السبت، 16 فبراير 2013

عزازيل.. مرة أخرى

My rating: 4 of 5 stars

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة هزيلة
قرأت عزازيل لأول مرة فى أكتوبر 2011 لم يشدنى لها سوى هذا الصيت وتلك الشهرة الواسعة فانجرفت نحو الانبهار –وهى حق كانت جميلة- بدون أى نقد موضوعى لها, وكنت بعد ابن الستة عشر كتابا, مبتدئ.
وها أنذا أعود لها بعد 48 كتاب لأكتب ماتمليه علىّ ذائقة أدبية مقدارها أربع وستون كتابا, مقدارا يسمح لى باستجلاء وجهة نظر واضحة... وقد آثرت قراءة كتاب أقباط مصر (للمرة الثانية أيضا) للإلمام بالأمور التاريخية واللاهوتية وحقيقة الدين المسيحى.
القراءة الثانية تختلف تماما عن القراءة الأولى, فمن ظن أن الرواية هى مجرد رواية تاريخية تحكى عن المشاحنات الكنسية الكبرى, فالقراءة الثانية ستوضح أمورا خطيرة كُتبت لأجلها الرواية. فالحقيقة أن التاريخ فى عزازيل لا يمثل سوى جانب هامشى من هدف الرواية نفسها, كأنها بساط تسير عليه لا أكثر.
كما تأتى قراءتى لعزازيل فى الوقت الذى يحدث فيه عندى تحول فكرى, إعادة تفكير فى الثوابت أو ما اعتقدت دائما أنه ثابت, حالة من الشك , لذلك فقد انعكست تلك الحالة على قراءتى.

أولا: مايُحسب للرواية
- لجلال أمين مقولة أتذكرها دائما: الكتب الرائعة هى تلك التى تمدك دائما بالأفكار, لا أذكر كتابا أمدنى بسيل من الأفكار مثل عزازيل, فأنا أذكر فى قراءتى الأولى كتبت مقالا من فكرة انبثقت عن جملة وحيدة, وكان أول مقال أكتبه فى حياتى:
ـــــــــــــ
- ذكرت أن القراءة الثانية تواكب فترة تحول فكرى خطير, وقد رأيت الرواية على النحو التالى:
تنقسم شخصيات الرواية إلى:
• شخصيات حقيقية (نسطور-تيودور المصيصى-كيرلس-هيباتيا-...)
• شخصيات خيالية (هيبا- أوكتافيا – مرتا-...)
الشخصيات الحقيقية تمثل التاريخ الثابت, وهيبا هو الإنسان المثقف الدائب على البحث عن الحقيقة داخل هذا التاريخ, إنسان كل عصر, ولاسيما القرن الحادى والعشرين المليء بالشكوك.
مثلت لى الرواية من هذا المنطلق إبحار فى عالم الشكوك , مواجهتها, مجادلتها, ولم ينس هيبا اصطحاب الخطايا معه, فكانتا أوكتافيا ومرتا, فما من شكوكٍ إلا وصاحبتها الخطايا. لذلك فإن اقترحت اسما آخر للرواية لكان: شكوك وخطايا.
كانت أول مواجهة فى عالم الشكوك هى مواجهة النفس للاعتراف وطرح هذه الشكوك أمامنا للتخلص من عذاباتنا فكان ألم النفس الذى لازم هيبا لتدوين سيرته واعتقاده أنها دائما من عزازيل, فما التدوين إلا مواجهة النفس مواجهة صادقة, أما ثانى تلك المواجهات فهى مواجهة الخرافات والأساطير الطامسة للعقل, فكانت قصة المسامير التى تضيء ليلا (ذُكرت فى منتصف الرواية) فلما انتهت رحلة الإنسان (هيبا) إلى عالم الشكوك انتفض ضد هذه الأساطير معلنا:
"لم تكن هناك مسامير صدئة تتوهّج فى الظلمة, ولم أجد هناك أىّ شيء غير الظلام المكدس فوق الظلام"
- نجح يوسف زيدان فى أنسنة قضايا طائفية كبرى, مثل مقتل هيباتيا, فنحى كل الجوانب الدينية وجعلنا جميعا نشعر بالحزن والأسى لتلك الحادثة المفجعة, بغض النظر عن أى خلفيات عقائدية, فكانت ضربة قاضية للتطرف, وكانت المواجهة الثالثة ضد التطرف.
وفى النهاية تجتمع كل المواجهات فى مشهد واحد:

ثانيا: مايؤخذ عليها:
بعدما قرأت عزازيل للمرة الأولى كنت شاهدت كل حلقات يوسف زيدان بخصوص الرواية وكانت تلك أول مرة أعرفه فيها, ومن ثم توطدت معرفتى به وبالرواية فعرفت عنهما الكثير.
الكلمة عنده فوق كل شيء يقدسها لذاتها, ستطغى على أىّ شيء لإظهار نفسها, والفلسفة كلمة, والرواية – ولا يخفى على أحد – مليئة بالتفلسف, وهى وإن كانت تخدم الفكرة أحيانا, إلا أنها فى أحيانا أخرى تضعفها وتهمشها لإظهار نفسها, مثلا, تكررت هذه الصورة بشكل مزعج:

