الاثنين، 7 أبريل 2014

حلم جدّي


- زوجتك جميلة، ليت لي زوجة مثلها!

- ماذا قلت؟

- رأيت زوجتك الآن

- أين ذهبت؟

- لا أعرف، لكنها مرّت من أمامي.

قال جدي، وكان عجوزًا هرمًا يتكلم بصعوبة من فمه الأهتم:

- اختر زوجة لم تنشأ في لزوجة قيظنا، ليتها لا تنتمي لجغرافيتنا، ليتها لا تنتمي لنا

- هل كنت مدرسًا يا جد؟

- سرت كثيرًا فيها، وأعرف ما لا يعرفه مدرسوكم

- وماذا عرفت؟

- لا تعش هنا، هاجر، سقطت أسناني هنا ولن أجدها أبدًا

- جدي!... نمت؟ هل أغطيك؟

قال الرجل:

- جدّك مات، غطِّه!

ندت صرخة عنيفة أتت من نهاية الشارع.

- هذا الشارع يعرف كل شيء، حتى قبل أن يحدث!

استيقظ أحدهم كان نائمًا مفزوعًا من الصراخ:

- بل قتلوه، رأيت ذلك في الحلم!

- ماذا رأيت؟

- كان جدك يبحث عن أسنانه، وجدها جميعا، ولما أصبح سعيدًا بها، راحو يقتلعونها من فمه، كان الدم ينهمر على عباءته، حتى التصقت بجسده... كانوا يقتلعونها وهم يقهقهون، وجدك يقبض بكلتا يديه على خصر أحدهم، محدقًا بنصف عينيه في أسنانه.

- ثم ماذا؟

- استيقظت على الصراخ!

- ماذا قال جدك؟

- قال هاجر

- لا، ماذا قال عن زوجتك؟

- جدي لم يقل، قال أحدهم أنه رأى زوجتي مرت من هنا

- هل تعرفه؟

- لا، لقد هرب حين رأى جدي

كان الصراخ يقترب منا، كانت إحداهنّ تقصدنا نحن بصراخها، قال لي:

- قل لها كفّي، جدك الآن يحلم

- هل تعرف فيما يحلم؟

- لا أحد يعرف فيما يحلم الموتى، لكن جدك سيحلم بأسنانه، هو بالتأكيد يريد مقابلة الربّ بها.

كان الصراخ يقترب، حتى أصبح ملاصقًا لأذني، لم أكن أستطيع سماع شيء والصراخ يملأ أذني، حركت شفتي لأقول:

- إذا سمحتي كفي عن الصراخ، جدي يحلم!

قالت وهي تقاوم نشيجها:

- قال لي يومًا أنه يريد أن يأكل فطيرة العسل من يدي، لكن أسنانه سقطت

- هل تعرفين جدي؟

همس أحدهم في أذني:

- ماذا أصابك، هذه زوجتك، زوجتك الجميلة، احتضنها قبل أن تهرب ثانيةً!

- ليست زوجتي، زوجتي هاجرت منذ زمن

هرب بعيدًا، ربما كان خائفًا، فقد كان يهمس مرتعشًا.

- ماذا قال جدّك؟

- قال هاجر

- ألم يذكر إلى أين!

- لا، لم يذكر، ربما في مكان أستطيع أن أحتفظ فيه بأسناني

قال أحدهم:

- زوجتك جميلة، هاجر لتراها

- لكني لا أعرف أين...

صاحت السيدة التي كانت تصرخ:

- بالله عليكم اسكتوا، لا يصح الحديث عن الهجرة، وجدنا طريحٌ من الموت.

همسْت ناحية رأس جدي:

- أهاجر إلى أين يا جدي، لماذا لم تذكر؟
كان جسده متصلبًا، فمه مفتوحًا، وداخله ينام لسانه، بينما عيناه جاحظتان تحدقان في السماء. كان شعره ناعمًا، لكنه قليل، قليل جدًا، لم يكن أبيضًا بل كان بنيًا، عباءته الفضفاضة الآن تبرز جسده النحيل.

- فيما تحلم يا جدي؟ - همست

كان الجميع قد ذهب وتركوني مع جدي، لكنها كانت تبكي عند نهاية الشارع، ربما كي لا تزعج جدي، ولما قد توغّل الليل شعرت بالنعاس، اقتربت منه، وكان دافئًا، استلقيت ونمت بجانبه:

- قد نلتقي في الحلم يا جدي! – قلت وأنا أنظر لنجمٍ يومض في السماء، يحدّق فيه جدّي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...