My rating: 4 of 5 stars
المراجعات أيضا لها مدارسها
على غرار مدارس الفن التشكيلى، من اتجاه كلاسيكى، رومانتيكى، وانطباعى،.. والتى غالبا ما يجتمع تحت مظلتها الأدب والموسيقى وفن التصوير، فتجد كل هذه الفنون تجتمع تحت مدارس متشابهة فى الاتجاه، فإن مراجعات الكتب أيضا لها مدارسها، فهناك الذى يتبع أسلوبا محافظا فى المراجعة هدفه هو نقل صورة واضحة عن الكتاب ومحتواه، يضع لنفسه ضوابط محددة لا يخرج عنها، هذا يندرج تحت المدرسة الكلاسيكية، وآخر يُفضّل أن يعبر عن انطباعه الذى تركه الكتاب فيه فيُثرى مراجعته بآرائه التى غالبا ما تخرج عن محتوى الكتاب ويكون حُرًّا فى آرائه كيف يعبر عنها لا حدود تحده، هذا يتبع المدرسة الانطباعية. وآخر يُفضل أن يعبر بطريقة درامية تحت تأثير عاطفى تركه فيه الكتاب، فينقل رأيه عن الكتاب فى صورة رومانسية تعجّ بالدراما، هذا يتأثّر بالمدرسة الرومانتيكيّة..
أنا دائماً فى مراجعاتى أفضل المدرسة الانطباعية، لكنى فى هذه المراجعة سأتبع خُطى المدرسة الكلاسيكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب يتحدث عن ثلاثة من رواد الفن التشكيلى خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هم على الترتيب؛ كلود مونيه، بول جوجان، فينسنت فان جوخ..
لكنى سأتحدث عنهم بترتيبى الخاص؛ فينسنت فان جوخ، كلود مونيه، بول جوجان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
VINCENT VAN GOGH
حين تتحدث عن أكثر العباقرة شقاءًا فى الحياة فلابد أن تذكر منهم كافكا، وفينسنت فان جوخ.
كان مصدر إلهام فان جوخ هو تعاسته ووحدته، وصراعه مع معاناته النفسية، ومع ذلك تجده يصور آلام البسطاء بدافع طيبته ونقاءه وإحساسه، حتى أنه حاول الاشتغال ككاهن لاعتقاده أن هذا أنسب طريق لمساعدة الآخرين لكنه رسب مرتين فى اختبار اللاهوت، فاشتغل واعظاً اجتماعياً خلال فترة تواجده فى مدينة بوريناج وكان دائما مؤازراً لعمال الفحم الذين كانوا دائمى الاحتجاج على أوضاعهم القاسية..
فتُظهر هذه اللوحة "زوجات عمال الفحم" معاناتهن فى حمل أكياس الفحم وهن عائدات إلى منازلهن، حتى تكاد تستشعر مدى ثقلها على ظهورهن المقوسة.
فى تلك الفترة من حياة فان جوخ فإن المدرسة الانطباعية كانت فى أوجها، فتأثر بهم وبرائدها كلود مونيه، وحاول فى لوحاته التعبير عن انطباعاته ورؤيته الشخصية بضربات الفرشاة السريعة وألوانه المفعمة بالحياة (يمكنك أن تجرى بحثا على صور جوجل عن أعمال فان جوخ حتى تمتليء شاشة الحاسوب لديك بالألوان والحيوية) فكان يمكنه أن ينجز لوحة كل يوم، على خلاف الرومانتيكية والواقعية التى كانت تهتم بالتفاصيل..
شعوره بالوحدة الدائمة، آماله التى لم تتحقق (فان جوخ لم يبع سوى لوحة واحدة خلال حياته)، صداقاته التى دائماً ما تفشل، كل تلك الأسباب قادته إلى أمراضه النفسية، وتواجده فى مستشفى الأمراض العقلية ثم محاولته الدائمة للانتحار. قطع فان جوخ جزء من أذنه اليسرى بعد مشادة عنيفة مع بول جوجان رحل على إثرها جوجان إلى باريس تاركاً صديقه فان جوخ وحيدا، وبعدها دخل المستشفى وصور أهم أعماله داخلها، ومات فان جوخ بعدأن أطلق على صدره رصاصة لينهى بها حياته التعيسة، وهو لا يعرف أنه سيصبح من أهم فنانى العالم..
