الأحد، 19 مايو 2013

فنجانُ القهوةِ الأخيرِ



كانَ يدخنُ سيجارتَهُ، ينتظرُ القهوةَ التى على النارِ، ظلَّ ينادى ابنهُ الذى يلعبُ الكرةَ فى حوشِ المنزلِ مع أقرانهِ ليصبَّ لهُ القهوةَ بوجههِا الصبوحِ، أرادَ أن يدفنَ القهوةَ بالدخانِ فى صدرهِ، بهذهِ الطريقةِ فقطْ يستطيعُ أنْ يدفَنَ همومَهُ ويختبيءُ منها خلفَ صعودِ الدخانِ العبثىِّ نحو التلاشى، كانَ يؤثرهُما على الرحيلِ، لكنَّه رحلَ دونَ أنْ يشربَ آخرَ فنجانِ قهوةِ.. معَ كلُّ سعلةٍ كانَ صدرَهُ ينشقُّ، كأنما بخنجرٍ يمنىٍّ، وظلّ ينادى ابنهُ، لكنهُ تجاهلهُ لأنهُ لا يحبُّ صبَّ القهوةِ، كانَ صدرهُ لايزال ينشقُّ بِخنجرٍ بعدَ خنجرٍ، حتّى أنهُ عجزَ عنْ الصراخِ، ونسىَ القهوةَ والدخانَ.. نادى ابنهُ للمرةِ الأخيرةِ، كانَ يودُّ فقطْ أنْ يراهُ مدبراً أمامهُ ليصبَّ لهُ القهوةَ، هكذا كانتْ الحياةُ بالنسبةِ إليهِ، وكانتْ المرةَ الوحيدةَ التى لمْ يسمعْ فيها ابنهُ نداءَ أبيهِ والمرةَ الأولى التى يحرزُ فيها هدفاً فى شباكِ الفريقِ الندّ، طغتْ نشوتهُ وهوَ يعدو كمثلِ طائرٍ محلق على صوتِ أبيهِ، وبقدرِ طعنةِ الخنجرِ الأخيرِ المغروسِ فى صدرهِ هَوَتْ قبضتهُ على الأرضِ فصمتَ كلُّ شيءٍ فى أُذنهِ وفارتْ القهوةُ، حينها فقطْ اكتفى ابنهُ بنشوةِ الفوزِ وذهبَ على مضضٍ ليصبَّ القهوةَ لأبيهِ، واستحلفهُمْ ألا يرحلوا لأنهُ سيعودْ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...