استدعيتُ ربي، دائماً يأتيني، فهو محب لإجابة الأسئلة كثيراً خصوصاً وإن كانت ذات مغزى، هو أخبرني ذلك في يومٍ ما، وكانت الأمور تسير حقاً على ما يُرام، حتى صِرتُ شديد الإلحاف فتركني على سؤال ألقيته، كنت عبداً وقحاً، عذراً يا رب.. هذا جزء من الحوار الذي دار بيننا، بالطبع لن أذكره كله، فهناك أسرار يأتمنني عليها، أشياء خاصة بيني وبينه:
- ....
- لا يا رب ليس تدخلاً في مشيئتك، كنت فقط أقترح لو وضعت جوار ملائكة الأكتاف ملائكة للعزف، فالموسيقى شيء رائع حقاً يا رب، ونحن، عبيدك المخلصون، في أشد الحاجة إلى مثل تلك الأشياء، نحن أكثر مسكنة من أن يدون أحدهم أفعالنا السخيفة يا رب، كنت أفكر ليلة قبل أن أسلم جفوني للنوم؛ إن كان أحدهم حقاً يدون ما أفكر فيه الآن، وماذا سيكون عليه الحال لو كان ملاكاً يعزف سيمفونية ملائكية قبل أن أنام، بالطبع ستكون أعظم قيمة من تلك الخامسة التي أنجزها بيتهوفن، ناهيك يارب، جلالتك، عما ستتركه في نفوسنا من أثر، أخبرتك من قبل أن عمِّي كان يخيفنى من كتفي الأيسر، وقال لي ملء سبابته، احذر هذا الكتف اللعين، وكنت أهز رأسي طوعاً ورهبة، ولما كبرت وسمعت الموسيقى، وجدت أنه من الأفضل لو خلقت ملاكًا يعزف الفلوت على كتفي الأيمن وآخر لعزف الكمان على كتفي الأيسر، بهذا لا أشعر بالخوف يا رب...
- ....
- عذرًا للإطالة يا رب، هل تريد أن تسمع حكاية أخرى أنجزتها قبل يومين ورفضت أن أقصّها على أحد حتى تتطلع أنت عليها..
- ....
- ها هي يا رب:
"ما أكثر الوخزات هذه الأيام" قلتها غير عابيء بما يحدث على كتفي وأنا أستأنف السير بلا هدفٍ واضح على الطريق العاري من الناس، ولما تكرر الأمر بدا لي أنه ليس مجرد وخز متكرر على كتفى، وكان لي أن أتوقف عاجلا وأن أتحقق من الأمر بنفسي، الشمس حارقة والأفق يتراقص فوق السراب، والطيور تحلق بثقل، بياضها الناصع يزيد تأكيد احتراق العالم، ما هذا الوخز إذن؟
عليّ أن أعترف أن الأحلام ملّت عالمها المنغلق وها هي تقتحم الواقع بتبجح، وربما اختارت بيئتها تلك بعناية فائقة، فهل من أجواء أكثر ملائمة للأحلام من سراب قابع تحت أفق يتلوى احتراقا، وطيور بيضاء غامضة تحلق بلا هدف تحت أفران الشمس.
نسيت أن أخبرك يا رب لماذا كنت أسير بلا هدف واضح فى تلك الطريق؟ وما الذي أوصلني هناك؟ حسناً، فإنه ليس من إجابة تبرر هروبي ذلك، سوى أنه هروب، فقط هروب!
التفتُّ إلى كتفي الأيمن حيث مكان الوخز الشديد، تحسست مكانه، فوجدته خاويا، خاويا كالصحراء التى أسير فيها، وأدركت أن الوخز ما هو إلا نقصان شيء، شيء ما اعتدت عليه، فعرفت أن أحدهم، وكان رجلا طيبا يدون أعمالي الطيبة كما أخبرني عمي من قبل، قد ترك المكان وهاجر، فلا عمل لديه، فما الشيء الطيب الذي يمكننى حقا أن أفعله لأستحق ملاكا يدونه في أوراق مقدسة بحبر من الجنة، أنا تافه يارب، لذا فقد هاجر الرجل الطيب، ومن الواضح أن الآخر هاجر لما ملّ كل الأفعال السخيفة التي أفعلها، فما الذي يعنيه له أني سببت المرأة المتبجحة في سرِّي، وما الذي يعنيه له أني شاهدت فيلما إباحيا مللاً، وما الذي يعنيه له أني تركت صلاة العشاء لما شعرت أن لا جديد في الأمر وأنى كل مرة أفكر في نفس الأمور التافهة في الصلاة، كأن تلك التوافه أصبحت جزءًا من صلاتي يا رب، فتركت صلاة العشاء هربًا من تلك الأمور التافهة وتنزيهاً لجلالتك عنها، لا أكثر... ما الذي يعنيه لهما أن ... ربي.. هل ذهبت يا رب؟!
-
- ربي، هل تركتني!.. هل تعدني أن تحضر لي ملائكة للموسيقى بدلا من الملائكة التي رحلت؟ الوخز حقا يزيد يا رب.. ربي؟
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.