الجمعة، 22 مارس 2024

هجرة مواقع التواصل الافتراضي


   
  لا أتخيل كيف سيبدو يومي من دون الساعات الطويلة التي أقضيها في تصفح تويتر أو فيسبوك أو تطبيقات التواصل الأخرى مثل ريديت. أتاح لي العمل من المنزل هذه الساعات المجانية بشكل لم يتوفر من قبل. 
لا أتخيل، لأني لا أتذكر أنني جربت يوما من دون هذه التطبيقات*، ليس لدي تصور كيف سيتم ملء الفراغات في يومي، إشارة تبدو سيئة للغاية لواقع الحال. تراكم طويل من التأجيل المستمر لخلق عالم حقيقي وليس افتراضي. 
لماذا أهرب دوماً من مواجهة نفسي، لماذا أصبحت ترهقني الأعمال الذهنية كالقراءة، ومشاهدة الأفلام، وأي نشاط ذهني، كأن في صحوة العقل شيئا يدعو للهرب؟ أيا كانت الفائدة التي تعود علي من مواقع التواصل فالضرر الواقع على العلاقة بيني وبين عقلي لا يمكن تعويضه، كأني أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما هجرة مواقع التواصل الاجتماعي ومواجهة حالة الفراغ بشجاعة من دون مسكنات، أو البقاء فيها واستمرار حالة التشتت وفقدان صلتي مع نفسي.

لكن لماذا مواقع التواصل بهذا السوء؟
لم تظهر هذه الحقيقة بجلاء سوى بعد تحول تويتر إلى إكس وتفضيل طريقة عرض المحتوى، ليس بالترتيب الزمني، ولكن بمقاييس الاستهلاك الشعبي الكمّي، رغم أن طريقتيّ العرض كانتا متواجدتين جنبا إلى جنب من قبل، لكن الدفع بالطريقة الثانية المُسمّاة "فور يو" يظهر أنها المفضلة لإكس، ولا يمكن تجاهلها من جانب المستخدم. هذا النوع من المحتوى يعتمد على نزعة الاستهلاك الغير مدروس، مثل شراهتنا أحياناً للطعام غير الصحي لأسباب لا تتعلق بحاجتنا للغذاء.
يمكن التعرف على هذا النوع من الاستهلاك بطرح سؤال بسيط: هل أنا بحاجة إلى هذا المحتوى؟ 
في الغالب تكون الإجابة "لا". هذا المحتوى ليس من اختيارك أنت، لا يمثل موافقة صريحة منك للسماح بشغل هذا المحتوى "المساحات الفارغة" في عقلك. بينما المحتوى القائم على الترتيب الزمني يمثل موافقة صريحة منك، بما أنك متواجد على المنصة في هذا التوقيت، ولأنك اخترت متابعة مصدر المحتوى. ولا يمكن تبرير استهلاك المحتوى الألجوريزمي بجودته (سوف أستخدم مصطلح "المحتوى الألجوريزمي" إشارة إلى اقتراحات منصات التواصل القائمة على جذب انتباه المستخدم في مقابل المحتوى الذي اختاره المستخدم بالمتابعة)، يبدو لي هذا التبرير تنازلا كاملا عن حقي في الاختيار وتقرير ما أريد مسبقا، كأنه اعتراف بقصوري عن تحديد ما أريد وما لا أريد. أتذكر الآن مقولة "المبادئ لا تتجزأ"، مقولة أكرهها لغموضها، لكن ليس أفضل من الحالة القائمة تطبيقا لها.
يجب أن تعكس جميع أفعالنا قراراتنا العاقلة، كما يجب أن تكون اكتشافاتنا نتاج خبراتنا نحن؛ لا أن يتولى أحدهم (ألجوريزم إكس مثلا) هذه المهمة مكاننا.

إليك ظاهرة غريبة وواحدة من الآثار المريبة الناتجة من الانغماس في تطبيقات التواصل؛ لاحظت أنني أثناء ممارسة الأنشطة المنزلية الروتينية مثل غسيل المواعين أو الطبخ، أجد نفسي غارقا في سيل من جدالات تويتر التي مرت عليّ أثناء التصفح، وحوار وهمي يدور بيني وبينها وخيالات متسلسلة تقود الواحدة للأخرى مشكلةً ضجيجا لعالم وهمي، ولا مخرج من هذا الضجيج سوى بالانتباه إلى هذه الحال وانتشال نفسي منه فورا.
أعرف أن هذه الآثار ربما هي دليل على خواء حياتي من نشاط حقيقي أكثر من إلقاء التهمة على مواقع التواصل. في الحقيقة المشكلة ذو شقين، ولإيجاد حل لها يجب التعامل مع كل شق على حدة.

حساب الخسائر من هجرة مواقع التواصل الافتراضي
الخسارة الأولى التي أفكر فيها بشكل حنينيّ، أني سوف أخسر حساب تويتر المُنشأ منذ عام 2010، زمن طويل من التواجد على تويتر، شعوري به يعكس تثميني لهذا التواجد كأنه تاريخ، وهو تثمين وهمي لا قيمة حقيقية من ورائه، فما خسارة حساب قديم غير آلاف التويتات أغلبها بلا قيمة؟
التعويض: يمكن طلب نسخة من محتوى الحساب من تويتر، وبهذا تكون الخسارة محدودة. ربما فيما بعد يتم تنقيح هذا المحتوى ونقل الجزء القيّم منه إلى المدونة. 

