الصفحات

الجمعة، 3 أكتوبر 2014

مشهد محترق

(يشعل سيجارة ثم يأكلها لأنه يحبها ساخنة..

- امسح هذه!

- لمه؟!

- كيف يأكل سيجارة بحق السماء؟!

- هي جمله مجازية لا أكثر..

يطرق الباب طرقات متتالية مزعجة..

- افتح، هذه دقَّات رضا

يقوم بعد أن ألقى القلم على الورقة، تُسمع طرقعات في ظهره، ويغمغم.

- كيف حالكم يا رفاق، أسمعتم الخبر؟

- لا لم نسمع الخبر؟!

- جيمس جويس طبع كتابه أخيرًا، واسمه "شجرة هومر"، يقولون أنه الجزء الأخير من عوليس!

- رائع!

- لكن هناك أخبار سيئة، يقولون أن نورا عشيقته أحرقته بعد رسالته الأخيرة التي قرأتموها جميعًا.

- امسح هذه أيضًا؟

يرمقه بنظرة صامتة..

يُفسّر:

- هل قرأت عوليس؟

- لا، لكن هذا لا يهم في سياق الحوار، لن نكون بحاجة لموضوع الكتاب في جميع الأحوال.

- لا تكن أحمقًا، بهذا لن تكون أبدًا مُقنعًا

- ما رأيك أن تُكمل الحوار بنفسك!

يتبادلان الأماكن، ويجلس الآخر في سعادة طفولية ويرمقه صاحبه في ترقب مستعدًا للشماتة، وإن لم يكن ذلك من طباعه.

(يخرج شكسبير من خلف كواليس المسرح، وشاربه يشتعل، يصرخ في وجه مؤدي دور هاملت:

- ........

في سخرية:

- لماذا توقف يا "نار على الشارب"؟!

- ألديك فكرة عما سيصرخ به شكسبير في وجه مؤدي دور هاملت؟!

- هل تعلن هزيمتك؟

- لا طبعًا. اسمع هذه:

(في هذه الأحيان كان رضا يُعد فنجاليّ قهوة، وفنجال شاي)

يصرخ شكسبير في وجه مؤدي دور هاملت: 

- من أخرج الشبح من قفصه قبل موعد تأدية الدور.

هاملت مصدوم من هيئة شكسبير المضحكة، يكتم الضحك مبديًا الجد والأسف.

- أظنه لا يزال في القفص؟

يخرج شكسبير من المسرح غاضبًا وأنسجة الدخان تلحق به كأنها ملتصقة بشاربه..

يأتي رضا حاملا الفناجيل الثلاثة:

- إلى أين وصلتم؟

- إلى شارب شكسبير المحترق.

لا يبدي اهتمامًا، وإن تبدّى الاستغراب على وجهه:

- يجب أن ننتهي غدًا، تعرفون شروط التعاقد!

- ما رأيكم في هذه: تجتمع الشخصيات الثلاثة في مشهد هزليٍ واحد وهم جميعًا يحترقون.

- من الذي يحترق؟!

- أحمد خالد توفيق وجيمس جويس وشكسبير..

- من من من؟!!.. أحمد خالد تو.. (ثم في لهجة عنيفة):

- أنا أعترض، لا أوافق على الإطلاق، احرق شكسبير وجيمس جويس. لكن أحمد خالد توفيق فلا وألف لا!

- وأنا أحب شكسبير أيضًا. أعرف أنك لا تحب أيًّا من الثلاثة.. لئيم.

- من تقترحون إذن؟

- لا بد أن يكون برتولد بريخت واحدًا منهم

- نعم، وفيرجينيا وولف أيضًا

- لماذا فيرجينيا وولف؟

- صاحبة تيار الوعي، مدرسة الملل في القرن العشرين!

- سطحي!

- شكرًا لإطراءك أيها العميق!

- حسنًا إذن، لدينا برتولد بريخت وفيرجينيا وولف، لابد من كاتبًا مصريًا.

يرمق رضا صاحبيه بنظرة محذرهم:

- ليس نجيب محفوظ.

- ليكن إبراهيم أصلان..

يتفقون أخيرًا في ظفر، ليضعوا اللمسات الأخيرة على رواية "بداية" والتي سوف تأتي بها الممرضة مترجمةً، تدخل بعد أن طرقت الباب طرقات تبدو مزعجة، لكنها تضطر إلى ذلك كي يسمعها كمال الذي يعاني ضعفًا في السمع، تجده كالعادة منكبًا على الأوراق يكتب في تواصل محموم، وما إن يلمحها حتى يبتسم ابتسامة رضا، ويعود ليضع رأسه بين أوراقه ويكتب.

- صباح الخير

- اسمك نورا أليس كذلك؟!

- نعم...!

محدثًا نفسه في إعجاب وهو يكتب:

- لازلت متذكرًا اسمها.

تضع الكتاب أمامه:

- الكتاب الذي طلبته.

يلتقط الكتاب:

- ها أخيرًا Inception

- هل حقًا ترجمت الكتاب من دون أن تقرأه؟!

لم ينتبه لسؤالها وكان يقارن الصفحات التي كتبها بالكتاب، وسيماء الإعجاب لا تفارق وجهه.

في حين كانت نورا تعد له حقنة هاندول، ورغم أن حالته مستقرة منذ فترة إلا أن قلقًا ما بدأ يساورها وهي تملأ أنوبة السرنجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.