الخميس، 1 أكتوبر 2015

مفتّش جوجول ومكانة الأدب

My rating: 4 of 5 stars


طيب، الكتابة لا يشوبها شيء تقريبا، لكني فقط لم أعد متحمسًا لهذا
النوع من الأدب الذي يلعب على غريزة سخيفة في الإنسان؛ وهي فضول معرفة رد الفعل، قصة مثلا تدور حول فلان ضرب علان، بإمكان أديب يُقدّر استغلال الفرص أن يجعلها قصة مثيرة لأنه لو صادفني موقف مثل هذا في الشارع فالغالب أني سأتوقف ولو قليلا لمتابعة مجرياته لأن ذلك ممتع وليس فيه ملل إطلاقًا. إنه قانون تسويقي جيد؛ بِع للناس ما يحبون مشاهدته.
ومعظم الأعمال الأدبية القديمة، حتى ما تُعتبر قامات تعتمد على هذه التقنية، مؤخرًا فقط نضج الأدب، لأن الإنسان اكتشف العدم وطرق أكثر دهشة للامبالاة.
وربما هذا الشكل الغير ناضج من الأدب هو ما وراء الفكرة الشائعة عن أنه فن النميمة!

مشكلتي أيضًا مع هذا النوع من الأدب أنه يفترض نظام معين من الأخلاق والمثالية، يقيس عليه أشخاصه والحياة التي يعيشونها، ويحكم عليهم من منطلق هذا القالب المعين من الأخلاق.
لهذا أكره المثالية، لأنها تتطلب خطا واضحا من المقاييس تحكم به على كل شيء ومن ثم تولّد معها نظام من الحكم على كل من يخالفها، هذا هو الأدب من الأساطير الإغريقية حتى الروس، ربما لم ينضج الأدب بحق إلا بعد الحداثة، بعد نيتشة، بعد نيوتن، بعد الثورة الفرنسية، بعد كل الانقلابات التي أكدت على مدى حماقة أن تفترض مقياسًا تقيس عليه مُثلك، أيضًا لثورة يناير تأثير شبيه بذلك (لكنها عدمية فشل لا عدمية تحقيق، الثورات عمومًا تؤدي إلى انقلابٍ ما، هدم في اتجاه مُعيّن ). أعتقد أن العدمية هي ذروة نضج الإنسان.
ورأيي هذا ليس بعيدا عن الواقع، أرى بعض المحاولات التي تحاول أن تعيد إنتاج هذا النوع من الأدب متأثرين بهذا الشكل المثالي القديم، ربما لأن ذلك يعطيهم طمأنينة أنهم يتحكمون بالأمور طالما عرفوا سر المقاييس وسهولتها، وأنها تعطيهم نوع من الرياسة.
فتدخل مثلا على صفحة كاتب على جودريدز فتجد معظم إقتباساته من ذلك النوع الذي يقدم النصح باعتباره الحكيم الذي يملك مقاييس مُحكمة، على الجميع أن يتبعوها.
هذا عن بعض القصص، لكن هناك قصص متقدمة جدا من الصعب الحدس أنها كُتبت في بدايات القرن ال19.
بعض هذه القصص تعيد إليّ الصورة الزاهية لإغواء الحكايات.. إنها من ذلك النوع الذي تستشهد به على ما للأدب من قوة وتأثير.. أعتقد أن كلامي هذا موجه على الأخص لقصة واحدة دون غيرها.
أقولها صراحة؛ أجد نفسي عاجزا تماما على إيجاد معنى صريح للأدب، لكني لا أجد أفضل من القصص القوية ما تصلح بذاتها تعريفًا للأدب، أشير بكل حماس إلى تلك القصة وأعلنها؛ هذا هو الأدب بعينه.
من المهم أن يفطن الأدباء إلى حقيقة واحدة؛ إلى القيمة الشعرية للقصة، فبدونها تصبح القصة بلا قيمة، بلا روح، حتى وإن كنت مدفوعًا عن طريق صياغتها أو حبكتها أو لغتها، إلى مدحها بحماس، لكن كل ذلك لا يُغني عن أهمية القيمة الشعرية. هذا ما يجعلني لست متحمسًا ليوسف إدريس مثلًا، وأعتبر إبراهيم أصلان أديبًا من الطراز الرفيع.
قصة المعطف.. كثيرًا ما تساورني فكرة أن الأدب يصل إلى أعماقنا عن طريق الضعفاء، الشخصيات الهشة، المحطمة، التي يصورها الكاتب بصراحة عما نحن نتورع عن الاعتراف به، فما معنى الصدق لو لم يكشف ضعفًا وخواء،
ابحث عن الضعف في القصص العظيمة وستجد أنه عنصرا أساسيا في بنيتها الشعرية. (يحضرني الآن شاعرها الأبرز في تاريخ الأدب، خوان رولفو). إنك حين تغوص في قلب شخصية فلابد أن تصل إلى حقيقة ضعفها.
عموما الملاحظ عند جوجول أنه يعتمد على طريقة مزدوجة في حبكته، فهو في البداية يُقيم صرح القصة عن طريق الوصف المُسهب أحيانا لحياة عادية، بحيث يُكوّن عند القاريء خلفية واضحة بشكل متعمد على نحو ما، ثم فيما بعد يقوم بتفكيك هذا الشكل معتمدًا على ذاكرة القاريء، لصالح عنصر المفاجأة، لها تأثير درامي في البنية الراسخة للوصف الدقيق للهدوء والدعة والاستقرار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

من المطبخ إلى قسم الطوارئ

منذ بضعة أيام( يوم السبت 27 يناير 2024 ظهرًا) جُرِح إصبعي البنصر (الإصبع قبل الأخير) لليد اليسرى جرحًا خطيرًا أثناء غسيل طبق صين...