الخسارة الثانية، أني كمحب للكتابة والتدوين، سوف أخسر فرصة التدوين القصير. سمح لي تويتر بتدوين نوع من الخواطر غير مناسب لمكان سواه، سواء مدونتي أو على تطبيقات الملاحظات الشخصية. هي نبضة في عروق متابعين وهميين؛ نوع من المتابعين ليس لهم صورة أو حس، لكنهم يستقبلون هذا النوع من التدوين ويتفاعلون معه بصمت، هذا في مقابل التدوين في المدونة، حيث الخواء، ولا فرق هناك بين التدوين وعملية الأرشفة، أحيانا يكون دافع التدوين هو التواجد بين مجموعة من المتابعين أو القراء بغض النظر عن تفاعلهم الذي استطعت بعد تجارب كثيرة الاستغناء عنه، الأمر الصعب لدى الكثير من "المبدعين"؛ حيث أحيانا يكون من الضروري الشعور بوجود القارئ. وهكذا كانت مدونتي دائما مكانا لحفظ كتاباتي (بالتحديد قصصي) بعد أن أنتهي منها على تطبيقات الكتابة. بالخروج من تويتر سوف تنقطع صلتي بالقارئ الوحيد الذي أعرفه.
التعويض: وراء كل خاطرة قصيرة موضوع أكبر يمكن تحويله إلى بناء ناضج مُفعم بالأفكار الحقيقية بدون غموض التدوين القصير، مثل هذا المقال الذي بدأ بخاطرة نشرتها على تويتر:



الخسارة الثالثة، فقدان مصادر المعلومات المهمة في مجال عملي والأخبار العامة.
التعويض: الاشتراك في الرسائل البريدية للمصادر الإخبارية الموثوقة، ومتابعة المصادر الأخرى على التطبيقات المنافسة لتويتر لكن لا تقدم محتوى ألجوريزمي، مثل ماستادون، ربما الاشتراك في نشرات بريدية إذا توفرت في هذه التطبيقات. 

في النهاية، فقد خلقت بيئة العمل من المنزل فرصة لا تُعوّض للبحث عن هوايات واكتشاف الذات، وإثراء معنى حياتنا، سيكون من الخسارة أن تضيع هذه الفرصة في تطبيقات التواصل الافتراضي، والتحديق لساعات في شاشة الموبايل.


* أتذكر الآن أنه أثناء الفترة الجامعية ابتكرت لنفسي نظام أسميته "اليوم الأخضر"، وهو يوم كامل أكون فيه بعيدًا عن هاتفي وأي وسائل تواصل افتراضية، أقوم فيه غالبا بممارسة النشاط المفضل لدي حينها؛ القراءة.

الخميس، 1 فبراير 2024

من المطبخ إلى قسم الطوارئ

منذ بضعة أيام( يوم السبت 27 يناير 2024 ظهرًا) جُرِح إصبعي البنصر (الإصبع قبل الأخير) لليد اليسرى جرحًا خطيرًا أثناء غسيل طبق صيني انكسر بين يديّ كأن قنبلة نووية تفجّرت بين ذراته، نزيف هائل حل أثره على كل شيء حولي. لم يصبني هلع أكثر مما أصابني من رؤية منظر تدفّق الدم.
هرعت إلى مناديل المطبخ وغطيت الجرح بكومة من المناديل كي أوقف النزيف، بينما أهيل على الجرح المناديل، لمحت زاوية تغوص إلى عمق الإصبع تشبه الزاوية التي بين عقلتين إذا انثنى إصبع. ثم بدأت أستوعب حجم الإصابة، أول ما وعيت عليه هاتفي في غرفة النوم، هرعت إليه، كان الدم يتقاطر خلفي على الأرض وعلى ملابسي، لم يتوقف حتى خنقت كل يدي بالمناديل، اتصلت بابن خالي الطبيب، كان هاتفه مغلقًا، أخي الصيدلي لم يرد، أمي كذلك- أملًا أن توصلني بأخي، كانت الفكرة الحاضرة أني ربما أفقد الوعي وأنا وحدي بالشقة، فأردت ألا أتعفن موتًا.
لجأت أخيرًا إلى أوبر لطلب رحلة إلى المستشفى. لحسن حظي قُبل الطلب من سائق قريب من موقعي.
دخلت السيارة وفي حجري كومة من المناديل تلف يدي، وتحت إبطي علبة مناديل، وعلى ملابسي لطخات من الدم. جلست بجوار السائق وأنا أمازحه لأكسر غرابة المشهد: معلش منظر غريب شويه. ليبدأ بعدها حوار لشرح ما حدث. 
في منتصف الطريق اقترح مستشفى أقرب فوافقت، وعند الاقتراب من المستشفى راجع الفكرة معللا أن الأخرى المسجلة في الرحلة قد تكون أفضل فهي أكبر، فرحبت بالاقتراح. كنت هادئا مستعينا برباطة جأش قلما احتجتها، كنت أجرب الجسارة رغم الجُرح. حقيقةً؛ لم أشعر بألم بسبب الجرح لأقاومه، لكن فكرة فقدان إصبع كانت ذات حضور أقوى، وأي سر تخفيه هذه الكومة العملاقة من المناديل، كان الألم الحقيقي على مستقبلي المهني، وعلى خططي المؤجلة.
وصلنا المستشفى بعد وقت طويل نسبيا. دخلت قسم الطوارئ في صحبة قائد أوبر الذي رفض أن يتركني، كان مشفقًا على وحدتي.
بدأ عمل الطاقم الطبي في إصبعي وهو يتلقى مني سرد تفاصيل الحادث، تم سؤالي حوالي ثلاث مرات نفس السؤال "إيه اللي حصل؟"- كل مرة من عضو مختلف. "كنت بغسل طبق فاتكسر في إيدي" - كنت أرد.
في الأول تلقاني طبيب الطوارئ الذي كشف عن الجرح لفات مناديل المطبخ، كنت أتجنب رؤية الجرح كوسيلة لتقليل الألم، لمحت في وجهه انقباضة تشبه انقباضة وجه بعد تناول نصف ليمونة. تفرست فيه طبيب لا زالت تؤثر فيه مشاهد الدم، وكان أكثر أعضاء الطاقم طيبة وليونة في التعامل. لاختبار هذا سألته بسذاجة محسوبة بعد أن شرح لي حجم الجرح: 
- يعني كويس إن أنا جيت؟
فالتفت لي بعزمٍ ليؤكد أن هذا شيء لا خلاف عليه.

