الجمعة، 25 يوليو 2014

انتظر!

- نأسف على التأخير، سوف يتم تعويض ذلك، نحن فعلا آسفون!
- أتعرف! أنا لا يهمني التأخير قدر ما يهمني التعويض، ولأكون صريحًا معك، طيلة فترة انتظاري كنت أفكر في قيمة التعويض، لم أفكّر قط في معاقبتكم.. الإنتظار الطويل أفقدني حرارة المُعاقبة، لا أبالغ إن كنت قد فكرت في رجاءكم تعويضي، حتى لو تنازلت عن بعض حقوقي!
- نحن مسرورون لتعويضك حقًّا، ومسرورون لتفهمك!
- أخبرني بالله عليك، هل أنت حقيقي، من الشركة نفسها، أم أنك أحدهم ممن يتندر على شيخوختي؟!
- هذه بطاقة التعريف الخاصة بي يمكنك التأكد!
- نظري لم يعد يسعفني، أنا بالكاد أرى شبحًا عريضًا يقف أمامي، على كلٍّ، معظم من يتندّر عليّ لا يتمالك نفسه ويضحك بعد أن يسمع صوتي الضعيف هذا.
- نحن حقًّا آسفون على كل هذا، لماذا لا تجلس وتسترح!
- آه، أنت تعرف إني مللت الجلوس هنا، أنتظركم من سنوات، و.. و.. يبدو أني أتحدث كثيرًا، أليس كذلك! في الحقيقة أنا سعيد، لأن الأمور أخيرًا سوف يتم تسويتها بيننا.
- نعم، ونحن أيضًا سعداء لذلك، هل تريد البدء!
- نعم بالطّبع، ليبدأ كل شيء من جديد، حتى وإن فقدت كل شيء في الانتظار هذا، لكن هذا لا يمنع من ضرورة البدء من جديد!
- بالطبع، هلا أمليتني اسمك!
- بالتأكيد، هذه بطاقتي، اسمي كاملا موجود، كل التفاصيل عني...
- جيد، أمهلني دقيقة حتى أفرغ من كتابة العقد
- خذ وقتك، وإن كنت أرجو الإسراع، فلم يعد من وقت باقي، لكن أليس كل شيء سوف يكون على ما يرام؟
- كل شيء سيكون بخير، وسوف يمكنك البدء في حياة جديدة كما تحب!
- كل شيء يتعلّق بالوقت، سواء انتظاري، أو حتى البدء في حياة جديدة، حتى مشيبي، كان دائمًا يذكّرني بعمري وما مضى منه.. هه؛ لم يعد لدي أية شعرة سمراء أو حتى رمادية تمنحني ولو أيامًا قليلة للتعويض.. هل انتهيت؟
- نعم، العقد الآن لا ينقصه سوى توقيعك فقط.. ها هو القلم والعقد، يمكنك التوقيع هنا..
- حسنًا جدًا، أنا سعيد لدرجة أني أسترجع الآن ذكريات انتظاري هنا، كأني سوف أتركها الآن، لا أصدق..
- هل يمكنك أن تتماسك قليلًا، أن تمسك الرعشة في يديك حتى تستطيع أن توقع!
- .....
- ماذا.. هل هناك شيء، لماذا لا توقّع؟
- أنا أعتذر على هذا، لكني نسيت اسمي، هل أمليتني إياه من البطاقة؟
- ... بالطبع (....)
- جيد أني لا زلت أتذكّر الكتابة هه، رغم شيخوختي البيضاء..
- أقدم اعتذاري مرة أخرى...
- لا تعتذر، لا تذكرني حتى، أنا سعيد على كل حال، هل هناك شيء أفضل!
- على كلٍ سوف يتم إنهاء الأوراق ومراجعتها وسوف نتواصل معك لتستلم التعويض.
- هل أنت راحل الآن، هل انتهى كل شيء؟!
- نعم!
- حسنًا، وعلى كلٍ أصبحت معتاد على الانتظار، على الأقل تحدثت مع شخص حقيقي، لا يتندّر عليّ..
- لا تقلق، كل شيء سوف يكون على ما يُرام، إلى اللقاء
- إلى اللقاء...
(يرحل وتختفي صورته الشبحية من أمام عينيه... بيدٍ مُرتعشة يُدخِل بطاقته في جيبه)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...