الثلاثاء، 16 أبريل 2019

نسيان

استيقظت هذا الصباح، أردت تشكيل تعبيرٍ طرأ في رأسي كومضة، لكني اكتشفت أني نسيت الكلمات الرئيسية المكونة للتعبير، نسيتها تمامًا، حاولت البحث عن مترادفات قريبة من خلال الإنترنت، لكن كل ما اكتشفته لم يسد حاجتي من التعبير وفكرت عبثًا أنه تم حذفها من الإنترنت، استعنت بصديق موسوعيّ متخصص في المعاجم وتاريخ اللغات وحاولت شرح ما أردت التعبير عنه، لكنه عجز عن فهمي، وأتى بكلمات جعلت من تعبيري مسخًا. شعرت بالضيق والحاجة للبكاء، نصحني بالذهاب إلى طبيب نفسي وقال أنه بالفعل عرض جميع الكلمات المحتملة الموجودة في المعاجم الكبيرة، ولابد ألا يخرج منها تعبير أيًّا كان حجمه وطبيعته، فنبهني حديثه عن المعاجم إلى أنه من الممكن أن يكون التعبير الذي أبحث عنه موجودًا في لغات أخرى، فجربت اللغة الإنجليزية التي أتقنها بالفعل، لكن فكرتي كانت بالعربية ولا يمكن ترجمتها في شكلها المجرد، بدأت أتدرب على تشكيل تعبيرات بسيطة، مثل "الشمس مشرقة"، ثم أقوم بتطوير التعبير مثل "الشمس مشرقة على أجنحة العصافير"، وكررت نفس الطريقة مع التعبير الذي أردته، لكنه لم يتحرك خطوة واحدة للأمام، وظل التعبير في رأسي على أمل أن أجد له الكلمات المناسبة، حاولت مجدّدًا بعد عدة أسابيع من قراءة المزيد من الكتب والمقالات وتصفّح المعاجم، لكني فشلت، وصار اليوم الذي استيقظت فيه وفقدت فيه الكلمات، يومًا أسودًا في ذاكرتي، كأنه اقتُطِع من حسابات الفلك، ومن عمري، وكلما تذكرته شعرت بخيبة أمل كبيرة، ورغبت بالهرب من التفكير فيه، كأنه دينًا عليّ، متمنيًا أن أنساه إلى الأبد، لكنه كان يظهر في وجهي في المرآة وفي مقدمات الكتب، والمكتبات، ورسائلي إلى أصدقائي، وفنجان القهوة، ومع كلِّ صباح، وأصبح شبحًا يطاردنني، وفكرت أن أزور طبيبًا نفسيًا، لكني خشيت أن أقع في مصيدة المرض النفسي.
مرت عدة أشهر توقفت فيها عن القراءة نهائيا وعن معظم أنشطتي الفكرية، وصرت أعمل لساعات إضافية، أصبحت أشاهد يوتيوب أكثر من أي وقت مضى، ابتعدت عن أصدقائي القدامى، ودفنت نفسي في وحدة طويلة. ولم أعد أشعر بحاجة إلى التعبير وصارت أيامي كلها متشابهة، فارغة، وقابلة للنسيان بسهولة.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...