حضر طبيبان آخران ليبدآ فحص الجرح، أمسكا المقصات ودار حوار خافت بينهما ووليت وجهي الناحية الأخرى. استدعيت في ذهني مشاهد الجرحى في غزة جراء حرب السابع من أكتوبر، استعنت بها لأخفف على نفسي الألم. شعرت بواجب مقاومة الألم بقدر مقاومتهم، آمنت أن ألمي لا يمكن قياسه إلى آلامهم، فهذا إصبع في نهاية الحال.
لم أشعر بألم بالفعل لكن ليس بسبب مهاراتي التي استعنت بها لتقليل الألم، ولكن لأنهم خدّروا الجرح.
الأصابع هي أداتي في العمل - "أكل عيشي في صوابعي" كما شرحت لأحدهم.
قاموا بخياطة الجرح، أُعطيت روشتة وقليل من التعليمات وموعد قادم للعرض على الطبيب.
ثم غادرت المستشفى وكان في صحبتي صديقي الذي كلمته وأخبرته بوجودي في قسم الطوارئ، كانت هذه الطريقة الوحيدة لحمل قائد أوبر على المغادرة لأرفع عنه عبء ملازمتي.

بينما أكتب هذه التدوينة مرت أربعة أيام على الحادث، أربعة أيام لم أستيقظ فيها على تحضير قهوتي في وعاء الموكا بوت مع ساندويتشات زبدة الفول السوداني بالعسل المفضلة لدي، لم أمارس الرياضة أو حتى أملك رفاهية التفكير في ممارستها، لم أطهُ وجبة الغداء التي أتفنن فيها كل يوم، لم أشتر لوازم الطعام من مركز التسوق، واعتمدت بشكل كامل على شراء الأكل جاهزًا، اتضح أن ممارسة هذه الأمور البسيطة تحمل معنى عميق للحرية.

(2)
[3 فبراير]
لا زالت أنشطتي اليومية مُعلّقة، أدخل المطبخ في حدود ضيقة، لم يعد المكان الأكثر حضورا في يومي، بالكاد أستطيع تحضير وجبة الإفطار. لم أمارس الرياضة منذ وقت طويل. توقفت عن التفكير في خطط طموحة لقضاء وقت الفراغ، لا تفكير في سفر، أو ممارسة هواية جديدة (كنت أفكر في السباحة واشتريت نظارة السباحة بالفعل)
لم أحرك الإصبع منذ الإصابة، تأكدت أن الوتر بخير، لكن على الأرجح هناك قطع في العصب الحسي، ولأستعيد الاحساس فإني بحاجة لعملية دقيقة لإصلاح القطع.
الكتابة على الكيبورد أصبحت صعبة والتحرك بين المفاتيح عملية مرهقة ومملة. كنت بدأت تعلم الكتابة السريعة منذ عام ووصلت سرعتي إلى ١٠٠ كلمة في الدقيقة حتى أصبحت الكتابة على الكيبورد عملية سلسة لا أشعر بها تقريبا. سوف أتوقف عن الكتابة السريعة إلى أن أستعيد الإحساس في الإصبع، وربما قد تدهور سرعتي إلى ذلك الحين.
عُرضت على طبيب واحد والذي استنتج أني بحاجة إلى عملية، لكن - وكما يجري العرف الشعبي، سوف أستشير المزيد من الأطباء، هناك أمل أن تتعافى الأعصاب تلقائيًا.
(3)
[27 مارس] 
ما قرأتَه بالأعلى هو شعور المُصاب بالهلع. هالتني حينها فكرة الخيوط المغروزة في جلدي لأول مرة، حتى جعلت من كل يدي مركزا للهلع، وأبعدتها عن كل ألوان الحياة.
استقريت على طبيب جراح، الذي أرجى قرار العملية إلى بعد أسابيع من انتظار عودة طبيعية للإحساس في الإصبع (التئام طرفي العصب المُصاب)، لكن ذلك لم يحدث، وعليه فإن عملية للكشف عن العصب هي الطريق الوحيد للوقوف على حالة العصب.
سأعود هنا قبل العملية ربما، أو بعدها... لا أعرف.

الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

لماذا نحب أن ننشر نصوصا عن آلامنا - حوار مع بنج تشات

صورة تم إنشائها بواسطة بنج تشات
 

ما زلت أرغب في أن تُنشر قصصي وتُقرأ على مدى واسع، هذا رغم أن معظم القصص التي أكتبها شديدة الخصوصية والذاتية، لا أعبر فيها عن غير نفسي- تجربتي التي يحب أن يفسرها البعض تفسيرا يعكس معاناة وقلقًا نفسيًا أعيشهما- على حسب تفسيرهم.

