسخرية) نعم أتخلص من أحزانى بدموع القدر فى بقعة سراب !
العجوز: وهل سيحمل لك القدر الذى يلهو بك بأمواجه, قارب النجاه !
أحمد: (يستمع)
العجوز: (مستطردا) إن قارب النجاة لن يصل إليك إلا إذا خابت ظنون أمواج القدر فيك, حينها ستحمله إليك أمواج القدر.
أحمد: (ينصت باهتمام)
العجوز: اسمع أيها الفتى, إذا نجوت فلا تكف عن البكاء, فمن لايبكى لاقلب له ...
أحمد: أقرأ ؟!
العجوز: نعم.... أجبنى يافتى... ماذا كانت معجزة نبى الله موسى ؟
أحمد: العصا..
العجوز: أتعرف لماذا ؟
أحمد: لأن قومه كانو ماهرين فى علوم السحر, فأراد الله لهم معجزة تتحدى نقطة قوتهم.
العجوز: وماهى معجزة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ؟
أحمد: القرآن الكريم .
العجوز: لماذا بالذات القرآن الكريم؟
أحمد: لنفس سبب قوم موسى, لأنهم كانو ماهرين فى العربية وآدابها.
العجوز: وإن كان فيهم جاهل أو أمىّ فليس أهل بهذه المعجزة وماأنزلت له, وهى المعجزة الوحيدة التى جعلها الله لأمة وستبقى إلى قيام الساعة, لأنه أراد لهم المعرفة الأبدية.
أحمد: (ينظر باهتمام)
العجوز: اقرأ يابنى فى فرحك وترحك ..
أحمد: لماذا تقول لى هذا الكلام فأنا أقرأ وأتعلم ؟!
العجوز: لأنك إن انقشعت همومك فإنك ستترك دفتى الكتاب كما تتركك الأحزان ...
أحمد: (ينظر بأمل) وهل ستنقشع أحزانى ؟
العجوز: (يتكأ على عصاه ويستعد للرحيل) إذا خابت ظنون أمواج القدر فيك. 
      (يرحل...)
أحمد: إلى أين سترحل؟
العجوزلاتنس أنى عابر سبيل....(يتوقف بعد برهة من الرحيل كأنه نسى شئ)
 آه .. نسيت ... أنت محق, بقعة الماء تلك هى مجرد سراب, لكن هناك خلف النخلة يوجد بئر ماء عزب...!)

(يرحل وتتبعه نظرات أحمد, متفكرا فى حديثه, حتى يختفى بين الكثبان )

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...