ـــــ
فن فان جوخ
أهم ما يميز لوحات فان جوخ هى خطوطه الانسيابية والتى دائما ما تتعارض مع الأبعاد الحقيقية فترى فى هذه اللوحة فان جوخ يصور كنيسة أوفير كأنها مفرودة مما يعطى انطباعا بالحركة والحيوية
فان جوخ وبول جوجان
كان فان جوخ يحلم بأن يضم الاستوديو الخاص به والذى أسماه استوديو الجنوب طائفة واسعة من الفنانين يتشاركون فيه أفكارهم ورؤاهم فى الفن، وكانت خطوته الأولى أن يضم صديقه بول جوجان وقبل وصول جوجان كان فان جوخ متحمسا للأمر حتى أنه احتفالا بمقدم جوجان رسم مجموعة من لوحات زهور عباد الشمس ذى اللون الأصفر والبرتقالى تعبيرا عن بهجته
وتعبيرا عن طبيعة شخصية جوجان رسم فان جوخ المقعد الخاص به، والذى يعبر عن شخصية جوجان القوية والتى تعبر عنها كثرة المنحنيات والأقواس وشكل المسند المريح، بينما رسم فان جوخ لنفسه كرسيا بسيطا لمصور قروى
من أول اعمال فان جوخ المميزة هى لوحة "آكلو البطاطس" فى هذه اللوحة يعبر فيها فان جوخ عن قسوة حياة عمال المناجم، ومع ذلك هناك مسحة من الرضا على وجوههم التى ينعكس منها ضوء الشمعة المعلق على سقف المنزل، وجميعهم يتناولون العشاء ويحتسون القهوة..
لوحة الصرخة
اعتقدت كثيرا أن لوحة الصرخة هى لوحة لفان جوخ لما فيها من استخدام جريء للألوان وحيوية فى الخطوط هذا بالإضافة للبؤس والشقاء الذى تعبر عنه اللوحة، واتضح أن تلك اللوحة لفنان آخر هو إدوارد مونخ، وهو فى هذه اللوحة متأثر بأعمال فان جوخ..
من لوحات فان جوخ العظيمة أيضا والتى لم يتضمنها الكتاب للأسف هى لوحة "عند باب الخلود" والتى رسمها قبل أيام من انتحاره
من مقولات فان جوخ:
"سأكون فقيراً، وسأكون فناناً، لأننى أريد أن أكون إنسانا"
وحين مات فان جوخ نعاه الدكتور جاشيه وهو صديقه وطبيبه النفسى:
"لقد كان رجلاً أميناً، وفناناً عظيماً، وكان له هدفان فقط، هما الإنسانية، والفن. فقد أحب الفن فوق أى شيء، وفنه هو ما سيبقيه حيًّا"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
CLUDE MONET
لم يكن يتخيل أحد أنه سيأتى يوم ويتم فيه تصوير شيء فى لوحة على خلاف ما هم معتادون على رؤيته، أو أن يتم تحريف الشكل الطبيعى للأشخاص والأشياء، فكان مجرد نقل الصورة كما هى شيء من الأمانة، فحتى حين تطورت مدارس الفن سواء من العصر الكلاسيكى أو الرومانتيكى أو حتى عصر الباروك، فكانت كلها تنقل واقع الأشكال كما هى بدقة متناهية، إلى أن أتى كلود مونيه، وأعطى تعريف آخر للتصوير، وهو أن يصور الفنان انطباعه الشخصى لما يراه، وكان من أوائل الفنانين الذين خرجوا ليصور لوحاته فى الهواء الطلق لينقل تأثير الطبيعة مباشرة إلى لوحاته، وتُعتبر لوحة "انطباع غروب الشمس" هى البداية التى انطلقت منها المدرسة الانطباعية والذى جاء اسمها من اسم لوحة كلود مونيه.