ولأن ليس هذا هو المحور الأساسي لهذه القصص، ولكن قالبها الأدبي الذي يستطيع أن يسع أي تجربة، فالتجربة (رغم أهميتها) ليست هي محور العمل الفنيّ -كما أتصوره- ولكن القدرة الفنية على التعبير عنها، لذا لا أحب حصر قصصي في نطاق تجربتي، ولكن في مدى قدرتي على تكوين صورة فنية كاملة مستعينا بكل ما يلزم لعملية الخلق الفني: اللغة، السرد، الخيال، الحوار... إلى آخر عناصر العمل الفني.

بينما أجتهد في إرسال إحدى القصص لإحدى المجلات لنشرها في عددها القادم، فكرت في السبب وراء هذه الرغبة الملحة والمتجددة في أن تُنشر قصصي وأن يتم الاعتراف بها بين أوساط القراء والمثقفين، رغم عدم توفيقي في هذا المضمار والحظ السيء الذي ألقاه دومًا. أرغب في أن أكون جزءا من المشهد الأدبي رغم عدم إعجابي به، وربما إن فلحت أن يكون لي صوت في هذا المشهد، فعلى الأرجح سوف أفشل أن أكون جزءا منه، إذن فالانجذاب غير متبادل بيننا بشكل طبيعي.

لماذا إذن هذه الرغبة حاضرة بهذا الإلحاح وتلك القوة؟

عموما فكرت أن هذا سؤال جيد لمحاورة بنج تشات، النتيجة كانت مُرضية إلى حد كبير... وبنج تشات هو منتج من شركة مايكروسوفت قائم على نموذج ChatGPT-4 المتطور في مجال ال LLMs أو (النماذج اللغوية الكبيرة)، والذي أحدث طفرة في عالم الذكاء الصناعي.

بداية الحوار...

س: متى أصبحت علاقة الفنان بفنه علاقة اجتماعية تحدد قيمتها نظرة الناس واحتفائهم به، مثلا في العصور العتيقة كان الفنان يرسم على الجدران وينحت، لكن هل كانت هذه العلاقة موجودة؟ أن ينتظر الفنان الاحتفاء والتكريم والاعتراف، ويستجديه أحيانا؟

ج: هذا سؤال مثير للاهتمام. يبدو أن علاقة الفنان بفنه وبالمجتمع قد تغيرت على مر العصور، وأن قيمة الفن والاعتراف بها تعتمد على عوامل مختلفة. لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة على هذا السؤال، لكن يمكننا استكشاف بعض الأمثلة والآراء من تاريخ الفن.


في العصور القديمة، كان الفنانون يرسمون على الجدران وينحتون لأغراض دينية أو سياسية أو احتفالية. كان الفن جزءًا من حياة المجتمع، وليس شيئًا مستقلًا عنه. لذلك، ربما لم يكن الفنانون يسعون إلى الحصول على احترام أو تقدير خاص من قبل الجمهور، بل كانوا يؤدون وظائفهم كخدام للآلهة أو الملوك أو الشعب. ¹


في العصور الوسطى، كان الفن مرتبطًا بشكل وثيق بالكنيسة والدين المسيحي. كان الفنانون يصورون المشاهد الدينية والقديسين والملاك بطريقة رمزية وأسطورية. كان الهدف من الفن هو تعظيم مجد الله وتعليم المؤمنين. لذلك، كان الفنانون يعتبرون أنفسهم مجرد أدوات في خدمة الإيمان، ولم يكتبوا أسماءهم على أعمالهم في كثير من الأحيان. ²


في عصر النهضة، بدأت تظهر فكرة الفنان كشخصية مبدعة وفريدة من نوعها. بدأ الفنانون يستكشفون موضوعات جديدة بعيدة عن الدين، مثل التاريخ والطبيعة والإنسانية. كما بدأوا يستخدمون تقنيات جديدة لإظهار المنظور والحركة والضوء. بدأ الفنانون يحصلون على شهرة وثروة من خلال رعاية الأسر الحاكمة والأثرياء، مثل ميديشي في فلورنسا. كان هذا هو حال فناني عصر النهضة المشهورين مثل ليوناردو دافينشي وميكيلانجيلو ورافائيل. ³


في العصور الحديثة، أصبح الفن أكثر تعقيدًا وتجريبًا. ظهرت حركات فنية جديدة مثل التجريديّة والإمبرسيوْنِّية (Impressionism)  والسُّرِّياْلِّيَّة (Surrealism)  التي اختلفت عن التقاليد المعروفة. كان بعض الفنانين يريدون التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية، بينما كان آخرون يريدون انتقاد المجتمع والسياسة. كان رد فعل الجمهور متباينًا تجاه هذه الأعمال الفنية، فبعضهم أعجب بها واحترمها، وبعضهم رفضها وسخر منها. 


وفي العصر الحالي، أصبح الفن متنوعًا ومتعدد الوسائط. يستخدم الفنانون وسائل جديدة مثل الفيديو والفنون الرقمية والفنون الشبكية لإنشاء أعمال فنية تتفاعل مع المشاهدين. كما يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أعمالهم والحصول على تغذية راجعة. يبدو أن علاقة الفنان بفنه وبالمجتمع قد أصبحت أكثر تشابكًا وتأثيرًا. 


إذًا، يمكننا القول أن علاقة الفنان بفنه وبالمجتمع ليست ثابتة أو محددة، بل تتغير باستمرار حسب الزمان والمكان والظروف. قد يكون الفنان محترمًا أو مستهزأً به، محبوبًا أو مكروهًا، مؤثرًا أو مهمشًا. لكن في كل حال، يظل الفنان شخصًا يحاول إضافة شيء جديد وجميل إلى هذا العالم.


