الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

من يوقف سيل العناوين في رأسي

لم تعد توجد قصص في رأسي، هناك فقط عناوين، آخرها كان: "متى يتوقف اللورد الصغير عن الموت"، ورغم تطابق ظروف ظهور هذا العنوان مع آخر اسمه: "ملاطفة فتاة شاردة" إلا أنهما مختلفان تمامًا، ظروف القصتين مختلفتين، فالفتاة الجالسة قبالة شاطيء البحر وحدها، يتصادف وجودها مع رجل يوزع الملاطفات مجانًا على فتيات الشاطيء الوحيدات، هذه القصة كما هو واضح نشأت في عالم موازٍ، حيث لا تُعتبر الملاطفة إجرامًا. أما عن لوردنا الصغير فعمره لا يتعدى الحولين، لكنه كان من المفترض أن يجرب الموت كلعبة اعتاد أن يلعب بها، وأنا أردت أن يتوقف عن ذلك لأن الموت ليس لعبة، لكن من يهتم حقًا بلورد صغير يلعب بالموت.. لذلك فقد تركوه، ربما لأنه لورد في الأساس، وله صلاحيات.
عنوان آخر كان "لم أعد أهتم"، حاولت دفعه بعيدًا عني لأنه لا يحقق لي مقدارًا ولو ضئيلا من اللغة الحداثية التي حققها اللورد الصغير والفتاة الشاردة، لكن لم يكن لي أن أتجاهل العنوان الأكثر بروزًا من بين أقرانه، حيث كان له الفضل في وأد مشاريع قصصهم، فحين ظهر اللورد أول مرة، ظهر معه هذا العنوان. أما الفتاة الشاردة، فقد فكرت أن أرسل العنوان لشاعر يجيد استخدام العناوين، لأننا قبل كل شيء في حاجة لتكريم هؤلاء الذين يوزعون الملاطفات مجانًا، ناهيك عن مزايا الشرود، والتي أولها: صمت، حيث هذا شيئًا لم أعد أجيد استخدامه ورأيت أني في حاجة ماسّة لممارسته بشكل أكثر توازنًا، كانت الفتاة محظوظة لأنها في حضرة البحر، لكن من يحضر لي بحرًا في غرفتي. قليلون جدًا من يملكون بحرًا في غرفهم، أقول قليلون جدًا لأنهم موجودون، وقد كنت واحدًا منهم. كانت الفتاة أيضًا تمتلك بحرًا في غرفتها.

ليس هذا فحسب فكما يقول المثل (العناوين حين تهب فإنها تجرف كل شيءٍ أمامها)، ففضلًا عن عناوين القصص هناك أيضًا عناوين المقالات، واحد من هذه العناوين كان "تسعة أشياء لها مفعول رصاصة ليس من بينها حلمة منتصبة"، أعرف جيدًا أني لا أذكر من هذه الأشياء سوى الحلمة المنتصبة، ربما لهذا السبب لم أشرع في كتابة المقال أبدًا حتى أجد هذه التسعة أشياء التي أستطيع أن أستثني منها حلمة منتصبة. وإلى ذلك الحين فالأجدى أن أتساءل: ما هو تأثير الحلمة المنتصبة؟ وإلى جانب هذا العنوان شديد الضبابية، هناك عنوان آخر أقل منه ضبابية لا يستخدم أسلوب الاستثناء في تكوينه، هو "القائمة الكاملة بالأشياء التي لا تُحتمل" بزغ هذا العنوان بالذات كردّ فعل مسالم حين كنت أنتظر وسيلة مواصلات في جو حار لا يُحتمل، ومن هنا جاءت هذه الصرخة الصامتة، كان لدي بالفعل شيئين جاهزين للبدء بهما: انتظار مُطوّل، وجو حار يتزامن مع انتظار مطوّل. بعد أن ركبت وبدأت نوافذ السيارة تدفع هواءً شديدًا، فكرت في باقي القائمة، لكن ذلك بدا مُصطنعًا خصوصًا وأن عناصر هذه القائمة لها صفة "الصرخة الصامتة" التي لا يناسبها هواء النافذة بعد الانتظار المُطوَّل. بالطبع لا حظت أني مهتم بشكلٍ لا إرادي بالقوائم، وكأن حملة دعائية تتحرك داخل عقلي لحثّي على قراءة مقالات لا يوجد منها سوى العناوين، حيث عليّ أن أكملها بنفسي دائما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

هجرة مواقع التواصل الافتراضي

      لا أتخيل كيف سيبدو يومي من دون الساعات الطويلة التي أقضيها في تصفح تويتر أو فيسبوك أو تطبيقات التواصل الأخرى مثل ريديت. أتاح لي العمل ...