الأحد، 1 ديسمبر 2013

العالم من منظور ذبابة

  -  هو فيه إيه؟
  -  قلة أدب والله!
من أعلى المبنى يهوى حجر فى حجم الرأس على قدره المكتوب:
  -  آآآه
  -  لا حول الله، حرام اللى بيحصل دا والله
  *  ألعاب نارية يا بت
  * ألعاب إيه، دا خرطوش!
كانتا فتاتين قادمتين لينضموا للمتفرجين.
الذبابة تحط على أرنبة أنفى، ماذا تريدين ياذبابة؟!
تصعد وتحط على أنفى، الجو لزج، ورائحة الدخان المميزة تداعب أنفى، يبدو أن الذبابة تبحث عن رزقها، عيناها مرعبتين حين أركز عليهما، ماهذا الإصرار الذى فيهما، من أجل الرزق إذن..
يتطلع إلى أعلى المبنى، كان صدره يعلو ويهبط كقلبٍ مكشوف، العرق يتصبب من كل جسمه، كان متأهبا لإصابة غريمة المختبيء أعلى المبنى بطلقة خرطوش، يعدو بين المبنيين الكبيرين، التصقت فالنته الزرقاء بصدره من العرق، انطلقت من فوهة الخرطوش طلقة، لمعت فوق المبنى بجوار أحدهم وأصدرت صوتا عظيما، اختفى، لم يمت لكنه اختفى ليُعد شيئاً... ثم بعد حين ألقى حجراً أكبر، واختفى مرة أخرى، تفتت الحجر على الأرض ولم يُصب أحداً.
الذبابة تحط على أنفى، تريد شيئاً ما، لماذا لا تستمعين بالمشهد يا ذبابة!
  -  دول لو كفار مش هيعملوا كدا!
قالت سيدة تعمل فى الإدارة، من نبرتها كانت تتحسر، لكن بعضهم كان يستمتع بالمشهد، جميعهم يودون لو يقصوا الحكاية لآخرين حين يذهبوا. فجأة سمعتَ قهقهة! هل فاتنى شيء؟! يصورون كل شيء بهواتفهم، موزعون بشكل عشوائى، ساكنون مثل موتى، مشدوهين كأنهم يشاهدون مشهدا من مسرحية لشكسبير. صاحب الفالنة الزرقاء على بعد عدة أمتار يُعدّ طلقة أخرى.
تنطلق الطلقة لتشتعل عند أعلى المبنى، صوتها يضرب فى أذنى والدخان أصبح خانقا، أريد الذهاب بعيداً، وكأن إحداهن سمعتني أفكر فقالت لزميلتها بنبرة لا تخلو من الخوف:
-         بوابة الجامعة مقفولة
زميلتها تصور بهاتفها، لم تلتفت لها، بدت لى مستمتعة بالتصوير وتريد المزيد من الأحداث تملأ بها ذاكرة الهاتف، بينما زميلتها ظلت خائفة تراقب ما يحدث، وتفكر فى سبيل للخروج.
أسفل المبنى كان أحدهم يخبط البوابة الحديدية بجنون، يشدّها ويدفعها بقوة يريد فتحها، لابد أن الجميع أصبح مختنقا برائحة الدخان، لكنهم مثل موتى ساكنون يشاهدون..
صرخت إحداهن:
  -  إيه اللى ودا الهبلة دى هناك
  -  تعالى يابت
كانتا تشيران لفتاة بعيدة كانت تراقب مايحدث عن قرب ولم تنتبه لنداءهما!
ثم فجأة حدث شيء ما لم نره خلف المبنى الأيمن، واندفعوا جميعهم نحو الجهة الأخرى وانطلقت خلفهم طلقات الخرطوش، والأحجار تتعقبهم تصيب بعضهم وينجوا آخرون، اندفعت الطلقات الواحدة تلو الأخرى، والدخان يتحرك ببطء لأعلى ويتفرق ليصل لكل أنف، صوت الطلقات يتتابع ويضرب أذنى، كان الشاب لايزال يضرب البوابة ويشدها صارخا:
افتحوا البوابة حرام عليكو..
لم يرد عليه أحد. وعدسات الهواتف تسجل كل شيء..
الذبابة تحط على أنفى وتستقر، أحملها معى وأذهب بعيدا.. صوت الطلقات يخفت شيئا فشيئا ويختلط بالصراخ وصوت الحجارة، أحمل الذبابة معى ونمضى سويا نبحث عن عذر لما يحدث خلفنا، هاربين من رائحة الدخان والخوف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...