فاميلي جاي: بيتر جريفن يبعث رسالة إلى الفرنسيين مفادها:
أن رجلا وسيما يشعر بالاكتئاب ويدخن السجائر، ليست قصة لفيلم
هذه تجربة خضتها شخصيًا، كان لها أثرًا أن أتعلم درسًا هامًا، ساعدني في تخطي تبعات التجربة.
كان لجوئي للتدخين منيبًا عن حالة عاطفية قائمة، حالة متدنية رسمتها لنفسي ثم وضعت نفسي في قلب هذه الحالة وتوّجتها بطلا في ملحمة خيالية، في حين أنه قد أكون مجرد شخصية ثانوية في الحالة التي رسمتها لكن من منظور آخر. وبالمناسبة ذلك المنظور الآخر ليس بالضرورة أن يكون المنظور العقلاني، وليس بالضرورة أن يتواجد هذا المنظور من الأساس.
تتشابه هذه الظاهرة -وبشكل أكثر وضوحا ربما- مع التأثير الذي تبعثه الموسيقى مدعومة بمشاعر عاطفية جاهزة تقوم هي بتضخيمها، لتحجب أملا ولو ضعيفا لعمل العقل في إعادة التوازن بين قوى النفس. مثل أن تُضخم الموسيقى مشاعر الحزن المترسبة في أعماقي وتحيلها اكتئابًا، أو حتى تخلق مشاعر زائفة من البهجة والفرح لا أساس لهما في الواقع، لتكون النتيجة هي بهجة هشة تتحطم بسهولة بمجرد انتهاء المقطوعة الموسيقية/ الغنائية، تاركةً ربما أثرًا لمشاعر حزن واكتئاب.
كل هذه المشاعر الزائفة مشكلتها أنها تجعل صاحبها بطلا في ملحمة خيالية، في حين أنه في الواقع قد لا يعدو كونه شخصية ثانوية.
لو أن للإنسان قدرة من نوع ما تجعله ينزع نفسه من دور البطولة إلى دور ثانوي هامشي، لما كان هناك مبررا لحزنه واكتئابه. من هنا جاء تصوري عن دور الموسيقى والتي بطبيعتها تنمي هذا الإحساس المركزي لدى المستمع.
يتشابه التدخين مع الموسيقى، ربما في بداياته- بالنسبة لي على الأقل- في ارتباطه بمشاعر عاطفية ضاغطة يبدو أن لا مهرب منها سوى بكبح دوامات الأفكار ببث النيكوتين في خلايا عقلي، والشعور بدوار ولا مبالاة- كلها أساليب للمواجهة، لكن هذه النتيجة خطرها أنها تؤكد السبب الذي صورته، وتبرز الصورة الملحمية التي أردت أن أنشئها لنفسي، ومن جديد تضعني في دور البطولة، مثل الموسيقى تماما. مع ذلك فليس هذا تعميم. مثلا قد تدفع ضغوطات الحياة البعض إلى التدخين كمهرب لهم من الضغوطات المادية والأسرية وإلى آخره من المشاكل ذات "المنظور الأحادي"، التي تنعدم فيها الرؤية النسبية التي تتمتع بها الأزمات العاطفية.
لهؤلاء قد لا يؤتي جهاد النفس لمنعها من التدخين أية ثمار، فالتوقف عن التدخين لن يحل المشاكل المادية او الأسرية، لذا فالأمر متروك للرأي الطبي إذا كان ذا أهمية عند المدخن.
هذه رؤية جديدة اكتسبتها مؤخرا، ربما تتسم بشيء من السوداوية ناحية الموسيقى، لكن بالنظر إلى قيمة إعلاء دور العقل، فلا تعدو السوداوية غير مقاومة متوقعة من عاطفتنا المدعومة بقوى خارجة لها تأثير بشكل أو بآخر على حالتنا النفسية. قلّ سماعي للموسيقى بشكل ملحوظ أصبح مليئًا أكثر بالصمت، أو الضجيج الطبيعي المحتمل، أو ما أسميته في قصة قديمة موسيقى "الإزعاج المفيد".
اسمع مثلا مقطوعة أداجيو لريمو جيازوتو (Adagio- Remo Giazotto) هي واحدة من أكثر المقطوعات حزنا من بين كل ما سمعت، تخيل أن تسمعها وأنت في حالة حزن، أو الأخطر؛ وأنت مكتئب! هذه درجة من درجات الانتحار. في هذه الحالة لا أخشى تسمية هذا النوع من الموسيقى أنه مبتذل حتى لو كانت مقطوعة من التراث الكلاسيكي الرفيع مثل الآنف ذكرها. فعندما تكون النتيجة سقوط مشاعرك من درجة لدرجة أدنى، مثل أن تكون حزينا فتمسي مكتئبا، لاغيًا دور العقل في طرح التساؤل عن أصل مشاعرك ومحاولة التوصل لحلول ونزع نفسك من دور الضحية وتقبل النهايات غير السعيدة كأحد قوانين الحياة، حينما تُعمي الموسيقي رؤية هذه الأمور، فتوقف فورا عن سماعها. عليه فإن القطعة الموسيقية لا يُحكم عليها بمعزل عن ظروف سماعها، فهي في حالات، قطعة فنية كاملة حينما يكون المستمع في كامل قوى العقل. وقد تكون مبتذلة إذا أدت إلى سقوط المشاعر من درك إلى درك أدنى، حاجبة عن العقل رؤية البدائل المتاحة، الدور الثانوي الحقيقي لا دور الضحية البطولي، أو أنها ترسم بهجة مصطنعة، لا أساس لها في الواقع. في هذه الحالة تشارك الموسيقى في فيلم مبتذل أنت بطله.
