الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

لماذا نحب أن ننشر نصوصا عن آلامنا - حوار مع بنج تشات

صورة تم إنشائها بواسطة بنج تشات
 

ما زلت أرغب في أن تُنشر قصصي وتُقرأ على مدى واسع، هذا رغم أن معظم القصص التي أكتبها شديدة الخصوصية والذاتية، لا أعبر فيها عن غير نفسي- تجربتي التي يحب أن يفسرها البعض تفسيرا يعكس معاناة وقلقًا نفسيًا أعيشهما- على حسب تفسيرهم.

ولأن ليس هذا هو المحور الأساسي لهذه القصص، ولكن قالبها الأدبي الذي يستطيع أن يسع أي تجربة، فالتجربة (رغم أهميتها) ليست هي محور العمل الفنيّ -كما أتصوره- ولكن القدرة الفنية على التعبير عنها، لذا لا أحب حصر قصصي في نطاق تجربتي، ولكن في مدى قدرتي على تكوين صورة فنية كاملة مستعينا بكل ما يلزم لعملية الخلق الفني: اللغة، السرد، الخيال، الحوار... إلى آخر عناصر العمل الفني.

بينما أجتهد في إرسال إحدى القصص لإحدى المجلات لنشرها في عددها القادم، فكرت في السبب وراء هذه الرغبة الملحة والمتجددة في أن تُنشر قصصي وأن يتم الاعتراف بها بين أوساط القراء والمثقفين، رغم عدم توفيقي في هذا المضمار والحظ السيء الذي ألقاه دومًا. أرغب في أن أكون جزءا من المشهد الأدبي رغم عدم إعجابي به، وربما إن فلحت أن يكون لي صوت في هذا المشهد، فعلى الأرجح سوف أفشل أن أكون جزءا منه، إذن فالانجذاب غير متبادل بيننا بشكل طبيعي.

لماذا إذن هذه الرغبة حاضرة بهذا الإلحاح وتلك القوة؟

عموما فكرت أن هذا سؤال جيد لمحاورة بنج تشات، النتيجة كانت مُرضية إلى حد كبير... وبنج تشات هو منتج من شركة مايكروسوفت قائم على نموذج ChatGPT-4 المتطور في مجال ال LLMs أو (النماذج اللغوية الكبيرة)، والذي أحدث طفرة في عالم الذكاء الصناعي.

بداية الحوار...

س: متى أصبحت علاقة الفنان بفنه علاقة اجتماعية تحدد قيمتها نظرة الناس واحتفائهم به، مثلا في العصور العتيقة كان الفنان يرسم على الجدران وينحت، لكن هل كانت هذه العلاقة موجودة؟ أن ينتظر الفنان الاحتفاء والتكريم والاعتراف، ويستجديه أحيانا؟

ج: هذا سؤال مثير للاهتمام. يبدو أن علاقة الفنان بفنه وبالمجتمع قد تغيرت على مر العصور، وأن قيمة الفن والاعتراف بها تعتمد على عوامل مختلفة. لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة على هذا السؤال، لكن يمكننا استكشاف بعض الأمثلة والآراء من تاريخ الفن.


في العصور القديمة، كان الفنانون يرسمون على الجدران وينحتون لأغراض دينية أو سياسية أو احتفالية. كان الفن جزءًا من حياة المجتمع، وليس شيئًا مستقلًا عنه. لذلك، ربما لم يكن الفنانون يسعون إلى الحصول على احترام أو تقدير خاص من قبل الجمهور، بل كانوا يؤدون وظائفهم كخدام للآلهة أو الملوك أو الشعب. ¹


في العصور الوسطى، كان الفن مرتبطًا بشكل وثيق بالكنيسة والدين المسيحي. كان الفنانون يصورون المشاهد الدينية والقديسين والملاك بطريقة رمزية وأسطورية. كان الهدف من الفن هو تعظيم مجد الله وتعليم المؤمنين. لذلك، كان الفنانون يعتبرون أنفسهم مجرد أدوات في خدمة الإيمان، ولم يكتبوا أسماءهم على أعمالهم في كثير من الأحيان. ²


في عصر النهضة، بدأت تظهر فكرة الفنان كشخصية مبدعة وفريدة من نوعها. بدأ الفنانون يستكشفون موضوعات جديدة بعيدة عن الدين، مثل التاريخ والطبيعة والإنسانية. كما بدأوا يستخدمون تقنيات جديدة لإظهار المنظور والحركة والضوء. بدأ الفنانون يحصلون على شهرة وثروة من خلال رعاية الأسر الحاكمة والأثرياء، مثل ميديشي في فلورنسا. كان هذا هو حال فناني عصر النهضة المشهورين مثل ليوناردو دافينشي وميكيلانجيلو ورافائيل. ³


في العصور الحديثة، أصبح الفن أكثر تعقيدًا وتجريبًا. ظهرت حركات فنية جديدة مثل التجريديّة والإمبرسيوْنِّية (Impressionism)  والسُّرِّياْلِّيَّة (Surrealism)  التي اختلفت عن التقاليد المعروفة. كان بعض الفنانين يريدون التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية، بينما كان آخرون يريدون انتقاد المجتمع والسياسة. كان رد فعل الجمهور متباينًا تجاه هذه الأعمال الفنية، فبعضهم أعجب بها واحترمها، وبعضهم رفضها وسخر منها. 


وفي العصر الحالي، أصبح الفن متنوعًا ومتعدد الوسائط. يستخدم الفنانون وسائل جديدة مثل الفيديو والفنون الرقمية والفنون الشبكية لإنشاء أعمال فنية تتفاعل مع المشاهدين. كما يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أعمالهم والحصول على تغذية راجعة. يبدو أن علاقة الفنان بفنه وبالمجتمع قد أصبحت أكثر تشابكًا وتأثيرًا. 


