السبت، 21 سبتمبر 2013

رأيت الله

My rating: 4 of 5 stars

(يارب النور يفضل قاطع).. قالتها نفسى المتأملة عندما اكتشفت السماء واكتشفت النجوم واكتشفت النسيم، كنت أنا وحدى بينهم على سطح منزلنا حين انقطع تيار الكهرباء وتوقفت أجهزة الهواء، حينها لجأت إلى السماء، ونسيمها الذى لا ينقطع من علٍّ، السماء هى السقف التالى مباشرة لسقف منزلنا، صعدت الدرج أتأبط هذا الكتاب عاقدا العزم على أن أهبط منه وقد أنهيت قراءته..

عودةً إلى الليل، فلو يعلم الناس ما فى الليل من سحر لتمنوا اليوم كله ليل، ومع ذلك ولشقاء الإنسان وحماقته كانت تمرق من أمامى آشعة خضراء بعيدة لا يعلم صاحبها أين تصل إلا أنه يعلم يقيناً أنها أزعجت أحدهم وكدرت اتصاله بالنجوم؛ إنه الليزر فى حضرة النجوم.. تُعساً.. هذا الكتاب يتحدث عن علاقة الليزر بالنجوم!

لن أستطيع أن أشرح علاقة الليزر بالنجوم فى الصوفية! لعلّ السبب أن هذا كتابى الأول مع الصوفية
لكنى أتخيل أن يخرج من بيننا صوفى من هذا العصر بروح عصور الصوفية الأثيلة الأولى، ويخبرنا على لسان ربه:

- عبدى لن ترانى حتى ترى نورى ولن ترى نورى حتى تُطفيء الأنوار كلها، يا عبدى احذر الليزر فإنه من شهوة النفس وإذا اشتهت نفسك فقد عبدتها وإن عبدتها فقد بعدت عنى.

وبمناسبة أن أحدهم فرقع فرقعات فى الهواء فرحاً بزيجة أو بمناسبة ما فقد تكون العبارة الصوفية على النحو التالى:

- عبدى، لن تبلغ الرؤية حتى تكتفى نفسك، كُف نفسك عن الفرح بالأشياء والأسماء فأنا الفرح حين ليس هناك بينى وبينك سوىً، كُف عنها الحجاب، كف عنها الألعاب النارية والمفرقعات.

ولا ننسى شهوة العصر الكبرى... الفيسبوك، إليكم ما قد يقوله الصوفى العصرى:

- عبدى لن ترانى حتى تخرج من نفسك إلىّ، ولن تخرج من نفسك حتى تحذف حسابك على الفيسبوك، إحذف إيميلاتك كذلك يا عبدى، اقطع لسان إبليس، صل مابينى وبينك.

ــــ
هذا موجز قد يكون من المنظور المادى شديد السخافة، لكن هذه رؤية النفرى للكون وعلاقة الإنسان بالأشياء..
فى العبارة التالية أرى حد الصوفية الأهم الذى يجب أن تقف عنده الأشياء، يقول النفرى:

- زيارة الواجدين بغير وجد هَجْم (أى: مخالطة الرجل لأهل التصوف دون أن يكون له ذوق فى أحوالهم تهجم)

وفى هذه العبارة الصوفية تحديد لسبب بلاء المسلمين طيلة عصورهم وظهور الخرافات والخزعبلات، هذا لأنه دخل على أهل التصوف من اعتقد أن التصوف كلمات تُقال وأفعال تُفعل، والصوفية فى ظاهرها نوعٌ من الخبل لن يتعدى ظاهره إلى جوهره إلا أهل التصوف العالمين، وحين اختلط العامة بأهل التصوف كان ما كان من خرافات أخّرتنا أكثر مما قدمت الصوفية للإسلام، منها مثلا أن جدّتى رحمة الله عليها حين مرض أبى صغيرا نذرت نذرا للشيخ عبد الرحمن وهو كما هو مشاع من أولياء الله له مقام يقع على طرف بلدتنا، وحين شفاه الله قدمت جدّتى الذبائح وألوان من الطعام لهذا المقام، العجيب أن تلك الولائم والغنائم الأخرى- غنائم الجهل- كان يتسلمها القائم على المقام وكان يتقاسمها مع أهل الشيخ عبد الرحمن المقيمين فى مدينة بعيدة، كان هذا منذ حوالى خمسين عاما مضت، الآن هذا المقام صار مهجورا لا يحمل سوى الذكرى البعيدة لأهل قريتنا المنحدرين عن هذا الماضى..

إذن فالصوفية تجربة روحانية فريدة، أتعجب من وجود مجالس جماعية لهم، فئة اختصت لنفسها لقب الصوفية، وهذا أمر شديد السخافة لأن الصوفية بتجربتها الروحية شديدة الترابط بالشخص الفرد المنعزل..

بالمناسبة هذا الكتاب شديد البعد عن العقل وهذا أمر ثقيل لمحبى العقلانية مثلى وهم فى نظر الصوفية محدودون فى الأشياء لا يتعدونها، وأنا لا أنصح بقراءة الصوفية لمن لن يبلغ رتبتها، لكنى رأيت فى بعض عباراتها تهذيب جيد للنفس وسبر بعض أغوارها، بعيدا عن تجارب الصوفى التى لن نبلغها إلا بشق الأنفس، وهذا ما جعل مصطفى محمود يكرر قراءة مخطوطات النفرى (المتضمنة فى الكتاب) لمدة خمس أعوام لعمقها وصعوبتها فى آن..
ــــــــــــــ

استَمِع لمقطوعة التهويدة لجودار، هى مناسِبة لجو التصوف، تذكرنى برهبان الصحراء القدامى؛ الأنبا أنطونيوس.. والأنبا بولا أول السياح وهم جميعا من بوتقة روحانية واحدة
http://www.youtube.com/watch?v=dNyAZp...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...