كان لجوئي للتدخين منيبًا عن حالة عاطفية قائمة، حالة متدنية رسمتها لنفسي ثم وضعت نفسي في قلب هذه الحالة وتوّجتها بطلا في ملحمة خيالية، في حين أنه قد أكون مجرد شخصية ثانوية في الحالة التي رسمتها لكن من منظور آخر. وبالمناسبة ذلك المنظور الآخر ليس بالضرورة أن يكون المنظور العقلاني، وليس بالضرورة أن يتواجد هذا المنظور من الأساس.
تتشابه هذه الظاهرة -وبشكل أكثر وضوحا ربما- مع التأثير الذي تبعثه الموسيقى مدعومة بمشاعر عاطفية جاهزة تقوم هي بتضخيمها، لتحجب أملا ولو ضعيفا لعمل العقل في إعادة التوازن بين قوى النفس. مثل أن تُضخم الموسيقى مشاعر الحزن المترسبة في أعماقي وتحيلها اكتئابًا، أو حتى تخلق مشاعر زائفة من البهجة والفرح لا أساس لهما في الواقع، لتكون النتيجة هي بهجة هشة تتحطم بسهولة بمجرد انتهاء المقطوعة الموسيقية/ الغنائية، تاركةً ربما أثرًا لمشاعر حزن واكتئاب.
كل هذه المشاعر الزائفة مشكلتها أنها تجعل صاحبها بطلا في ملحمة خيالية، في حين أنه في الواقع قد لا يعدو كونه شخصية ثانوية.
لو أن للإنسان قدرة من نوع ما تجعله ينزع نفسه من دور البطولة إلى دور ثانوي هامشي، لما كان هناك مبررا لحزنه واكتئابه. من هنا جاء تصوري عن دور الموسيقى والتي بطبيعتها تنمي هذا الإحساس المركزي لدى المستمع.
يتشابه التدخين مع الموسيقى، ربما في بداياته- بالنسبة لي على الأقل- في ارتباطه بمشاعر عاطفية ضاغطة يبدو أن لا مهرب منها سوى بكبح دوامات الأفكار ببث النيكوتين في خلايا عقلي، والشعور بدوار ولا مبالاة- كلها أساليب للمواجهة، لكن هذه النتيجة خطرها أنها تؤكد السبب الذي صورته، وتبرز الصورة الملحمية التي أردت أن أنشئها لنفسي، ومن جديد تضعني في دور البطولة، مثل الموسيقى تماما. مع ذلك فليس هذا تعميم. مثلا قد تدفع ضغوطات الحياة البعض إلى التدخين كمهرب لهم من الضغوطات المادية والأسرية وإلى آخره من المشاكل ذات "المنظور الأحادي"، التي تنعدم فيها الرؤية النسبية التي تتمتع بها الأزمات العاطفية.
لهؤلاء قد لا يؤتي جهاد النفس لمنعها من التدخين أية ثمار، فالتوقف عن التدخين لن يحل المشاكل المادية او الأسرية، لذا فالأمر متروك للرأي الطبي إذا كان ذا أهمية عند المدخن.
هذه رؤية جديدة اكتسبتها مؤخرا، ربما تتسم بشيء من السوداوية ناحية الموسيقى، لكن بالنظر إلى قيمة إعلاء دور العقل، فلا تعدو السوداوية غير مقاومة متوقعة من عاطفتنا المدعومة بقوى خارجة لها تأثير بشكل أو بآخر على حالتنا النفسية. قلّ سماعي للموسيقى بشكل ملحوظ أصبح مليئًا أكثر بالصمت، أو الضجيج الطبيعي المحتمل، أو ما أسميته في قصة قديمة موسيقى "الإزعاج المفيد".
