أنا أيضًا أصبحت مهووسًا بمراسلة الأشخاص الوهميين، لأن في هذه المراسلات مزايا لا تتوفر لغيرها، مثل أنّني أحصل دائمًا على الردود التي أريدها في الوقت الذي أريده، لأنهم ملتزمون بمواعيد منضبطة للرد على رسائلي، لذلك فإني أبدًا لم أنتظر. ذات ليلة وصلت واحدة من هذه الرسائل إلى إنبوكس فيسبوك، وكانت فارغة، رغم أني انتظرت أن تكون "شكرًا لاهتمامك، لكني بخير"، وبدأت في الارتباك حينها، وتشتّتُ بين ما يريده هذا الشخص الوهمي وبين ما أريده أنا. هناك في الحقيقة أعداد لا تُحصى من الأشخاص الوهميين الذين أراسلهم، بينهم شبكة مُحكمة من العلاقات الوهمية، أرسلت لأحدهم لأستفسر عمّا جرى للأول، وكان الرد مثلما توقّعت: "لقد ظنّ أن هذا هو الرد الذي أردته"، بعدها توالت الرسائل الفارغة في الوقت الذي كنت أنتظر فيه رسائل من نوع: "نحن بعيدون جدًا"، "لا داعي للقلق، هذه أمور تحدث"، "لك هذا، وشكرًا"، "نعم، هذا المساء صاخب جدًا من بعيد".. ورسائل أخرى كنت أنتظرها، حتى وصلت آخر رسالة مكتوبة: "لا داعي لأن تتحوّل لشخص وهمي، لأن قراءة الرسائل الفارغة أسهل مما تظن". حاولت أكثر من مرة قراءة هذه الرسائل، لأني اعتقدت أن فيها بالضبط ما أريده، لذلك فكان سعيي من خلالها لمعرفة ما الذي أريده. خصصت في البداية ساعتين لتعلّمها، ثم وجدت أن الأمر جد صعب، وليس من السهل الحدس بما تحتويه رسالة فارغة، تخلّيت عن معظم أنشطتي اليومية، وخصصت معظم اليوم في قراءة هذه الرسائل. ومع الوقت أصبحت أطالع الرسائل الفارغة أكثر من غيرها محاولًا قراءتها وفك شفرتها، حتى أنني غيّرت مهنتي على صفحتي الشخصية من "مهندس" إلى "قارئ للرسائل الفارغة"، وكنت أنتظرها منهم كل مساء، وكانت تأتي بانتظام. كانت خبرتي في قراءة هذه الرسائل تزداد يومًا بعد يوم، وأصبحت كل رسائلي التي أرسلها فارغة، واكتشفت أن هذه الرسائل تحمل دائمًا كل ما أود كتابته، وما أود قراءته، في إحدى رسائله الفارغة قال لي أحد الأشخاص الوهميين:
"
".
ولسبب ما كنت أشعر بالسعادة، لأني أخيرًا أصبحت أتقن قراءة الرسائل الفارغة.