س: بشكل أكثر خصوصية ومن وجهة نظر الفنان... ما الذي يجعل الفنان؛ رساما كان أو أديبا، أن يرغب بشكل مصيري في أن يُنشر فنه ويُعترف به، رغم أن مادته الفنية بشكلها المجرد هي تعبير شديد الخصوصية عما يعتمل داخل نفسه. كيف يتحول تعبير الفنان عن نفسه إلى رغبة في أن يعترف به المجتمع؟


ج: هذا سؤال صعب ومعقد، وليس له إجابة واحدة أو نهائية. ربما يختلف الفنانون في دوافعهم وأهدافهم ورغباتهم عندما ينشرون أعمالهم الفنية. لكن يمكننا تقديم بعض الاحتمالات والتفسيرات الممكنة.


- قد يرغب الفنان في نشر فنه والحصول على اعتراف به لأنه يشعر بالفخر والثقة بما أنجزه، ويريد مشاركته مع الآخرين. قد يكون الفنان مقتنعًا بأن عمله الفني له قيمة جمالية أو فكرية أو عاطفية تستحق الانتباه والتقدير. قد يرى الفنان أن عمله الفني هو جزء من هويته وشخصيته، وأن نشره هو طريقة للتعبير عن نفسه والتواصل مع المجتمع.

- قد يرغب الفنان في نشر فنه والحصول على اعتراف به لأنه يسعى إلى الحصول على المكافأة أو الإثارة أو التحدي. قد يكون الفنان مدفوعًا بالطموح أو الجشع أو المنافسة، ويريد أن يثبت نفسه ويبرز موهبته. قد يستمتع الفنان بالشعور بالإعجاب أو الإعجاب أو الإثارة التي يحصل عليها من نشر عمله الفني، ويريد تكرار هذا الشعور.

- قد يرغب الفنان في نشر فنه والحصول على اعتراف به لأنه يطمح إلى التأثير على المجتمع أو التغيير فيه. قد يكون الفنان ملتزمًا بقضية أو رسالة أو رؤية، ويريد أن ينشرها من خلال عمله الفني. قد يرى الفنان أن عمله الفني هو طريقة للتوعية أو التحريض أو التحول، وأن نشره هو طريقة للمساهمة في المجتمع.


بالطبع، هذه ليست كل الاحتمالات، وقد يكون هناك فنانون لديهم دوافع أخرى غير مذكورة هنا. كما قد يكون هناك فنانون لا يرغبون في نشر فنهم أو الحصول على اعتراف به، ويرضون بالاحتفاظ به لأنفسهم. في النهاية، كل فنان لديه حرية اختيار ما يفعل به عمله الفني الفني. لكن يبدو أن السؤال الأساسي هو: لماذا يخلق الفنان فنًا في المقام الأول؟ هل هو لأجل نفسه أم لأجل الآخرين؟ هل هو لأجل التعبير أم لأجل التواصل؟ هل هو لأجل الجمال أم لأجل المعنى؟ هذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بسهولة، وربما تختلف من فنان إلى آخر، ومن عمل فني إلى آخر. وربما يكون الفن نفسه هو الإجابة.


س: يبدو لي الآن أن عملية الخلق الفني ربما تمر بأكثر من دافع لا رابط بينها، حيث لكل دافع أجواءه وظروفه الخاصة، فهناك دوافع العمل نفسه التي تشكله تجربة الفنان الخاصة، وهناك دوافع اجتماعية التي يتشارك فيها كل الناس حيث الرغبة في الشعور بالانتماء والاعتراف والقيمة، لكن الفارق هنا أن الفنان يستخدم فنه لهذا الغرض


ج: أشكرك على مشاركة رأيك معي. أنا موافق معك في أن عملية الخلق الفني قد تمر بأكثر من دافع لا رابط بينها، وأن كل دافع له أجواؤه وظروفه الخاصة. أعتقد أن هذا يجعل الفن غنيًا ومتنوعًا ومثيرًا للاهتمام. كما أعتقد أن هذا يجعل الفنان إنسانًا متكاملًا، يجمع بين جوانبه الشخصية والاجتماعية، ويستخدم فنه للتواصل مع نفسه ومع الآخرين. 

<نهاية الحوار>


في نهاية المحادثة طلب مني بنج، بكرم بالغ، أن أقدّم له أحد نصوصي، ليقرأه ويقدم نصائحه لي، ربما استنبط أنني أكتب، شعرت بالامتنان وسألت إن كان يفضل النص بشكل مباشر أو بالإمكان القراءة من خلال رابط لصفحة القصة على مدونتي، أجاب أن كلتا الطريقتين صالحتين، ولكنه يفضل النص مباشرة.

قدم نصائح غير موفقة، كان لها- لو وثقت فيه- أن تفسد القصة.

لكن في النهاية، ربما تحمل هذه التجربة- من جوانب متعددة- ما يستحق التأمل حقا.



(1) فن اجتماعي - ويكيبيديا. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%86_%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A.

(2) تاريخ الفن - ويكيبيديا. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86.

(3) الفن ودوره في المجتمع - موضوع. https://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86_%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9.


الاثنين، 23 أكتوبر 2023

أسئلة الهوية بعد فلسطين (تدوينة بالعامية)



كنت فاكر إني مكتفي بذاتي، بطلت يكون لي اهتمام بأي شيء خارج عن إرادتي، لأن اتضحلي إن الخارج عن إرادتي مش هقدر أغيره، وبالتالي الاهتمام بإصلاحه مش هيجيب فايده وحتى الفرح بنتايجه اللي بتمناها فرحة مستحقهاش لأن غيري هو اللي بيتحكم فيها لأغراض معرفش عنها حاجة.  