اسمع مثلا مقطوعة أداجيو لريمو جيازوتو (Adagio- Remo Giazotto) هي واحدة من أكثر المقطوعات حزنا من بين كل ما سمعت، تخيل أن تسمعها وأنت في حالة حزن، أو الأخطر؛ وأنت مكتئب! هذه درجة من درجات الانتحار. في هذه الحالة لا أخشى تسمية هذا النوع من الموسيقى أنه مبتذل حتى لو كانت مقطوعة من التراث الكلاسيكي الرفيع مثل الآنف ذكرها. فعندما تكون النتيجة سقوط مشاعرك من درجة لدرجة أدنى، مثل أن تكون حزينا فتمسي مكتئبا، لاغيًا دور العقل في طرح التساؤل عن أصل مشاعرك ومحاولة التوصل لحلول ونزع نفسك من دور الضحية وتقبل النهايات غير السعيدة كأحد قوانين الحياة، حينما تُعمي الموسيقي رؤية هذه الأمور، فتوقف فورا عن سماعها. عليه فإن القطعة الموسيقية لا يُحكم عليها بمعزل عن ظروف سماعها، فهي في حالات، قطعة فنية كاملة حينما يكون المستمع في كامل قوى العقل. وقد تكون مبتذلة إذا أدت إلى سقوط المشاعر من درك إلى درك أدنى، حاجبة عن العقل رؤية البدائل المتاحة، الدور الثانوي الحقيقي لا دور الضحية البطولي، أو أنها ترسم بهجة مصطنعة، لا أساس لها في الواقع. في هذه الحالة تشارك الموسيقى في فيلم مبتذل أنت بطله.
الجري
للجري (الرياضة عموما) حالة خاصة. أكتب هذا الجزء بعد عودتي من الجري، أحب أن أسمع الموسيقى أثناء الجري. فكرت وأنا أجري هل أناقض نفسي بفرض الموسيقى على نشاط الجري، وكأنه لا جري من دون الموسيقى؟
لكن لا تناقض، وإنما الحالة الملحمية التي تخلقها الموسيقى (حسب نوع الموسيقى بالطبع، أنا أفضل النوع الملحمي) تساعد على الجري وتحفزه، كان بإمكاني أن أرفض الموسيقى والاكتفاء بالواقع حولي كونه الشيء الحقيقي الوحيد. لكن المهم هنا ليس التفاعل مع العالم بل بالعكس الخروج منه إلى حالة روحية من نوع ما قد تساعد على الجري وتحفزني إلى بذل الجهد، وهو ما يحدث بالفعل، وهذه رؤية نفعية تؤتي ثمارها بشكل فعال.
الملاحظة الثانية، وهي أن الجري يخلق حالة نفسية أحد جوانبها أنها عكس ما يخلقه التدخين، حالة تعجب فيها من رغبة قد تنشأ لاشتهاء سيجارة. وقد أشبع الجري هذه الرغبة بالفعل بشكل مضاد.
أشعر وكأن الخيوط تتشابك، ربما بشكل معقد بعض الشيء تجعلي أريد أن أنهي هذه التدوينة بشكل سريع.
*******
أما كيف أنقذتني هذه الفلسفة من الوقوع ضحية دور البطولة… فالإجابة هو أنني في ليلةٍ حضّرت كوبًا من الشاي، أشعلت سيجارة، أخذت نفسين، أطفأتها ورميتها في الشارع، ثم رفعت الموبايل وسجلت لقاءًا مع نفسي، هو محتوى هذا الموضوع، وأعتقد أنني بعد هذا اللقاء، سوف أكون أكثر حذرًا ناحية مشاعري والمؤثرات التي قد توجهها…
الخلاصة:
- الحزن أمر طبيعي وقائم، وليس عيبا أن يحزن الإنسان، لكن المهم أن يحدد دوره في صورة الحزن التي يعيش فيها ويتساءل هل حقا ينتمي إلى هذه الصورة بشكل قسري لا مفر منه.
- كانت الموسيقى مشاركا رئيسيا في يومي، ولا تزال، لكن قل دورها بشكل ملحوظ، مثلا؛ لم أعد أعتمد عليها بشكل كامل في القراءة، بل أعتقد أنها قد تؤذي صفاء الذهن المطلوب للتركيز. الانتباه لما هو قائم قد يكون أفضل من الاندماج في حالة تخيلية.
- ليس الغرض من هذه التدوينة إدانة الموسيقى، ولكن تسليط الضوء على كيف أن أحزاننا قد تحفزها مؤثرات خارجة عن إرادتنا (غير المسببة للحزن)، الموسيقى هي واحدة من هذه المؤثرات، التدخين كذلك.
بدأت التدوينة ب family guy وكذلك أنهيها به
فاميلي جاي: بيتر جريفن يجهش بالبكاء عند اختلائه بنفسه
بينما يستمع إلى الموسيقى الحزينة لمروره بحالة نفسية سيئة،
لكن بمجرد أن تبدأ أغنية مرحة راقصة، يرقص معها منتشيا
وهو يقول بأريحية أنه سهل التأثر بالموسيقى
* أعتذر عن تكرار كلمة "جري" في النص السابق، مؤذي جدا هذا التكرار، لكن بعد يوم عمل طويل، تحتاج طاقة رهيبة لتُجري تعديلًا في نص تكررت فيه كلمة ما.