My rating: 4 of 5 stars
ما قبل القراءة:
لما رأيت الكتاب على الرف غريبا ككتب اخرى غريبة لا أعرفها، لمعت فى رأسى فكرة أن أعيد القراءة لما كانت عليه قبل الجودريدز، حيث كنت أشترى الكتاب ولا أعرف عنه شيئا، لم يكن هناك وجودا للتقييمات والمراجعات، وكانت العلاقة هى مجرد اكتشاف فردى بحت، اكتشاف لا يشاركنى فيه أحد، بحلوه ومرّه، وتلك متعة تنقصنى الآن، على الرغم من فوائد الجودريدز العظيمة، لذلك فقد قررت شراء كتاب مجهول لمؤلف نوبل مجهول أيضا، ولما قطعت فيه أربعة أيام من القراءة لم أعرف فيها رأى القرّاء ولا معلومات عن الكاتب (وهذا إن حدث قبل شراء الكتاب فغالبا سأتراجع عن شراءه!) لكن حسن الحظ قادنى لأشترى كتابا مجهولا لأكتشف عالما آخر غير معهود.. وبعد الأربعة أيام دفعنى فضولى المتزايد لأعرف الكاتب ورأى القراء، وكانت الصدمة، رغم أنها كانت إلى حد ما مُتوقعة، وكنت متفهم سبب هذه الآراء الحادة، وأتفق مع بعضها، لكن لى رأى آخر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غالبا العبقرية هى اكتشاف طرقٍ جديدة لم تخطر على بال أحد، وفى الأدب هى اكتشاف تقنيات سردٍ لم تُكتشف بعد. لهذا مُنح لوكليزيو جائزة نوبل.
أسلوب لوكليزيو يعتمد على تكثيف الحالة الشعورية وصلتها بالطبيعة، لهذا فهو كثير الوصف سواء فى وصف الطبيعة أو وصف الخلجات الشعورية، وهذا يمثل للكثيرين عبء ملل..
قضية لوكليزيو:
فى البداية فإن هذه المجموعة تُهاجم وبشدة، الحداثة والمدنية بكل صورها؛ ناطحات السحاب، التكنولوجيا الحديثة، الزحام.. لكن بالنظر إلى الظواهر، فالأمر ليس بهذا السوء، فحين أن لوكليزيو فرنسى، فإنه بذلك يهاجم (جمال) المدنية، وبريق الحداثة، المتجسدة مثلا فى مدينته (نيس):
ونحن، إذ نحارب ونثور من أجل الحصول على عسل الحرية، مذاقها، فالحرية لا تعنى فقط أن تمشى حُرا فى شارع تحوطه القاذورات، والأبنية الشائهة، إنما مذاقها فى أن يكون للحرية الداخلية استجابة من الخارج، أن تسير فى الشارع وقلبك الحر يرى طريقا معبّدا نظيفا، هذا اعتراف من الطريق بحريتك.. أن ترى الأبنية جميلة الذوق والمعمار، هذا اعتراف منها بحريتك، أن ترى الشوارع النظيفة لا غبار عليها ولا ورقة ملقية، فإنها بذلك تحيى حريتك، تلك هى قيمة الحرية، صلة متبادلة بين النفس الحُرة والبيئة المُعترِفة بك كإنسان..
لكن لوكليزيو هنا وبعد أن تذوق (طعم) الحرية يُذكرنى بصورة ساخرة عن نظرية التطور
كأن لوكليزيو يقول: عودوا يا رجال، الأمر مزرٍ هنا، لا جدوى من التطور.
هذا ظاهر الأمر، لكنه فعلا يتطرق إلى نقطة قاسية لانستطيع إغفالها، ألا وهى تأثير تلك الحداثة على (الإنسان) وصلته بالطبيعة، سواء طبيعته هو (الجوهر) أو طبيعة البيئة (جوهرها) فهو يرى أن لا قيمة حقيقية من هدم منزل قديم تسكنه عجوز (فيلا أورور)، من أجل بناء بنايات من الطراز الحديث، ستشعر بكم الإنسانية من خلال اكتشافات لوكليزيو للنفس، سوف تعيد تقييمك لأشياء ظننتها ثوابت، أو ترى أشياءا لم تكن تنتبه لها..
الأسلوب:
حتى يصل لوكليزيو لتلك المرحلة، الدخول فى أعماق النفس والطبيعة، فإنه يلجأ دوما للوصف الدقيق، وهنا مكمن من مكامن الملل... آه.. الملل، أذكر إنى قلت مرة أن أحداً لم يكتشف جوهر الملل بعد..
فمثل العديد من الاكتشافات الأخرى التى أهملها الكثيرون ظنا منهم أنها لا جدوى منها، فإنى اعتقد أن الملل لازال يحتاج لكثير من الصبر على دراسته، كشف هذا الكائن، فكم من مُتعٍ فاتتنا لأنه نال منّا، أعرف إنه إحدى الصفات البشرية مثل الخوف والقلق والضجر.. إلخ.. لكن ما تفسير إنى أشعر بشيء ما مختلف ومؤثر بعد قراءة كل قصة، ومع ذلك كنت أشعر بالملل أثناء قراءتها..
لكن كدراسة مبدأية، توصلت إلى أن الواحد منا يجب أن يتحلى بثلاث خصال وهو مقدم على قراءة هذا النوع من الأدب: الرغبة الحقيقية فى معرفة ما يريد لوكليزيو توصيله... التواصل والقدرة على رسم الصور وربطها برغم الملل، والقراءة بعمق، يعنى قراءته فى أفضل الأوقات، وفى وقت مُفرغ له..
واضح طبعا أن تلك الشروط مُجحفة، ولا ضير من سماع اعتراض من نوع "وعلى إيه كل دا!"
طريقة لوكليزيو فى الوصف واقتناص اللحظات الصعبة، قد لا تنقل إليك مُتعة فى القراءة، لكنها ستنقل خبرة جيدة، كما أنها –وهذا المهم- ستجعل لديك قدرة كبيرة على الوصف، فأذكر أنه حين انتهيت من قصة وجدتنى أنظر إلى الأشياء والأحداث وأكتب لها أقصوصة صغيرة فى عقلى بطريقة لوكليزيو فى الوصف الدقيق. وكان الأمر رائعا بالنسبة لى..
وهذا لا يعنى أيضا أن لوكليزيو هو الكاتب المثالى فى كل شيء، هناك قصة أو اثنتان وجدتهم عاديتين ونهايتهم مُفتعلة... لكن مٌجملا هناك جو قصصى فريد شعرت به، خاصة بعد الانتهاء منها، وتَشرُّب التجربة الكاملة..
ـــــــــــــ
بالمناسبة فإن قصة أورلاموند لمستنى بشكل شخصى، أورلاموند = مكتبة طلعت سلامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.