كان الزحام شديدًا وأنا أنتظر وصول الباص على كوبري 26 يوليو المطل على حي الزمالك، خرجت متأخرًا من عملي، وكنت أتلهف الوصول إلى مسكني للنوم والراحة.
المهم، هبط من السماء رجلا يقول عن نفسه وزير المرور بجناحين وشارب عريض يغطي فمه، وحاجبان كثيفان يعلوان نظارة شمسية سوداء، بدت ديكورًا يزين الصورة التي أراد فرضها.
كان يريد المساعدة، ومن بين محاولاته لإثبات قدراته الخارقة كي آذن له بمساعدتي على النحو الذي يريده، قال أنه هو الذي شق البحر للنبي موسى أثناء مطاردة فرعون له، وقال: "أنا هنا لأشق لك الزحام حتى تصل إلى أرض اللواء سالمًا".
قلت: "ولكني لست النبي موسى". فقال لي أن موسى ليس شخصًا ذا امتياز من نوع خاص، وأنَّ نظرته إليه غير نظرتي أنا إليه.
لم أجد ما يمنع التجربة فقلت له أرني كيف أصل أرض اللواء من بين هذا الزحام.
صفق بيديه -بينما كان معلّقًا في الهواء- ثلاث صفقات، خرج على إثرها ثلاثة رجال مرور تفرّقوا عند منتصف المحور ومطلع كوبري 15 مايو، وأخرجوا أجهزتهم اللاسلكية وبدأوا عملًا دؤوبا لإيقاف سيل السيارات العارم القادم من وسط البلد، وكانوا يتلقون الأوامر الصارمة من أجهزتهم اللاسلكية من أشخاص أعلى منهم رتبة. لم يلتفتوا إليّ، كأني غير موجود. ثم شيئًا فشيئًا انمحت آثار الزحام أمامي، وانحسر السيل خلفي.
ثم ظهرت فجأة سيارة فخمة غامضة لا يظهر من فيها؛ أخذت تشق الزحام منطلقة إلى الأمام، وكانت الشيء الوحيد الذي يتحرك على الطريق الساكن، بينما السيارات متوقفة طوعًا لأمر رجال الشرطة. أشار لي الوزير أن أركب، وكان عليّ أن أجري لألحق بها، لكنها لم تتوقف. كان الطريق خاليًا سوى من السيارة وأنا أجري وراءها. نظرت إلى أعلى وكان الوزير يطير خلفي، طلبت منه أن يوقفها لأني لا أستطيع الجري أكثر، لكنه تجاهل استغاثتي، ثم توقفت عن الجري عند ميدان لبنان، محاولا التقاط أنفاسي. صرخ:
- لماذا توقفت؟
قلت:
- لا أستطيع
- لكنه كان سيتوقف، كان فقط عليك أن تثبت رغبتك.
أكدت عليه أني لم أستطع، وكنت أشعر بالإخفاق الشديد من داخلي. بدا منزعجًا، ثم ظهر فوج قادم من السيارات ينطلق سريعًا على الطريق متعطشًا له. كانت أنفاسي تنتظم شيئًا فشيئًا، لم أرد التحدث في الأمر، وكان ما يزال غاضبًا مني. وصل باص الهيئة العام المتجه إلى مدينة الشيخ زايد، ركبت وركب الوزير بعدما طوى جناحيه، وبدا جميع الركاب متحفظين لدى مشاهدتهم له. وكان الغضب المرسوم على وجهه يزيده صرامة ويزيدهم تحفظًا.
جلسنا متجاورين. قطعت تذكرتين، قدمت له تذكرته، آملًا أن يأخذها مني، لكنه رفض الالتفات إليّ.
قلت أنني تعبت من الجري، وأنني أعاني خشونة المفاصل، تحرك جفناه قليلا.
عندما اقترب الباص من سلم أرض اللواء، طلبت من السائق أن يتوقف لأنزل.
كان الزحام شديدًا، وشعور بالعجز يثقلني عن الحركة وأنا أمر من بين السيارات.