الأحد، 8 أبريل 2018

عالم صغير


سمعت هتافًا وتصفيقًا، عرجت إلى الشارع المقابل بشكل غريزي، فخَفت الهتاف تدريجيًا، وتلاشى أثره، وصرت في وحدة تتعمق كلما خضت في الشارع أكثر، لم يجعلها القط البرتقالي المرقّط سوى أكثر تعمّقًا بلا مبالاته وبحثه الدائم عن طعام لنفسه. ظهر هتاف جديد، وتصفيق ، كان في وجهتي، لم يكن من مفر، سأضم نفسي إليه وأصفق وأهتف حتى أتلاشى وسط الجموع، لكن ظهر بحر وكان الهتاف صوت شباك صياد ترتطم بسطح الماء وكان التصفيق صوت الأسماك، وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوت للسمك، رفض عقلي الإذعان بسهولة أن الهتاف الذي سمعته ليس لبشر مثلي يحتفلون، وضايقني شعور بالفشل، سألت الصياد لو كان هناك بشر، كان متخفيًا أسفل قبعته، وعندما استدار وجهه كان الصوت يخرج من تحت قبعته:
-         ربما.. لا أعرف
-         لكن الهتاف..
-         آه، الهتاف والتصفيق... لطالما بدأ شغفي بالبحث عنهم، لكن انتهى الأمر إلى أن أصبحت صيادًا.
وجذبَته جذبة من البحر، ضرب على قبعته يثبتها وأخذ يشد بحماس.. وكان التصفيق في ذروته، حتى اعتقدت أن هناك حفلا دائرًا لا يستطيع دخوله سوى الصياد والأسماك، وأزعجنى الصوت، فرجعت. وأنا في الطريق تذكرت القط، وتساءلت إن كان ذلك الشعور الذي خلقه هو شعور بالوحدة أكثر منه شعور بالأنس؛ نوعيّ الوحدة والأنس الذين يفصل بينها خيط دقيق. وكنت في حاجة إلى الأنس. عدت إلى الجانب الآخر الذي خرج منه الهتاف الأول، وأنا أنتظر صيادًا آخر، فوجدته الصياد الأول نفسه لا يزال يجذب شباكه، ودعاني أن أجذب معه فاعتبرتها دعوة، هرعت إليه أساعده متحمسًا، وكانت مئات السمكات تصفق، ضحك الصياد بصوت عالي. وكان القط البرتقالي يقف جواري بثبات وثقة يلعق ما حول فكه استعدادًا، وكأن الجميع كانوا سعداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...