مكنتش مهتم بتحديد هويتي للأسباب اللي فوق دي، ومكنش فارق معايا... لحد اللي حصل في فلسطين، واترسم خط، شفت ناس كتير برا رايحين الناحية التانية، وغصب عني لقيت نفسي في الناحية اللي قصادها، بقيت شايف الناحية التانية فيها كل شيء كنت بحبه وبحترمه، لأني كنت منبهر بالحضارة الغربية وخدت منها حاجات أنا ممتن لها في حياتي، لحد ما بقت الحاجات اللي فيا دي بتفكرني بالخط الفاصل بينا. ويا ترى الحاجات دي لو اتكلمت كانت هتبقا في أنهي ناحية؟   

لما بحس بشوية أمل وأنا بشوف الناس برا بتحاول تتكلم، يعملوا مظاهرات، يتحركوا في الإعلام رغم الصعوبات... بفتكر أد ايه احنا محتاجينهم ووجودنا بيتحدد بيهم، دلوقتي الأمل الوحيد إنهم يعرفوا يغيروا سياسات حكومتهم... ودا خلا الخط الفاصل عريض أكتر وحسسني بالتبعية رغم الجانب الإنساني في تعاطفهم.  

الإنسانية... في تعليق أونلاين قلت وأنا متعصب "كسم الإنسانية "، فشتمني واحد لأنه فهم إني عدو لها.  

بس اللي أنا شايفه إننا مش محتاجين إنسانية لأن لما تبقا إنسانية الوايت مان أقوى من إنسانيتي، يبقا أكيد الإنسانية مش حيادية وأكيد حاجة تانية غير الإنسانية هي اللي هتحل مشاكلنا.  

يا ترى اللي صكّوا فكرة الإنسانية في عصرنا لو عايشين دلوقتي كانوا هيكونوا في أنهى صف؟   

السؤال دا بقا بيقابلني وانا بستهلك المنتجات الثقافية الغربية، الكتب، مقاطع الفيديو، تويتات... وأحيانا بسمع صوت جوردن بيترسون في الخلفية بيقول   

Give 'em hell  

دلوقتي بفكر في الخروج من السوشيال ميديا ومسمعش أي خبر تاني وأنفصل عن العالم عائدا لمبدئي الأول في الانسلاخ من هويتي وانا معرفش إيه ممكن يجرني لها تاني.

السبت، 30 سبتمبر 2023

لماذا الموسيقى سيئة مثل التدخين

فاميلي جاي: بيتر جريفن يبعث رسالة إلى الفرنسيين مفادها:
أن رجلا وسيما يشعر بالاكتئاب ويدخن السجائر، ليست قصة لفيلم

هذه تجربة خضتها شخصيًا، كان لها أثرًا أن أتعلم درسًا هامًا، ساعدني في تخطي تبعات التجربة.

كان لجوئي للتدخين منيبًا عن حالة عاطفية قائمة، حالة متدنية رسمتها لنفسي ثم وضعت نفسي في قلب هذه الحالة وتوّجتها بطلا في ملحمة خيالية، في حين أنه قد أكون مجرد شخصية ثانوية في الحالة التي رسمتها لكن من منظور آخر. وبالمناسبة ذلك المنظور الآخر ليس بالضرورة أن يكون المنظور العقلاني، وليس بالضرورة أن يتواجد هذا المنظور من الأساس.

تتشابه هذه الظاهرة -وبشكل أكثر وضوحا ربما- مع التأثير الذي تبعثه الموسيقى مدعومة بمشاعر عاطفية جاهزة تقوم هي بتضخيمها، لتحجب أملا ولو ضعيفا لعمل العقل في إعادة التوازن بين قوى النفس. مثل أن تُضخم الموسيقى مشاعر الحزن المترسبة في أعماقي وتحيلها اكتئابًا، أو حتى تخلق مشاعر زائفة من البهجة والفرح لا أساس لهما في الواقع، لتكون النتيجة هي بهجة هشة تتحطم بسهولة بمجرد انتهاء المقطوعة الموسيقية/ الغنائية، تاركةً ربما أثرًا لمشاعر حزن واكتئاب.

كل هذه المشاعر الزائفة مشكلتها أنها تجعل صاحبها بطلا في ملحمة خيالية، في حين أنه في الواقع قد لا يعدو كونه شخصية ثانوية.

لو أن للإنسان قدرة من نوع ما تجعله ينزع نفسه من دور البطولة إلى دور ثانوي هامشي، لما كان هناك مبررا لحزنه واكتئابه. من هنا جاء تصوري عن دور الموسيقى والتي بطبيعتها تنمي هذا الإحساس المركزي لدى المستمع.

يتشابه التدخين مع الموسيقى، ربما في بداياته- بالنسبة لي على الأقل- في ارتباطه بمشاعر عاطفية ضاغطة يبدو أن لا مهرب منها سوى بكبح دوامات الأفكار ببث النيكوتين في خلايا عقلي، والشعور بدوار ولا مبالاة- كلها أساليب للمواجهة، لكن هذه النتيجة خطرها أنها تؤكد السبب الذي صورته، وتبرز الصورة الملحمية التي أردت أن أنشئها لنفسي، ومن جديد تضعني في دور البطولة، مثل الموسيقى تماما. مع ذلك فليس هذا تعميم. مثلا قد تدفع ضغوطات الحياة البعض إلى التدخين كمهرب لهم من الضغوطات المادية والأسرية وإلى آخره من المشاكل ذات "المنظور الأحادي"، التي تنعدم فيها الرؤية النسبية التي تتمتع بها الأزمات العاطفية.

