الاثنين، 26 سبتمبر 2011

المعذبان



المكان مغلق(سوى النافذة) مظلم , يوجد رجلان فى مقتبل الثلاثين أحدهما مستلق على أريكة صلبة نصبت بجوار باب الغرفة واسمه شفيق, والآخر يطل من شرفة الغرفة إلى الشارع ينظر إلى الكائنات المظلمة التى تعبر الشارع واسمه محسن.


محسن: يبدو أن انقطاع الكهرباء سيدوم كانقطاع الماء؟
شفيق: نعم, كلاهما دائمان فى الحى, مادمت أنا مدفون فى هذه الغرفة, ومادمت أنت تنتظر حسناء تغازلها.
محسن: (بتنهيدة), نعم, يالها من حياة. عندما أتذكر حالنا, ونحن فى الثلاثين, اسأل نفسى ماذا فعلنا وماذا سنفعل, فلاأجد جوابا, أشعر بازدراء لنفسى واستحقارها.
شفيق: نحن نتفق فى أشياء كثيرة, لكن إليك هذا: قد فات الآوان. لك أن تقتل نفسك.
(يُسمع صوت التلفاز, وتهليل الأطفال فى الحارة مع قدوم الكهرباء).
محسن: الكهربا وصلت, (يتجه نحو مفتاح المصباح الكهربائى)
شفيق: لا تفتحه, اتركه, يبدو أننا نرى أنفسنا فى الظلام أكثر منه فى النور
محسن: (يجلس على كرسى خشبى ويتمدد),سأقتل نفسى.
شفيق: (يضحك بسخرية), صدق هذا: أنت فاشل فى الآخرة أيضا
محسن: ربما حالنا المذرى هذا سيكون سببا لدخولنا الجنة. سيرحمنا الله لأن الحياة لم ترحمنا.
(يطرق الباب وتدخل والدة شفيق, بصينية الشاى, ويتسلل معها آشعة بعيدة من أضواء مصابيح الصالة, وينتفض محسن من تمدده).
أم شفيق: تفضلا الشاى. هل أحضر لكم العشاء قبل الشاى ؟
محسن: لا لا, كتَّر خيرِك.
(تخرج أم شفيق, وتغلق الباب)
شفيق: افتح النور, النور أفضل على كل حال من الظلام.
محسن: منذ دقائق كنت ترى نفسك فى الظلام!
شفيق: لاأعرف, عندما أرى أمى أو أتذكرها, أنسى مشاكلى, وأشعر بالأمل.
محسن: أذكٍّرك بأنك فى الثلاثين أيها الطفل, يجب أن تخجل مما تقول.
شفيق: ليتى أكون طفلا إلى الأبد....
محسن: اخشى أن تنطفئ مصابيح أملنا, على غفلة منا.
شفيق: حينها سأموت, فالأمل هو ماعشنا فيه, ومانعيش به, وماسنعيش من أجله.
محسن: وكيف سنموت؟
شفيق: لايموت إلا من عاش.
محسن: إذا فنحن لسنا أحياء ولسنا أموات.
شفيق: نحن أحياء على أرض قذرة لاأحد يقطنها إلا نحن, وأموات فى قبور أصحابها هالكون, يعذبون.
محسن: أنا خارج.
شفيق: إلى أين؟
محسن: لاأعرف, لكنى لن أذهب إلى البيت.
شفيق: انتظر, سآتى معك ..
محسن: لا, اعذرنى فأنا أحب أن امشى وحدى قليلا.
(قالها وهو حزين مطرق رأسه إلى الأرض)
شفيق: (ساخرا بتأثر) ماذا تقول, نحن مع بعض دائما منذ عشرين عاما!
محسن: نعم, كثيرا.
(ويخرج محسن, تتبعه نظرات شفيق الحائرة)
(يعود شفيق إلى أريكته والقلق يساوره, يستلقى على الأريكة ويغطى وجهه بذراعيه, ويغفو لمدة نصف ساعة, وبيستيقظ فجأة على كابوس مضطرب)
شفيق: أعوذ بالله, حتى وأنا نائم.
(يقوم من أريكته, ويغير ملابسه, ويخرج, ويلقى والدته عند الصالة)
والدته:  إلى فين يابنى ؟!(قالتها بقلق)
شفيق: إلى محسن.
والدته: وأين محسن؟
شفيق: لاأعرف, لكنى سأهتدى إليه...
(ويخرج... تتبعه أمه حتى باب البيت... ويغلقه)
(ينزل الشارغ, ويرى تجمهر من الناس حول شئ ما على جانب الطريق, فيقترب من التجمهر ويشقه, فيرى محسن, وجهه غارقا بالدماء..)
فضاقت الدنيا بأنفاسه الحارقة, وشعر بأن رأسه لايحمله, أو أنه يحمل أطنانا من من الرؤوس الغارقة فى دماء أعز صديق. ويقع على الأرض من الإغماء , ويحمله البعض إلى منزله.
(يقوم من إغمائه, بعد ساعات التيه)
ويخرج(اغرورقت عيناه بالدموع)
وتدخل أمه فلاتجده, ويساورها القلق, وتخرج فى إثره وتبحث عنه مع بعض أقاربه, حتى وجدوه ميتا وكتب على صدره بدمه: "عشت ميتا ومت معذبا..."


الأحجار الطائرة

للوصول للمدينة الجديدة التي أزورها لأول مرة، حلّت خطاي المحطة التي تبعد عن منزلي ثلاثة أحياء صغيرة وأرضًا صحراوية ناجيةً من آثار التمدن حوله...