الخميس، 9 أكتوبر 2014

المُنشقّات

جالسًا وحيدًا في المقهى، دخلّت عليّ قصتي القديمة التي أسميتها –في ذلك الوقت- "أ"، وقفت لأحييها، في العادة أنا لا أقف لكل القصص العابرة، حتى وإن كنت كاتبها، لكن هذه بالذات أشعر من ناحيتها بمهابة، فهي من منحتني اليقين الأول، وبعض الحبِّ أيضًا. أخذت تتفحصني، ذاكرتها ضعيفة –كما أردت لها- لذلك فقد أخذت وقتًا حتى تسترجع ملامحي وتتذكّرني، وتذكّرتني، ثم تركتني وأكملت رحتها.

لم تكن فناجيل الشاي لتنقطع عني، غلى الدم في عروقي، لم أجد مبررًا لهذه المهانة. استرجعت كل السطور التي كتبتها فيها، ولم يتزحزح يقيني أني كتبتها على أكمل وجه... فلما؟ لما إذن؟!

جاء النادل وأخبرني، أنهم سيغلقون المقهى، وأنا آخر المتسكعين التائهين - كما ترجمت ذلك لنفسي حين قال "زبون" بأدب غريب.

- هل يمكنني الاحتفاظ بهذا المقعد حتى الصباح، وإليك ثمنه!

رفض النادل أخذ المبلغ، وسمح لي بالبقاء، ربما لأني كنت صادقا في طلبي إلى حد الرثاء.
وتركني وحيدًا.. لم يكن شيء ليتغير إذن إلا فناجيل القهوة التي انقطعت مع أصوات الزبائن.

لم أكن مصدومًا بل مُهانًا، وكانت قصص أخرى تعاملنى بأذرى من هذه المعاملة. إحدى تلك القصص أظهرت تعاليًا عليّ، وصارحتني بأني أدنى منها. وأخرى قالت أني لست من كتبها، وأنه لا ينبغي لي ذلك، وأقسمتُ بأني من كتب كل حروفها، ولأنتصر على مروقها وأثبت لها عكس ما تريده، تحديت أن أكتب أمامها قصصًا تشبهها بل وأكثر، وأمسكت القلم، وكلما ظننت أني كتبت شيئًا حيًّا مُنتصرًا اتضح أن القصص تولد ميتة أو شائهة، وابتسامة شماتة تتسع على وجهها وهي تشهد حيرتي، ثم رحلت بعيدًا، حتى لم يبقّ في غرفتي سوى القصص الميتة أو الشائهة الغير قادرة على المروق.
في هذه الليلة لم تمر أي قصة أخرى.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...