واضح أن كلود مونيه لم يرد تصوير مشهد للغروب بدقة متناهية كما يفعل الكلاسيكيون، إلا أنه أراد إظهار الشمس وسط السماء وانعكاسها الواضح على وجه الماء ذى الموجات الصغيرة والمبانى غير الواضحة فى شيء لا يبرز سوى الغروب فقط، فكأن كل عناصر اللوحة اتحدت من أجل عنصر واحد هو الغروب.. فيقول مونيه عن هذه اللوحة أنها تسجيل حالة لا تصوير مظهر..
فى البداية لم يتقبل الناس هذا النوع من اللوحات إلا أنهم بمرور الوقت وكنتيجة للتطور الذى شهدته أوروبا فى شتى المجالات فقد قبلوا فى النهاية هذا التطور فى فن التصوير وأقبلوا عليه
فى هذه اللوحة استخدم مونيه تقنيات جديدة للضوء والظل، حيث أن الجو شتوى والأرض مغطاة بالجليد، ويستخدم مونيه ضوء الشمس الحاد فتنعكس الظلال بدرجات لونية متعددة، هذا بالإضافة للطائر القابع على البوابة الخشبية.. كل تلك التفاصيل تلفت الانتباه وتعطى جوا دراميا وحيويا بين ضوء الشمس والجليد والحياة متمثلة فى طائر العقعق.
رسم مونيه هذه اللوحة (أكوام القش) 25 مرة فى أوقات مختلفة، ولكل لوحة "انطباع" مختلف عن الأخرى
ـــــــــــــ
من لوحات كلود مونيه الرائعة التى لم يتضمنها الكتاب:
لوحة سيدة المظلة
وهذه لوحة الحب رغم الحروب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
PAUL GAUGUIN
علاقتى متوترة مع هذا الرجل الصلف. كانت لآراءه القاسية فى أعمال فان جوخ وترديده بأنها رديئة وأن أعماله هى الجيدة، كان لذلك أثره النفسى على فان جوخ، وحدثت المشادة بينهما والتى ساءت بعدها حالة فان جوخ النفسية وانتحر على إثرها.. ولم يحضر جوجان جنازته
رسَم بول جوجان هذه اللوحة أثناء إقامته مع فان جوخ وهى تصور فان جوخ وهو يرسم إحدى لوحات زهور عباد الشمس.
إلا أنه يمكننا أن نذكر أن حبه للجزر الاستوائية دفعته للمعيشة فى جزيرة تاهيتى بدلا من المدن الصناعية، وله مواقفه المشهودة فى وجه الاحتلال الفرنسى ضد سكان تاهيتى، فكان دائما مناصرهم فى الواقع وفى فنه، وتلك بعض لوحاته عن سكان تاهيتى:
"فتاتان من تاهيتى"
"المرأة ذات الزهرة"
ـــــــــــــــ
لكن حياته هو الآخر لم تنجُ من التعاسة فقد حاول الانتحار بعد وفاة ابنته، فذهب إلى الغابة وتناول كميات كبيرة من السم إلا أنه لم يمت وعاد إلى كوخه زاحفاً!
وصور مجموعة من أروع لوحاته:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وفى نهاية هذه المراجعة، أود أن أختم بمقولة فى حب باريس، تلك المدينة التى كانت كالحلم فى تلك الفترة من نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين، كل هذا الفن، كل هذه الموسيقى، كل هذا الأدب، لابد أنها كانت حلماً: "إذا واتاك الحظ بما فيه الكفاية لتعيش في باريس وأنت شاب، فإن ذكراها ستبقى معك أينما ذهبت طوال حياتك، لأن باريس وليمة متنقلة"- إرنست همنجواى
__
ﻓﻨﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﻴﻮﻥ - ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:
ﻓﻨﺎﻧﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﻴﻮﻥ - ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.