الخميس، 29 أغسطس 2019

الممثل

شاب ثلاثيني قوي متوسط الطول، شعر رأسه قليل ولكنه مصفف بعناية، في مشيته عرجة خفيفة، وفي يده اليسرى تورم، يدخل الباص حاملا يده اليسرى بيده اليمنى. أخذ يتباكى وهو يحكي مأساته وصدغيه يترجرجان تشنجًا مضيقًا عينيه الدامعتين، فصّل قصة عجزه وعدم مقدرته على العمل، وأخذ يسأل الناس المساعدة.
يتأثر الناس وأغلبهم فلاحون. يجمع الجنيهات وهو يمشي بين المقاعد في طريق ضيق مكتظ يجتازه بقوة خفية يشعر بها من يحتك به، ولا يتوقف عن التباكي وهو يحكي مأساته ليكون جمعه الجنيهات شيئًا هامشيًا غير مؤثر في مأساته. يعود إلى المقدمة في بطئ، يحتك بالواقفين بقوة أقل لكنه ينفد بسهولة.
يقل تباكيه لتصبح نهنهة. يقف في المقدمة ناظرًا متأملًا في حزن إلى الخارج من خلال باب الباص، ويهز رأسه بين الفينة والأخرى كأنه توصل إلى نتيجة مؤثرة، وكان يبدو أنه مهتم أن يرى الناس ذلك. يصل الباص إلى إحدى المحطات، ويطلب من السائق أن ينزله، قالها كأنه لا يريد أن ينزل ربما لفقدانه الأمل، وكان راغبًا في أن يحافظ على شفقة الناس. أراقبه من خلال زجاج الباص وأنا معجب بأدائه التمثيلي وقدرته على صنع قصة مختلفة عن آخر مرة رأيته فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...