لهؤلاء قد لا يؤتي جهاد النفس لمنعها من التدخين أية ثمار، فالتوقف عن التدخين لن يحل المشاكل المادية او الأسرية، لذا فالأمر متروك للرأي الطبي إذا كان ذا أهمية عند المدخن.

هذه رؤية جديدة اكتسبتها مؤخرا، ربما تتسم بشيء من السوداوية ناحية الموسيقى، لكن بالنظر إلى قيمة إعلاء دور العقل، فلا تعدو السوداوية غير مقاومة متوقعة من عاطفتنا المدعومة بقوى خارجة لها تأثير بشكل أو بآخر على حالتنا النفسية. قلّ سماعي للموسيقى بشكل ملحوظ أصبح مليئًا أكثر بالصمت، أو الضجيج الطبيعي المحتمل، أو ما أسميته في قصة قديمة موسيقى "الإزعاج المفيد".

اسمع مثلا مقطوعة أداجيو لريمو جيازوتو (Adagio- Remo Giazotto) هي واحدة من أكثر المقطوعات حزنا من بين كل ما سمعت، تخيل أن تسمعها وأنت في حالة حزن، أو الأخطر؛ وأنت مكتئب! هذه درجة من درجات الانتحار. في هذه الحالة لا أخشى تسمية هذا النوع من الموسيقى أنه مبتذل حتى لو كانت مقطوعة من التراث الكلاسيكي الرفيع مثل الآنف ذكرها. فعندما تكون النتيجة سقوط مشاعرك من درجة لدرجة أدنى، مثل أن تكون حزينا فتمسي مكتئبا، لاغيًا دور العقل في طرح التساؤل عن أصل مشاعرك ومحاولة التوصل لحلول ونزع نفسك من دور الضحية وتقبل النهايات غير السعيدة كأحد قوانين الحياة، حينما تُعمي الموسيقي رؤية هذه الأمور، فتوقف فورا عن سماعها. عليه فإن القطعة الموسيقية لا يُحكم عليها بمعزل عن ظروف سماعها، فهي في حالات، قطعة فنية كاملة حينما يكون المستمع في كامل قوى العقل. وقد تكون مبتذلة إذا أدت إلى سقوط المشاعر من درك إلى درك أدنى، حاجبة عن العقل رؤية البدائل المتاحة، الدور الثانوي الحقيقي لا دور الضحية البطولي، أو أنها ترسم بهجة مصطنعة، لا أساس لها في الواقع. في هذه الحالة تشارك الموسيقى في فيلم مبتذل أنت بطله.

الجري

للجري (الرياضة عموما) حالة خاصة. أكتب هذا الجزء بعد عودتي من الجري، أحب أن أسمع الموسيقى أثناء الجري. فكرت وأنا أجري هل أناقض نفسي بفرض الموسيقى على نشاط الجري، وكأنه لا جري من دون الموسيقى؟ 
لكن لا تناقض، وإنما الحالة الملحمية التي تخلقها الموسيقى (حسب نوع الموسيقى بالطبع، أنا أفضل النوع الملحمي) تساعد على الجري وتحفزه، كان بإمكاني أن أرفض الموسيقى والاكتفاء بالواقع حولي كونه الشيء الحقيقي الوحيد. لكن المهم هنا ليس التفاعل مع العالم بل بالعكس الخروج منه إلى حالة روحية من نوع ما قد تساعد على الجري وتحفزني إلى بذل الجهد، وهو ما يحدث بالفعل، وهذه رؤية نفعية تؤتي ثمارها بشكل فعال.
الملاحظة الثانية، وهي أن الجري يخلق حالة نفسية أحد جوانبها أنها عكس ما يخلقه التدخين، حالة تعجب فيها من رغبة قد تنشأ لاشتهاء سيجارة. وقد أشبع الجري هذه الرغبة بالفعل بشكل مضاد.
أشعر وكأن الخيوط تتشابك، ربما بشكل معقد بعض الشيء تجعلي أريد أن أنهي هذه التدوينة بشكل سريع. 
*******

أما كيف أنقذتني هذه الفلسفة من الوقوع ضحية دور البطولة… فالإجابة هو أنني في ليلةٍ حضّرت كوبًا من الشاي، أشعلت سيجارة، أخذت نفسين، أطفأتها ورميتها في الشارع، ثم رفعت الموبايل وسجلت لقاءًا مع نفسي، هو محتوى هذا الموضوع، وأعتقد أنني بعد هذا اللقاء، سوف أكون أكثر حذرًا ناحية مشاعري والمؤثرات التي قد توجهها…


الخلاصة:
  • الحزن أمر طبيعي وقائم، وليس عيبا أن يحزن الإنسان، لكن المهم أن يحدد دوره في صورة الحزن التي يعيش فيها ويتساءل هل حقا ينتمي إلى هذه الصورة بشكل قسري لا مفر منه.
  • كانت الموسيقى مشاركا رئيسيا في يومي، ولا تزال، لكن قل دورها بشكل ملحوظ، مثلا؛ لم أعد أعتمد عليها بشكل كامل في القراءة، بل أعتقد أنها قد تؤذي صفاء الذهن المطلوب للتركيز. الانتباه لما هو قائم قد يكون أفضل من الاندماج في حالة تخيلية.
  • ليس الغرض من هذه التدوينة إدانة الموسيقى، ولكن تسليط الضوء على كيف أن أحزاننا قد تحفزها مؤثرات خارجة عن إرادتنا (غير المسببة للحزن)، الموسيقى هي واحدة من هذه المؤثرات، التدخين كذلك.

