الصفحات

الخميس، 26 أبريل 2012

مـشـيـئـة


- صلّ يا ولدي، فالصلاة راحة للقلوب..

- أمي؟!... آه، وجهي، لماذا تضربيني يا أمي، ولماذا تنصحيني دومًا أن أصلي وأنتِ لم تعرفي ربًا يومًا ولا رسولا، أنتِ لم تعترفي بهما حتى.. ولم تخبريني أين الرب، ولماذا أرى سماواته وبذخ كرمه، وهو لم يرني وجهه حتى؟ لَمْ تشفي صدري يا أمي، أخبريني الآن وفي يدك دم وجهي، ليكن اعترافًا، ليكن اعترافًا بدم، ليكن ما يكون!

- ....

- لماذا تبكين يا أمي؟ أهو مثل أبي الذي غاب ولن يأتي؟ أهذا الدمع من ذاك؟

- يا ولدي كم أنت قاسٍ على أمك، أنت لم تعرفني!

- أين أنتِ يا أمي؟ لماذا لا أراكِ؟ لماذا لا أرى أي شيء؟

- لأنك لم تصلِّ للرب... صلّ يا ولدي ولا تكن كافرًا، حين تصلي سيكون الرب نظرك، ولا تنتظر أمك، قد ماتت ووراها الثرى وصارت من الأرض.

- لكنها لم تخبرني أنها ماتت، ولم تخبرني أين الرب، ولم تخبرني لماذا لم يأتِ أبي.. لماذا تركتني وأنا لا أعرف شيئًا؟

- ....

- أين أنتِ؟

- يا ولدي.. أنت مزعج، أسئلتك كثيرة وتزعجني.

- لكن من أشكو إليه؟.. لم أعد أرى شيئًا، أرى الظلام فقط، هل تذكرين عينىّ، ألا تذكرين أنكِ كنتِ ترين بهما؟

- أنا لم أكن أرى، كنت أُمًّا فقط!

- ولماذا أنجبتيني؟

- الرب.. شاء الرب!

- لكني لم أشأ، ولم يخبرني الرب أنه يشاء، ولم يعطني عينا، ولم يعطني أبا، ثم أخذك يا أمي، ثم صرتِ ترابا..

- أسئلتك تزعج الرب... سيحرقك

- وأنتِ يا أمي هل أحرقك لأنك لم تصلي..

- ...

- أمي، لماذا لا تجيبيني؟

- أنت تؤلمني يا ولدي، وتُذكّرني

- لكنك تألمتي كثيرًا هنا، لماذا يعاقبنا الرب دومًا يا أمي؟

- لأننا لم نصلِّ، هو أخبرني..

- أمي، لماذا صوتك يخنقني؟

- لأنه يخنقني يا ولدي، سأرحل، وتذكر أنني من تراب

- خذيني معكِ يا أمي، سأصلي هناك أمام الرب، سأمجده وأنا أراه

- لا يا ولدي، أنت لم تكتف بعد، عِش حتى الموت، الرب هو الذي سيأخذك.. تلك مشيئته


- لكني لا أشاء يا أمي، لا أشاء... أمي؟

- ...

- هل رحلتِ يا أمي!

- ...

- هل أنت هنا يا رب!

- ...

- هل أتيت يا أبي!

- ...

الاثنين، 16 أبريل 2012

الأعمال الكاملة: يحيى الطاهر عبد الله

الأعمال الكاملة: يحيى الطاهر عبد اللهالأعمال الكاملة: يحيى الطاهر عبد الله by يحيى الطاهر عبد الله
My rating: 5 of 5 stars

حكايتى معه: أننى أثناء قراءة كتاب يتحدث عن فن القصة القصيرة, وأقلب فى صفحاته, وجدت قصة عنوانها "أنشودة المطر" لكاتب اسمه يحيي الطاهر عبدالله(ولم أكن أعرفه بعد), ولم أقرأ القصة فقد كانت مجرد صفحة عابرة أثناء التقليب العشوائى.
وبعدها بعدة أيام زرت المعرض الدائم لهيئة الكتاب, فرأيت كتاب: "الأعمال الكاملة: يحيي الطاهر عبدالله"
وبالطبع لم أكن أعرفة سوى من عنوان القصة العابرة, اشتريت الكتاب وقرأت عدة قصص, ولكنى لم أجد قصة أنشودة المطر, التى عرفت الكاتب عن طريقها, ومن الفهرس عرفت أنه خطأ مطبعى, فذهبت فى اليوم التالى لإستبدال الكتاب, وبعدما مضيت فى الكتاب ما مضيت أصابنى الذهول: كيف لم أعرف-وغيرى كثيرون لا يعرفوا- هذا المبدع. وعندما عدت إلى كتاب فن القصة, وقرأت أنشودة المطر(للمرة الثانية:) وجدت أن الكاتب قد أوردها لإدراجها ضمن القصص السيئة التى لايجب السير حذوها لكثرة كاناتها, وتعجب: كيف زج الكاتب بها للمطبعة !!!! لكنه ذكر أن يحيي الطاهر عبدالله من الكتاب الفريدين فى مجاله (كتر خيره)
أسلوبه الشعرى يتميز بأنه من السهل الممتنع, له لغة متميزه, يسخر ألفاظه لخدمة هدفه بطريقة مبتكرة.
عندما قرأت قصتيه المتشابهتين: تصاوير من الماء والتراب والشمس, الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة؛ تذكرت بطريقة ما مسرحيات أنطون تشيخوف, وذلك ليس غريبا, فكلا الأسلوبين يغلف التراجيديا بثوب من الكوميديا والفكاهة, وياله من أسلوب يشبه طبيعتنا- نحن المصريين.
حينما نتحدث عن أعمال أدبية تسرد الحياة الريفية -فى صعيد مصر- الصعبة بمآسيها وقسوتها, فلابد أن تتوقف أمام هذا العملاق, الذى تمكن من إبراز تلك الحياة العسيرة بكل تفاصيلها كما جاء فى رواية الطوق والإسورة.
ولقصص الأمير حتى ينام كلام لايكفيه كلامى, فتلك مجموعة قصصية, أبدع فيها يحيي الطاهر أيما إبداع, فقد مزج التراث الشعبى بالرمزية فأخرج أروع القصص.
لا أعرف ماذا كان سيفعل يحيي الطاهر إن أمد الله فى عمره وجعل له عمرا كعمر نجيب محفوظ أو إبراهيم أصلان ... (لكنها مشيئة الله, سبحانه)
فتلك هى الأعمال الكاملة لكاتب رحل وهو مازال فى الأربعين من عمره, تذهلك بجمالها, فمن النادر أن تجد أعمالا كاملة لكاتب بهذا الإبداع فى هذه السن الصغيرة.
رحم الله هذا الأديب وأسكنه فسيح جناته....


View all my reviews