أُصيبت البلدة بعدوى شراهة أكل المانجو، وبدوا كأنهم لن يملّوا منها أبدًا أو يعتادوها، حتى أن أحدهم قال ذات مرة: "أنا أكتشف شيئًا جديدًا في كل مرة آكل فيها ثمرة المانجو"، وكان ذلك الشيء غامض جدًا عليه، وكلما حاول اكتشافه وجد نفسه أمام شيءٍ آخر جديد، استسلم في النهاية للذاذة المانجو وحسب. لم تخل أحاديثهم من ذكر فوائدها الجمّة، وانتشرت شائعة تقول أنها تقي من كل الأمراض، كانت هذه الشائعة مقبولة بدرجة كبيرة بينهم ومهيئين تمامًا لتقبل مثلها من منطلق إيمانهم بمفهوم المانجو كشيء يتم اكتشافه في كل مرة، إلا أنه رغم ذلك وتزامنًا مع انتشار هذه الشائعة، انتشرت شائعة أخرى –وإن كانت أقل رواجًا- أن هناك مرض واحد فقط لا تعالجه المانجو. الأرجح والذي يفسر هذه الظاهرة غير المتوقّعة، أن مفهوم "كل مرة أكتشف فيها شيئًا جديدًا" يقابله مفهوم "لا توجد حلوى بدون نار"، وبالطبع لن توجد مانجو تعالج كل الأمراض دون بعض النار التي قد تصيبهم. كان هذا المرض مجهولًا، تمامًا مثل الأمراض التي تعالجها المانجو، فقد يزعم أحدهم أن المانجو تعالج النقرس، لكن هناك احتمال آخر يفترض أن هذا النقرس قد يكون هو المرض الوحيد الذي لا تعالجه المانجو. لكن لأنهم لم يعرفوا ذلك المرض على وجه اليقين، فقد تناولوا المانجو بشكل هيستيري، مما أدّى لتدني سعرها حتى صار ثمن السلة الواحدة جنيهين فقط، وقد أراد أحد المزارعين توزيعها بالمجان على أهل البلدة، لأن وجود ألف وخمسمئة وست وتسعين سلة مانجو في بيته، يزيد احتمالية إصابته هو وعائلته بذلك المرض المجهول، لكن التجار الصغار- الذين يبيعون السلة الواحدة بجنيهين- أزمعوا فيما بينهم على قتله لأنه سوف يفسد تجارتهم وحرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد. لكنهم مع الوقت- وتحت تأثير المانجو الساحر- كانوا قد أُصيبوا بتخمة لذيذة، أقعدتهم عن خطتهم للتخلص من المزارع الأهوج، وأنهم أنفسهم اكتشفوا حقيقة أن لا أحد باستطاعته أن يتخلص من كل سلال المانجو الموجودة في البلدة، لأن وفرة المانجو في القرية تفوق قدرة أي مزارع تحدوه أي نوع من النيات الحسنة للتبرع بمحاصيل المانجو لديه، فاقت المانجو كل النبل داخلهم، أو بمعنى آخر هزمت هذا النبل لصالح تخمتهم. حتى أن المزارع تكاسل عن توزيع سلال المانجو التي في بيته، وقرر أن يأكلها هو وزوجته وبناته الست عشرة. كنّ جميعهن عَوراوات- لا يرون إلا بالعين اليسرى بسبب مرض وراثي، وكان ذلك وراء تنامي حدة الطمع والحقد بين الفتيات، فلم تستطع واحدة منهن أن ترى ثمرة المانجو التي في يدها، وإنما التي في يد أختها، فلم تأكل واحدة منهن المانجو المقررة لها، وإنما ظللن ينظرن إلى الثمرة التي في اليد الأخرى، لكن الشراهة الزائدة عن الحد جعلت والديهما يتناولان وحدهما كل سلال المانجو لفض هذا العراك الصامت بين الفتيات، وفي حين كان الأب يرى باليمنى والأم ترى باليسرى، فلم يجدا أية غضاضة من الأكل سويًا بدون حقد، لكن الفتيات أصيبت في النهاية بالحقد المميت الذي لا يمكن إصلاحه، وكان واضحًا أن حالة الهدوء المرعبة التي تسري بينهم قد تتحول في أية لحظة إلى قتالٍ همجي عنيف، وبقين على هذا الحال حتى نفذت كل سلال المانجو وتعطّنت الثمرات التي بقيت في أيديهنّ، وأصيب الوالدان بتخمة، جعلتهما مثل فقمتين لكن بعين واحدة. بدأت أسقف المنازل تتساقط منها حبات المانجو التي توقف الناس عن الخروج لشرائها لوصولهم لمرحلة متقدمة من التخمة أصبحوا معها غير قادرين على النفاذ من الأبواب، وأصبحوا مع الوقت خائفين أكثر من المرض المجهول الذي لم يُصب به أحد حتى تلك اللحظة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.