السبت، 18 أكتوبر 2014

حلم خنزير


اليوم تم حبسي في حظيرة الخنازير، وجدت نفسي مدفوعًا للداخل وأنا أُفارق آخر نسمة هواء كبشريّ، وزهرة سقطت أمام عينيّ، وحبل الغسيل الذي تعطل منذ أن حلّ الشتاء، ولأن الوقت لم يكن متسعًا لإلقاء كلمة وداعٍ، فقد ألقيت تحية للخنازير الثلاثة الموجودة بالداخل، وأُوصد الباب، ثم حل ظلام كثيف، انتظرت دقيقتين حتى تهيأت حدقتاي للظلام، ورأيت أشباح الخنازير كتلًا سوداء تعبث في ظلام الحظيرة، كانت الرائحة قذرة إلى درجة أني كنت أشعر بها كُتلًا تندسُّ في جوفي، وكنت على وشك التقيؤ. "سوف نحبسك في أفضل حظيرة خنازير لدينا" هكذا قيل لي في حلم الليلة السابقة، ولم أكن أعرف أن أحدهم كان فقط يهمس في أذني، ورغم أني لا أصدق أحلامي، إلا أن الخنازير لم تعترض على وجودي، بل اعتبرتني خنزيرًا ضال عثر على حظيرته. قال أحدهم:

- نعرف أنّك لست خنزيرًا

ثم سكت. بدا أنه أراد وضع الخطوط العريضة لعلاقتنا المستقبلية.

عرفت فيما بعد أنه تم دفعه في يوم ما إلى هذه الحظيرة، لأن أحدهم همس في أذنه أنه سوف يصير خنزيرًا، وحينما استيقظ، كان مُصابًا بنوبة هلع، لم تلطّف من حدتها المسافات التي قطعها جريًا في الحقول وبين المنازل، وأعلى الكباري ولا وهو يتناول كل أصناف الطعام بشراهة غير مسبوقة، ولا وهو يُقبل فتاة كانت تعمل في الحقل، ضاجعها، ولم يشعر بنشوة لأنه كان خائفًا، أما هي فلم تكن قد جربت المتعة من قبل، كل ذلك فعله في يومٍ واحد، وحين تزوّجا، فقد حلما معًا في نفس الليلة بنفس الحلم، حيث تم الهمس في أذنيهما معًا: "سوف تصيرا خنزيرين"
وتم دفعهما إلى الحظيرة ليصيرا مع الوقت خنزيرين، وقد أنجبا ابنًا له ملامح بشرية، إلا أنه مع الوقت قد تحول، لأنه لم يكن ليتحمل الرائحة التي كادت تقتله، فهمسا في أذنيه، "أنه سيصير خنزيرًا" وقد كان ذلك أول حلم له في حظيرة الخنازير.

- لكنك سوف تتحول مع الوقت - قالت الخنزيرة في ألم ممضٍ، وهي تعض على شفتها السفلى.

في حين كان الخنزير الصغير يأكل الخراء المُتيبِّس الذي يخلفه أبوه.

لم يذكرا شخصًا بعينه قام بهمسهما ومن ثم تشكيل حلم زائف، إلا أنها قالت:

- ربما يكون أبي من قذفني هنا بعد أن همس في أذني، لأنني ارتكبت فاحشة في نظره، رغم أننا تزوجنا بعدها.

ثم أضافت:

- لكن ما ذنب هذا الصغير؟

في صباح اليوم التالي وجدت ذيلًا معقوفًا بخصلة شعر في نهايته قد خرج من أسفل عمودي الفقري.. وقد أكدت شكوكي بأن قالت:

- كلها أيّام

وفي الليلة الثانية، عانيت آلام فظيعة من القوة الهائلة الخفية التي كانت تعمل على إعادة تشكيل منخاري، وفي غضون أسبوع فقد تحولت بالكامل إلى خنزير أبيض ببقع سوداء متفرقة.
ولأن ذاكرة الخنازير ضعيفة فقد رسمت على جدار الحظيرة كل ذكرياتي البشرية القديمة، ولم أكن أتذكر إلا حبل الغسيل المُعطّل والزهرة الصفراء، لذلك فقد رسمتهما على الحائط، أما الخنزيران فقد رسما صورتيهما القديمة وهما يتبادلان القبلات في الحقل، وكان ذلك كل ما يتذكرونه، كان الطفل يشاهد ذلك وهو عاجز عن الفهم، مستمرًا في أكل خراء أبيه المتيبّس.
ورغم أن الحائط قد امتلأ بهذه الرسوم كي نتذكرها إن عدنا بشرًا فقد مر وقت طويل على ذلك حتى نسيناها مع الزمن، وكنا قد أصبحنا خنازيرًا بلا أي صلة بشرية، لم نعد نشعر بالسعادة أو الحزن، كان شعورًا واحدًا هو ما يسيطر علينا؛ هو حاجتنا للأكل باستمرار، وكان الصغير أكثرنا شراهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...