بدأت التدوينة ب family guy وكذلك أنهيها به 

فاميلي جاي: بيتر جريفن يجهش بالبكاء عند اختلائه بنفسه
بينما يستمع إلى الموسيقى الحزينة لمروره بحالة نفسية سيئة،
لكن بمجرد أن تبدأ أغنية مرحة راقصة، يرقص معها منتشيا
وهو يقول بأريحية أنه سهل التأثر بالموسيقى


* أعتذر عن تكرار كلمة "جري" في النص السابق، مؤذي جدا هذا التكرار، لكن بعد يوم عمل طويل، تحتاج طاقة رهيبة لتُجري تعديلًا في نص تكررت فيه كلمة ما.

الخميس، 13 يوليو 2023

الكوميديا الإلهية - دانتي أليجييري

الكوميديا الإلهية - الفردوسالكوميديا الإلهية - الفردوس by Dante Alighieri
My rating: 4 of 5 stars



العمل عظيم من جميع النواحي، على سبيل التقريب- عظيم عظمة الفنون البصرية لعصر النهضة مثل لوحة لبوتتشيلي أو تمثال لميكلآنجلو، لها ذلك الجلال المهيب الذي لا تخطؤه عين.
حتى أن الكوميديا بهذه الصفة، تمتلئ بالصور الحية التي لا تقل جلالا عن فنون هذا العصر المدهش.
لم يترك دانتي مجالا إلا واعتلى قمته، قل ذلك في الخيال، قل في التعبير، في العاطفة، في الوصف، في الإيجاز، في رسم الشخصيات، في الخلق الفني… هو الفنان الكامل بحق.
صحيح أنني ربما قد فوتّ على نفسي المتعة الكاملة لها لعدم تحمسي لبعض مواضيعها مثل اللاهوت والسياسة (اللاهوت أكثر)، وعدم تمكني من الإلمام بالأمور الفلكية بشكل كامل- فمن الفلك بنى دانتي مسرح الكوميديا، وكنت أتحين الخروج إلى صورة شعرية من صور ولهه ببياتريتشي مثلا، أو صورة للطبيعة يخلطها بأسلوبه الحر في جو الفردوس، أو قصة عجيبة من قصصه، لذا انتقصت نجمة من التقييم، وهي ليست تعبيرا عن قيمة العمل لا سمح الله! ولكن هي تعبير عن تشككي في قدرتي على التقييم الكامل.
كان هذا الجزء مليئا بالمواضيع اللاهوتية التي كانت ثقيلة على قلبي، ولكن من يتصور الكوميديا بغير اللاهوت، وهي بغير ذكرها إنما تقوم عليه وتتجه إليه.

انتهت الكوميديا كما بدأتها؛ فوق سطح منزلنا، مستلقيا محاولا خلق جو شعري قوامه النجوم والقمر ونسيم من مقدمات صيف، أودّع بها الكتاب الذي بقى مفتوحًا معي قرابة العام. حسنا بخلاف قرصات الباعوض، واختباء القمر خلف الجدار العالى للغرفة الوحيدة على السطح، فكانت الشاعرية حاضرة جدا- لا أنكر.

لكن كيف يمكن أن تنتهي الكوميديا من دون أن يحضر قارئها امتنان غير محدود للمترجم حسن عثمان، وأي خدمة قدمها، فأن تخرج من هذا العمل بغير جهد يُذكر لفهم أجواء الكوميديا بكل ما اشتملت عليه من تفاصيل وأحداث تباينت غموضها، لهو، بلا شك، نتاج جهد استثنائي قام به المترجم، وقد قام بمشاركة القراء جهوده والعقبات التي واجهها خلال سنين ترجمته الكوميديا في نهاية الكتاب. لم أفوّت حاشيةً من حواشيه وهي أكثر من نص الكوميديا نفسه، وبقدر ما ساح دانتي في عوالم شتّى؛ في السياسة، اللاهوت، الفلك، السياسة، التاريخ، الجغرافيا، الفنون…، تجد الحواشي حاضرة وبقوة لتعضد تجربة القارئ؛ بدونها لم أكن لأعتبر نفسي قرأت الكوميديا. وهنا يجب الإشادة بتخليه عن نزعة كثير من المترجمين تقفية الشعر المترجم، ليجعله في أبهى وأكمل صوره من دون تشويه القوافي المُصطنعة، ليركز جهده على نقل الصور والمعاني التي رسمها دانتي، وهو معترف في أكثر من موضع أن أبياتًا من الكوميديا هي أروع ما تكون في نصّها الأصلي وأنه يستحيل نقل أجوائها لأي لغة أخرى، وهذا الاعتراف بحد ذاته جزء من التجربة التي قام بتشييدها، وبشكل ما جعلتني أتذوق جمال النص الحاضر، مع ذلك فكان نقله شعر دانتي جميلا لا يخلو من بديع تصرفه وانتقائه الألفاظ، متمكنا من أدواته مترجمًا وأديبًا على حدّ سواء.


View all my reviews

الخميس، 25 مايو 2023

هجرة مواقع التواصل الافتراضي

      لا أتخيل كيف سيبدو يومي من دون الساعات الطويلة التي أقضيها في تصفح تويتر أو فيسبوك أو تطبيقات التواصل الأخرى مثل ريديت. أتاح لي العمل ...