الصفحات

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

هيروشيما و نغاساكي مأساة القنبلة الذرية

My rating: 5 of 5 stars


الليلة الأولى \ الكابوس:

(المكان بعيد مظلم، يحيطه سياج لا يسمح بالهرب، بداخله سيدة تحول بين

أطفالها الثلاثة وبين ضربات سيف رجل عازم على قتلهم جميعاً، كان ذراعه هو

أكثر ما يشى بالحركة وبالحياة أما وجهه فهو فى جموده أقرب إلى وجه رجل

ميت، لم يكن يتكلم أبدا ولا يبدى سببا للقتل!

تحايل على ذراعيها المفرودين أمام أبناءها وبضربة قاطعة شق جسد أحد

أطفالها بحد سيفه القاطع فهوى نصفيه على الأرض مثل قطعتى لحم كبيرتين، صرخت

أمه بجنون وتملكها فزعها المختزل، انتصب ذراعيها كقطعتى حديد هلعاً على

طفليها الآخرين، وبضربة أخرى انفصل رأس طفها الثانى عن جسده فهوى جسده على

الأرض بجوار رأسه، كان يرتعش ويطفر دماً. نظرت إليهم، إلى أشلاء

أبناءها، فأحست بإغماءة وبثقل على رأسها وبعجز عن الرؤية، هنا وصلت حد

الجنون حتى كادت أن

تنسى ابنها الأخير، أحاطته بذراعيها وهى تصرخ صرخات متقطعة، عيناها مثل

جمرتين، والرجل وجهه ميت، ذراعه فقط الذى يتحرك ويضرب، وبضربة شديدة مرّ

السيف وسط جسد ابنها الأخير حتى انفصل نصفاه وهوى بجوار قطع اللحم الأخرى،

وفى عجزها وجنونها شق سيفه جسدها حتى سقطت نصفين ،وكان الدمع يتحدّر من

عينيها وذراعيها يغطيان أشلاء أبناءها..)

وينتهى أبشع كابوس رأيته فى حياتى، انتهى وأنا لا أعرف من يكون السيّاف

ولماذا كان يقتل بتلك البشاعة، رأيت هذا الكابوس فى الليلة التى أعقبت

قراءة أول صفحات الكتاب...

لما استيقظت أحسست بوغز فى جنبى ولأول مرة أشعر أنى أريد أن ألتهم الواقع

وأمتزج به وأن أحتويه، أريد أن أكون جزءا منه، لأن الخيال أحياناً يكون أقسى

من احتمالنا...
ـــــ

هنا.. فى هذا الكتاب كان خيالا أقسى من الاحتمال، القنبلة الذرية فاقت كل الخيال...
ــــــــــــــــــــــــــ


لشدة ضراوة القنبلة الذرية وقسوتها، كنت دائما أعتقد أن اليابان دولت غُلبت

على أمرها وانجرت نحو حرب لم يكن لها فيها دخل، أو أن كل خطيئتها أنها كانت تدافع عن أراضيها.

لكنى فى الحقيقة كنت مخطئاً واكتشفت أن مسئوليتها عن سقوط القنبلة لا يقل عن

مسؤولية الولايات المتحدة، فدولة ظلت تمارس استبدادا على جيرانها، وتحتل

دولا وجزر مجاورة، حتى استولت على بعض أراضى الصين وجزر جنوب شرق آسيا،

ومارست جورا لا يقل عن جور هتلر فى أوروبا، وظلت تستنفد كل طاقات شعبها

ومواردها من أجل زيادة أراضيها وإشباع جشع حكامها العسكريين، حتى أنها لم

تقبل الاستسلام بعد استسلام ألمانيا، كل هذا الجور كان لابد أن يجرها ويجر

الإنسانية معها نحو هذا المستنقع!

وأعتقد أن المؤلف، وهو يابانى، لم يغفل هذه النقطة، ألا وهى الحكومة

الاستبداية ودورها فى وصول اليابان إلى تلك المرحلة، وكيف أنها أوهمت الشعب

بالإنتصارات المتوالية وهى فى الحقيقة هزائم، من أجل استنفاد طاقات الشعب

لإشباع رغبات العسكريين والإمبراطور (الإله!)، حتى أنها لم يكفها طاقات الشعب

اليابانى فلم تتردد فى إجبار الكوريين، وهى قد احتلت كوريا، أجبرتهم على

التجنيد وأرغمتهم على أعمال لا يحب اليابانيون العمل بها، وعملوا فى مناجم

الفحم والمقاولات، وخلال حرب المحيط الهاديء هاجر نحو 400 ألف كورى إلى

اليابان، بل أنها لم تكتف بذلك فاليابان فرضت على كوريا ثقافتها وأجبرتهم

حتى على تغيير أسماءهم إلى أسماء يابانية.

يقول المؤلف:

" إن الحرب التى بدأتها الحكومة اليابانية واستمرت 15 سنة عذبت وقتلت

وجرحت وأتعبت الكثير من الصينيين والكوريين والشعوب الأخرى فى جنوب شرق

آسيا، وكذلك لأمريكا وإنجلترا وهولندا وغيرهم. وأول من ذاق هذا العذاب هو

الشعب اليابانى والأطفال اليابانيون ولم تنته الحرب إلا بعد أن قام الصينيون

والأمريكيون والإنجليز بالانتقام وبقتل وضرب وجلب العناء لليابانيين"
ــــــــــــ

ومعروف أن اليابان لم تتخلص من استبداد وفساد الإمبراطور والحكومات

العسكرية، إلا بفرض الديمقراطية الأمريكية عليها، ليبدأ عصر آخر من الإزدهار

اليابانى، على حساب أبشع حادثة بشرية!


**إذا تعرض الإنسان لآشعة مقدارها 700 راد فهى تميته، و600 راد يكون نصف ميت

تعرضت هيروشيما لقوة إشعاعية مقدارها 6000 راد، ونجاساكى 7000 راد!
ــــــــــــــــــــــ

أهم ما فى منهج الكتاب هو الحيادية المعتدلة من الكاتب والشمول، فهو مثلا

لم يكتف بسرد مآسى الحرب النووية- وكان هذا يكفيه كمواطن يابانى، ولكن

الكتاب يوضح مسؤولية جميع الأطراف.. كما أنه يجمع بين اللون الأدبى المتمثل

فى سرد قصص المعاناة، والعلمى فى بيان آلية القنبلة الذرية، وأيضا توضيح

الجانب السياسى المتحكم الرئيسى فى المصائر، وهى تأريخ لفترة من أهم الفترات التاريخية الفاصلة..
ــــــــــــــــــــــ

هذا الكتاب من الكتب القليلة الممتعة والقيمة فى آن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.