الصفحات

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

خيال الواقع.. واقع الخيال

الحياة مليئة بالحكايات والقصص، لن ينتهي الأدب ولن تتوقف الكلمة لطالما هناك حياة، أو بالأحرى، لطالما استمرت الحياة، وأي محاولة للهروب من الواقع هو في الحقيقة ليس أكثر من إعادة تشكيله، لمواجهته بشروطنا نحن لا بشروطه هو. كل حركة، كل إيماءة، كل كلمة، يمكن إعادة تشكيلها جميعًا لتصبح قصة مختلفة، لمواجهة الواقع بها، فالهروب من الواقع يتشكل من الواقع.

في الواقع -واقع الحياة- تجد كل القصص من كل المدارس، قصص تنتمي للواقعية، للاجتماعية، للرومانتيكية، الحداثة وما بعدها، وحتى الواقعية السحرية؛ المدارس في الأصل خُلِقت لتواكب احتياجات العصر الذي نشأت فيه، أي أنها تأتي استجابة للواقع. وانتماء كاتب معين لمدرسة ما هي بمثابة عوينات يرى بها واقعه، أو يستخلص بها مشاهده بالطريقة التي يفضلها.

وموضوع أن كاتب ما -أو فنان- لديه خيال واسع وخصب (أي كاتب/ أي فنان)، هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من قدرة على تحليل الواقع، وتفتيته لاستخلاص التفاصيل، ثم إعادة دمج هذه التفاصيل، وربطها بفتات تفاصيل أخرى، مع مراعاة التناسق الشعري في مزج هذه التفاصيل، لتكوين عمله النهائي، عملية أشبه بمزج الألوان لاستخلاص درجة معينة، ولا أحد يستطيع تخيل وجود لونٍ غير مكتشف! 

وكون أن عمل أدبي ما نبع من خيال الكاتب وتذوقته العامة، فهذا يعني أن هناك مقدمات وقاعدة ذهنية ساعدت على هذا التقبل، تلك القاعدة هي القاعدة المشتركة لدى الجميع.. الواقع.

ليس ثمّة شكٍّ أن بيئة الأحلام هي الأكثر خصوبة بالخيال، وهي بالطبع لدى الجميع، فالجميع يحلُم والجميع لديه الرغبة في التخلص من الواقع، والهروب منه، أو إعادة تشكيله ليتناسب مع رغباتهم، وهو ما انبنت عليه مدرسة التحليل النفسي عند فرويد وكارل يونج، وفي حين أن الأدباء والفنانون استطاعوا بملكاتهم فعل هذا في يقظتهم، فإن منطقة اللاوعي عند العامة تقوم بهذا الدور خلال نومهم، فهي حاجة ماسة لاستمرار الحياة. والأحلام، مع ثراء خيالها، كل تفاصيلها مُستقاة من مشاهد من الواقع، مع إعادة تشكيلها وتبديل أدوارها، وإعادة ترتيب أولويات الواقع، لخلق هذه المشاهد الفانتازية النهائية. كانت هناك دراسة لبحث أصول اللوحات التجريدية، التي هي –كما هو مُتداول- أكثر الأعمال مُعاداةً للواقع وشذوذًا عنه، وجدوا أن هذه اللوحات تتصل بصورة ما بمشاهد واقعية؛ ربما شقوق جدارٍ متصدع، زبد البحر، لحاء الشجر.. إلخ. وجدوا أيضًا تشابه الكثير منها مع بعض التكوينات الماكروسكوبية الدقيقة، حتى وإن لم يعِ هذا خيال الفنان، فهو إن ظن أنه خلق شيئًا جديدًا غير موجود، فهذا الشيء لابد وأن تكون له أصول من الواقع.

ربما الشيء الوحيد الذي يمكن تسميته بالخيال المطلق هو صورة الفردوس في الأديان السماوية، ودائمًا ما يُشار إليها بأنها ما خطرت على بال بشر، أي أنها لا تمت للواقع بصلة، الذي هو أقصى حدود خيالنا، فبالتالي لا يمكن تصورها، فالخيال لدينا لا يتعدى حدود الواقع.



بالطبع ليست المشكلة في حدِّ ذاتها في لفظة الخيال، وإنما في معناها المنطبع في أذهاننا وأنها شيء متعدِّ للواقع، مضاد له. الخيال هو إعادة ترتيب أولويات الواقع، وإعادة خلقه من معينه، وربما يكون مكملًا لنقصانه، لسعي الإنسان الدؤوب نحو الكمال في الآداب والفنون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.