My rating: 4 of 5 stars
الكتاب الأول من هذا النوع.. بوجهٍ عام هذا الكتاب الأول على عدة أصعدة: أول كتاب إلكتروني، أول كتاب رسائل، أول كتاب عن السجن، ويمكنني إضافة المزيد من التصنيفات على سبيل: أول كتاب إيطالي (غير أدبي)، أول كتاب لشخصية شيوعية بهذا الحجم، أول كتاب يتناول جانب من الفاشية الإيطالية في عهد موسيليني... والمزيد من التصنيفات على هذا النحو، لذلك فهذا الكتاب الديجيتال عزيز على قلبي. لكن الانتصار الأعظم أنه الكتاب البي دي إف الأول لي، بدأت قراءته يوم 25 أبريل، ربما عيد تحرير البي دي إف.
الحقيقة أن ما شدني لهذا الكتاب بالذات رغم أني كثيرا ما أحمِّل الكتب الإلكترونية- الكثير منها مهم وممتع بالطبع، أني لما تصفحته وقعت عيناي على الكلمات الأولى من أولى رسائله: (أمي الحبيبة).. ثم لم أشعر بنفسي وأنا أكمل الرسالة، فضولي في معرفة ما سيكتبه سجين مثل جرامشي لأمه غلب مبدأي في قراءة الكتب الإلكترونية.
أنطونيو جرامشي أحد أشهر السجناء السياسيين، شهرة السجين تتناسب مع مقدار القهر الواقع عليه سياسيًا وآدميًا (لكن هذه ليست قاعدة عامة). سياسيًا؛ لمعارضته حكم موسيليني الذي شبّهه في إحدى رسائله لأمه بطفل عملاق يبول على نفسه في الفراش، وهو-جرامشي- وأقرانه يُمثلون رأس الشوكة المُلتهب التي تُستخدم لتهديد الأطفال الذين يبولون على أنفسهم حتى لا يُلوثون الفراش النظيف. قضى في السجن عشر سنوات، في ظروف أقل وصف لها أنها كانت قاسية، منها أنه كثيرًا أثناء نومه يقوم حارس السجن بصك باب الزنزانة بقوة لإزعاجة فيستيقظ عاجزًا عن العودة إلى النوم مجددًا، قضى السجن في ظروف كتلك. ورغم ذلك فإن اليأس لم يتمكن منه رغم صحته التي تدهورت كثيرًا، أسنانه التي سقطت، ابيضّ شعره، ولم يعد قادرًا على الحركة كما كان من قبل، رغم أنه لم يُكمل عامه الأربعين، لكنه كان يتصبّر برسائل أمه إليه، وكانت هذه هي وسيلته لمحاربة يأسه للإبقاء على الأمل دائمًا، فيُحارب هذا اليأس بالأشياء البسيطة، منها أنه يتلهف لمعرفة مدى تفوق أبناء إخوته، يتابع نموهم وعاداتهم، وأحوال أقاربه، أخبار قريته بأهلها ومرافقها، لكنه أكثر ما يهتم بأحوال الصغار؛ هواياتهم، مستواهم الدراسي، يفرح لتفوق ابنة أخيه فيرسل إليها علبة أقلام ملونة بسيطة لديه في السجن، كان يريد منها أن تتذكره دائمًا. تجده يُسدي النصح في اهتمام شديد حول كل ما يمسّ حياتهم، يفكر في ضرورة أخذ صورة جماعية مع العائلة في يومٍ ما بعد خروجه من السجن، وفي أعياد الميلاد لا يكف عن طلب هديته.. بهذه التفاصيل في حياتهم كان يشعر أنه بينهم ويجد الرابط الذي يضمن به تواصلهم معه، وحين تتوقف رسائلهم لفترة طويلة كانت رسائله إليهم تحمل كثيرًا من الحزن والوحدة. فإنه إن توقفت رسائلهم خلال فترة سجنه الطويلة، فإنه لن يحتمل السجن، فكما أشار إلى أن الطعام الجيد يُشعره بالحرية، فإن رسائل أمه أيضًا تشعره بالحرية.. السجين، أي سجين، لا يستطيع أن يستمر في الحياة إلا لو وجد مُتنفسًا لحريته، في أي صورة كانت، كما فعل جرامشي، سواء بالطعام الجيد الذي كانت تأتيه به أخت زوجته، أو برسائل أمه، وباستمراره في القراءة والكتابة (كان يقرأ ثمانية كتب في الأسبوع!).. أما السجن المطلق الخالي من أي متنفس عن الحرية، فنهايته إما الموت أو الجنون، فالحرية لا تعني فقط حرية الجسد.
رغم أن البعض قد يرى أن هذه الرسائل ليست عظيمة لبساطتها تلك، وأنه لم يتحدث عن معاناته كثيرًا ما يجذب إليه الآذان والعيون (وهو بالطبع لم يكتبها لجذب الانتباه، لكنها فقط رسائل عفوية لأمه)، إلا أني كما قلت، فإن تلك البساطة تحمل دلالات أعظم؛ إنها درس في مواجهة الآلام العظيمة بأكثر الأشياء بساطة، ودرس في سمو الروابط الإنسانية، مهما بلغت المسافات الزمانية والمكانية.
ـــــــــــــ
أحب أن أشكر الأستاذ محمد شعير لمشاركته رابط الكتاب على صفحته على الفيسبوك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.