إذًا، يمكننا القول أن علاقة الفنان بفنه وبالمجتمع ليست ثابتة أو محددة، بل تتغير باستمرار حسب الزمان والمكان والظروف. قد يكون الفنان محترمًا أو مستهزأً به، محبوبًا أو مكروهًا، مؤثرًا أو مهمشًا. لكن في كل حال، يظل الفنان شخصًا يحاول إضافة شيء جديد وجميل إلى هذا العالم.


س: بشكل أكثر خصوصية ومن وجهة نظر الفنان... ما الذي يجعل الفنان؛ رساما كان أو أديبا، أن يرغب بشكل مصيري في أن يُنشر فنه ويُعترف به، رغم أن مادته الفنية بشكلها المجرد هي تعبير شديد الخصوصية عما يعتمل داخل نفسه. كيف يتحول تعبير الفنان عن نفسه إلى رغبة في أن يعترف به المجتمع؟


ج: هذا سؤال صعب ومعقد، وليس له إجابة واحدة أو نهائية. ربما يختلف الفنانون في دوافعهم وأهدافهم ورغباتهم عندما ينشرون أعمالهم الفنية. لكن يمكننا تقديم بعض الاحتمالات والتفسيرات الممكنة.


- قد يرغب الفنان في نشر فنه والحصول على اعتراف به لأنه يشعر بالفخر والثقة بما أنجزه، ويريد مشاركته مع الآخرين. قد يكون الفنان مقتنعًا بأن عمله الفني له قيمة جمالية أو فكرية أو عاطفية تستحق الانتباه والتقدير. قد يرى الفنان أن عمله الفني هو جزء من هويته وشخصيته، وأن نشره هو طريقة للتعبير عن نفسه والتواصل مع المجتمع.

- قد يرغب الفنان في نشر فنه والحصول على اعتراف به لأنه يسعى إلى الحصول على المكافأة أو الإثارة أو التحدي. قد يكون الفنان مدفوعًا بالطموح أو الجشع أو المنافسة، ويريد أن يثبت نفسه ويبرز موهبته. قد يستمتع الفنان بالشعور بالإعجاب أو الإعجاب أو الإثارة التي يحصل عليها من نشر عمله الفني، ويريد تكرار هذا الشعور.

- قد يرغب الفنان في نشر فنه والحصول على اعتراف به لأنه يطمح إلى التأثير على المجتمع أو التغيير فيه. قد يكون الفنان ملتزمًا بقضية أو رسالة أو رؤية، ويريد أن ينشرها من خلال عمله الفني. قد يرى الفنان أن عمله الفني هو طريقة للتوعية أو التحريض أو التحول، وأن نشره هو طريقة للمساهمة في المجتمع.


بالطبع، هذه ليست كل الاحتمالات، وقد يكون هناك فنانون لديهم دوافع أخرى غير مذكورة هنا. كما قد يكون هناك فنانون لا يرغبون في نشر فنهم أو الحصول على اعتراف به، ويرضون بالاحتفاظ به لأنفسهم. في النهاية، كل فنان لديه حرية اختيار ما يفعل به عمله الفني الفني. لكن يبدو أن السؤال الأساسي هو: لماذا يخلق الفنان فنًا في المقام الأول؟ هل هو لأجل نفسه أم لأجل الآخرين؟ هل هو لأجل التعبير أم لأجل التواصل؟ هل هو لأجل الجمال أم لأجل المعنى؟ هذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بسهولة، وربما تختلف من فنان إلى آخر، ومن عمل فني إلى آخر. وربما يكون الفن نفسه هو الإجابة.


س: يبدو لي الآن أن عملية الخلق الفني ربما تمر بأكثر من دافع لا رابط بينها، حيث لكل دافع أجواءه وظروفه الخاصة، فهناك دوافع العمل نفسه التي تشكله تجربة الفنان الخاصة، وهناك دوافع اجتماعية التي يتشارك فيها كل الناس حيث الرغبة في الشعور بالانتماء والاعتراف والقيمة، لكن الفارق هنا أن الفنان يستخدم فنه لهذا الغرض


ج: أشكرك على مشاركة رأيك معي. أنا موافق معك في أن عملية الخلق الفني قد تمر بأكثر من دافع لا رابط بينها، وأن كل دافع له أجواؤه وظروفه الخاصة. أعتقد أن هذا يجعل الفن غنيًا ومتنوعًا ومثيرًا للاهتمام. كما أعتقد أن هذا يجعل الفنان إنسانًا متكاملًا، يجمع بين جوانبه الشخصية والاجتماعية، ويستخدم فنه للتواصل مع نفسه ومع الآخرين. 

<نهاية الحوار>


في نهاية المحادثة طلب مني بنج، بكرم بالغ، أن أقدّم له أحد نصوصي، ليقرأه ويقدم نصائحه لي، ربما استنبط أنني أكتب، شعرت بالامتنان وسألت إن كان يفضل النص بشكل مباشر أو بالإمكان القراءة من خلال رابط لصفحة القصة على مدونتي، أجاب أن كلتا الطريقتين صالحتين، ولكنه يفضل النص مباشرة.

قدم نصائح غير موفقة، كان لها- لو وثقت فيه- أن تفسد القصة.

لكن في النهاية، ربما تحمل هذه التجربة- من جوانب متعددة- ما يستحق التأمل حقا.



(1) فن اجتماعي - ويكيبيديا. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%86_%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A.

(2) تاريخ الفن - ويكيبيديا. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86.

(3) الفن ودوره في المجتمع - موضوع. https://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86_%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9.


الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...