السبت، 24 أبريل 2021

الحساب البنكي

     كانت الساعة الثانية والنصف صباحًا، في الخارج تزأر محركات السيارات بحُرية، وبين الحين والآخر تعوي مجموعة كلاب. النسيم يجد طريقه إلى شباك غرفتي أو أن العالم بالخارج مشبع بالنسائم فطالت غرفتي نصيبها؛ عموما كان الجو ساحرا والبال خاليا وأنا كنت نائم في عز النوم حين زعرت بحلم كالجاثوم، حتى أنني التقطت هاتفي الذي بجواري على الوسادة؛ فتحته قاصدا تطبيقًا واحدًا ألجأ إليه في ظروف كهذه، فتحت تطبيق حسابي البنكي وتأكدت من رصيدي، كان كاملاً غير منقوص، خانة الرصيد ممتلئة بالأرقام؛ شعرت بالرضا ولفظت الأفكار السيئة التي ساقها الحلم إليّ، منذ فترة والأحلام السوداء تعكر ساعات نومي وتوقظني بعنف، على اختلاف طبيعتها إلا إني وجدت طريق راحتي للتخلص من القلق عن طريق الاطمئنان على حسابي البنكي حتى لو كنت في الكابوس أُشوى على مقلاة عملاقة تغلي بالزيت. بطريقة ما طورت أسلوبًا يجعلني أربط بين مجموعة أحداث سواء كانت واقعية أو خيالية وبين مصير حسابي البنكي، ليس في أحلامي وحسب، ولكن في حياتي اليومية أيضا؛ مثل رسالة بريدية من مديري يطلب مني مهام معينة، أحيانا أشعر أن غرضها الإيقاع بي للتخلص مني، حتى إن في موعد تجديد عقدي السنوي تجنبت التحدث في أي زيادة في الراتب كنوع من إثبات حسن النوايا من جهتي وتهدئة الصراع. بدأ الأمر عندما اجتاحت كورونا بيئات العمل حينها خسرت عملي في واقعة تقليل أعداد العمالة وبدأت الأرقام تتهاوى من حسابي البنكي شهرا بعد شهر، حينها أصبحت الحياة اليومية أثقل مما يكون فهي تنهش في هذه الأرقام أسرع من أي وقت مضى، فبانت على قساوتها الحقيقية. وكنت كالذي ينتظر حتفه عندما تتبدل الأرقام أصفارًا. وضعت تصورا للانتحار وخططًا لوظائف بديلة أيضا.
لكن حدث ما يشبه -في قوانين الإيمان- بالمد الإلـٰهي، وحصلت على وظيفة في شركة مستقرة نسبيًا، وما أن أنعشتني هذه التغيرات وأحيتني وأحيت رصيدي البنكي من جديد، حتى بدأت مباريات وهمية بين مصير حسابي البنكي وبين طريقة تعامل مديري معي، والعروض التي أقدمها أمام مجلس الإدارة، وتقييم الأداء السنوي.
منذ ذلك الحين أيضا ظهر نوع جديد من الكوابيس رغم النسيم الذي يعبر شباك غرفتي بين الحين والآخر، وكنت أجد الاطمئنان على حسابي البنكي الملاذ الوحيد من كل هذا.

*****

ليس بالضرورة أن تعكس هذه القصة (أو غيرها عموما) واقعًا حقيقيا عايشته، هي مزيج من بعض الوقائع والخيال. 

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...