(النجوم كانت شبيهة بالنجوم فى بلادى الأولى, والسماء مثل التى كانت هناك, لكن الأرض كانت غير الأرض.. وكنت أنا غيرى)
ـــ
(لكنهم ليسوا إخوتى.. أنا لستُ منهم, ولستُ منى)
ـــ
(فى لحظة ما أدركت أننى لا أعرفنى)
ـــ
(أنا آخر غير هذا الذى كان, ثم بان!)
ـــ
(وأدركت لأول مرة أن الناس شجر, وأن الشجر مثل الناس, غير أن عمر الإنسان قصير..)
ـــ
(هل سأقضى معها السنوات الأخيرة من عمرى حارسا لها, منها ؟)
ـــ
تكرر هذا النوع من العبارات بصورة لافتة.

وفى هذه الجملة الأخيرة بالذات, قطَعَت الفلسفة الزائدة عن الحاجة حبل خيالى الممتد من أول الفقرة فكان الأمر أشبه بصحوة من إغفاءة خيال إلى تفلسف ثقيل. أحيانا نحتاج الخيال أكثر من الفلسفة.
أحيانا تغرى الفلسفة الكاتب فتطغى على الفكرة, فتصير عبئاً لا سنداً, وهذا ماوقع فيه يوسف زيدان فى عبارات كثيرة فأحيانا يظهر يوسف زيدان الفيلسوف السكندرى ويختفى هيبا الراهب.

بعض العبارات ضعيفة الوصف:
(لم يمنعوا أحدا, مع أن وقفتهم كانت توحى بأنهم على وشك المنع)
وصف غير دقيق, وبعيد.
(ينظرون بكسل)
لا أعرف كيف تكون نظرة الكسل لحراس مدينة عظمى!
فى وصف هيباتيا: (كل ما فيها كان أبهى من كل ما فيها !)
وصف مفتوح وغير محدد!
- وفى وصف الفريسى الأقنوم: وصفه أنه (وقور, لكنه يضحك, ومع هذه الوقارة يضع يده على فمه حين يضحك كالعذارى) هى من أغرب الصور التى قرأتها فى وصف إنسان, ولا سيما راهب, كما أن تلك الصورة لم تستخدم فيما بعد, فكان وصفا غريبا زائدا عن الحاجة !

- بعض مناطق الحوار التى استشعرت فيها غرابة كأنها مأخوذة من فيلم أبيض واسود !
ـــــــــــ
ـــــــــــ

تُرى بالمناسبة, لماذا فى سن التاسعة بالذات تزوجت مرتا ؟!
...
لن أتكلم فى الإسهاب الجنسى وفى تلك الأوصاف الدقيقة التى لم أجدها فى مواضع أخرى, لكن هناك شيئا لا يجب السكوت عنه. أنا مؤمن تماما بأن تكون الشخصية حرة كما يريدها الكاتب لا كما يريدها القاريء, لكن بأى مبرر يُصوّر هيبا كالمهووس جنسيا فيستبيح كل الأوصاف الجنسية فى أى موقف حتى فى حديثه العادى مع مرتا فكان يهيم فى بحر من الأوصاف الجسدية كالمريض نفسيا !

لا أعرف, لما قرأت هذه الفقرة تخيلت هيبا يلهث مدلدلاً لسانة !
**********


حسنا.. هذا ما لدى, أو ما أتذكره, وقد عمدت إلى التركيز على نقاط الضعف, لأن عزازيل أخذت حقها فى المديح والتقريظ.. وأعمت الكثيرين عن نقضها كما يجب..

وفى النهاية هذه الجملة كنت كتبتها على الصفحة الأخيرة من الكتاب منذ قراءتى الأولى:
 -اكتب يا محمد, اكتب كل ما قرأت .. 
- عزازيل ؟! 
- نعم, أريدك أن تدوّن ! 
- أما كنت حاضراً بيننا ؟ 
- كنت, لكن أود أن أعرف . 
- تريد أن تعرف... 
- اكتب.. 
- عزازيل, أخذتنى من أطراف عقلى إلى أفق بعيد غير الذى أراه, إنها عمل عظيم, لقد أمدتنى بسيل من الأفكار, وشحنت عقلى بمداد أنيق, بسطت لى ألوانا من المعرفة, أليس بكلمة واحدة أنبتت فى عقلى فكرة خرج من رحمها موضوع فلسفى رائع عن الإيمان, تتجدد كل يوم بفكرة جديدة..
- أنا فعلت كل ذلك؟! 
- ليس أنت أيها الملعون, إنها الرواية !



قصة قصيرة, كنت كتبتها عن عزازيل:
14\2\2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...