دعته فقط لتريه الضباب الذي تخرجه من فمها، قالت: " فقط تعال". في العادة، وضمن العادات الذكورية المتشيطنة، فكلمة "تعال" حينما تحل في نهاية جملة أنثوية، فإنها تحمل معانِ أكثر من "سأريك الضباب الذي يخرج من فمي" على هذا الأساس فقد ذهب، لأنه انتظر كلمة تعال هذه منذ المرّة الأولى التي التقيا فيها، حيث كانا يستخدمان باستمرار وبدون كلل جملة "حسنًا يمكننا أن نذهب سويًا إلى الأوبرا"، كأنهما يتسابقان على من يمكنه أن يتوخى التلفّظ بكلمة "تعال"، ومع ذلك فكانا يعلمان جيّدًا أن الفائز في هذا السباق هو نفسه من يلفظها أولًا.
وفي تلك الليلة التي دعته فيها وقالت "سأريك الضباب الذي يخرج من فمي" أطلقت ضحكة، وكانت تريد أن تقول: "لقد فزت يا عزيزي في السباق"، ضحك أيضًا، وكان يريد أن يقول: "على الرحب والسعة". حكت له في الهاتف عن كيف يبدو لها الضباب جميلًا جدًا حين تخرجه من فمها، "أبيض مثل السحاب" قالت، واقترحت أن يخرجا الليلة، لا إلى الأوبرا، ولكن ليتسكعا على الكورنيش وهما يزفران الضباب من فمهما. كان اقتراحها بألا يذهبا إلى الأوبرا هو انقلابها على المكان الذي لطالما احتضن دائمًا كلمة "سويًا"، أصبح الأوبرا يمثل لها الآن ماضي الخجل من "تعال".
كان شغفهما بموسيقى تشايكوفسكي هو الذي جمعهما على الأوبرا، كانت له القوة في علاقتهما هذه. وإذ أن علاقة جديدة تتشكّل بينهما الآن على أساس كلمة تعال، لا على حفل لتشايكوفسكي، فإنه كان يتوخى الحذر فيما يجب أن يرد به، فهما يستطيعان أن يلوما تشايكوفسكي على فشل علاقتهما، لكن من يتحمل فشل علاقة قائمة على كلمة تعال، قال لها: "وماذا عن الجمال النائم، سنفوت الحفل" وهنا قالت له مؤكّدة: "فقط تعال"، شعر بنبرة صوتها وكأنها تقول: "أعرف فيما تفكر"، قال لها: "أنا أيضًا أريد أن أريكِ الضباب الذي أخرجه من فمي".
كان كل منهما يبدو للآخر كمن يلقي ألغازًا جميلة، ألغازًا لا تُحلّ أبدًا، وهذا هو جمال الحب الذي كانا يضحكان منه. كان الضباب هو شفرتهما السرية ليقولا من خلالها "أنا أحبك"، تحررت شفتاها بعد شهرين من العلاقة الجامدة، لتصبح الآن قادرة على زفر الضباب من بينهما، ودعته لذلك ليحتفلا معًا بهذه المناسبة.
كل خطوة كان يخطوها داخل شقتها كان يتخلص فيها من أفكاره القديمة المتعلقة بتشايكوفسكي، التي ظلت بدورها متعلقة بها طيلة الشهرين الفائتين، وحين تخلّص في النهاية- في اللحظة التي جلس فيها على الأريكة- من كل أفكاره القديمة تلك، انسلخ منه هذا الشخص التي تكوّنه هذه الأفكار، وحين خرج هذا الشخص من شقتها، أغلقت هي الباب وعادت لتحتفل بانتصاره الخاص وقد عبرت عن ذلك بنظرة مثيرة. بقى جالسًا منتظرًا وعدها له بأن تريه الضباب الذي يخرج من فمها، الأمر الذي لم يفكر فيه بهذه الرغبة قبل دخوله شقتها وبالأخص قبل نظرتها المثيرة له. أما هي فقد تخلّصت من أفكارها القديمة بطريقة مغايرة له، فعلى عكس الشخص الوهمي الذي تحرر منه في تلك اللحظة، تحررت هي من ملابسها: فكرتها القديمة المتعلقة بالالتزام والاحترام المتبادل، المتعلقة بدورها بالزي الرسمي لحفلات الأوبرا، وكانت هناك موسيقى راقصة تخرج من باب غرفة نومها. وبعد أن تخلص كل منهما من أفكارهما القديمة أصبح من السهل الآن أن يمارسا الحب دون سلطة منهما، وكانت صادقة حين قالت: سأريك الضباب الذي يخرج من فمي، وكذلك كان.
وعلى الكورنيش كانا يزفران الضباب ويضحكان، في الوقت الذي بدأ فيه حفل الجمال النائم لتشايكوفسكي في الأوبرا.