الصفحات

الأربعاء، 28 يناير 2015

القراءة العكسية

“من المفترض أن تتولّى القراءة عملية تحويل الكلمات إلى صور مُتخيّلة، لكن ماذا لو حاولنا أن نُعيد الصور التي نراها في الواقع- الأحاديث التي نسمعها، إلى كلمات مكتوبة في خيالنا. بالطبع ليس الوصول للصورة المُتخيلة هي المحطة المنشودة والنهائية من عملية القراة، ربما عملية التحويل تلك، التي يُستهلك فيها قدر لا بأس به من الخيال والذاكرة هي المغزى من القراءة- المسار الواصل بين الكلمة والخيال. ومن ثم فإن للقراءة العكسية هذه مزايا مُضاعفة، تخيّل مثلًا أنك تستطيع أن تحوّل أحاديثك مع شخص ما لكلمات مكتوبة في ذهنك، ومدى الفائدة التي ستجنيها من عملية التجريد تلك والمفترض أنها ستنعكس على رد فعلك، الذي سيصبح حينئذٍ أكثر تحكّمًا ومسئولية. تخيّل أنك تستطيع أن تُحوّل مشاهدة فيلم إلى قراءة مُجرّدة في ذهنك وتعيدها إلى وضعها الأوّلي كما أرادها الكاتب، المؤكّد أن ذلك سيفتح أفقًا آخر يتعدّى حدود الفيلم وربما ستُدهش من اكتشاف أشياء تتخفّى خلف تلك الصُّور المُمثّلة. نفس الأمر يحدث مع اللوحات الفنية (أو حتى كلام مكتوب بخط غير واضح)، فحين يصعب عليّ فهم مغزى فنان ما من بعض خطوطه أحاول أن أعيد رسم هذه الخطوط في مخيلتي من بدايتها لنهايتها، ينجح الأمر معي كثيرًا لفهم ما أراده هذا الفنان. في الحقيقة هذه محاولة بعدم الاكتفاء بالمُشاهدة، بل تعدّى ذلك إلى المُشاركة.
إعادة هذه المواد إلى مصدرها الأول يجعلها أكثر تجريدية وذلك يعني أكثر فهمًا وقربًا من المغزى. كما أن ذلك يضع العقل في المقدّمة دائمًا بعيدًا عن التأثيرات، ولن نتحسّر حينئذٍ على الأفكار التي أُهدرت في نقاش مع أحدهم لأنك بالطبع -وفي أفضل الأحوال- لم تتمّلك هذه التجريدية للحكم على الأمور. ولهذا أيضًا فإن مواقع السوشيال ميديا تنجح دائمًا.”

الثلاثاء، 13 يناير 2015

لايك


   في تعليقه على مشاركتها على صفحتها الشخصية، كتب: "هههههههههههههههههههههه ودي عملتيها ازاي!!"، ورغم أنه لم يكن على معرفة شخصية بصاحبة الصورة سوى تبادل القليل من التعليقات والإعجابات العابرة، إلا أنه انتظر قرابة ساعتين للحصول على رد، ذلك لأن تعليقه هذا كان أكثر تعليقاته تداخلًا مع مشاركاتها الشخصية فأحسّ بشيء من الحرج وتأنيب النفس. في خلال هاتين الساعتين لم يتوقف عن مراجعة نفسه، ومراجعة التعليق، حتى أنه وبنهاية الساعتين كان قد وصل لخمس تعديلات على التعليق، كان آخرها أن قلّص حجم الـ "هههههههههههههههههههههه "إلى "هههههه"، ثم أضاف في نهاية التعليق: "بس جميلة" دون أي تعبير وجه، كان قلِقًا لأنه وضع نفسه موضع الاختبار "يكون أو لا يكون"، أن تتركه بلا رد مع مهانة لن ينساها أبدًا، أو أن ترسل ردًا يريده، رغم أنه لا يعرف ما هو، لكنه الخيط الذي يجعله شيئًا في نظرها، خيطًا يقربه منها.. ثم جاء ردها بأن قامت بالإعجاب بتعليقه. بهذا الرد الغامض المقتضب الذي كبحت به أفكاره المتخبطة، توقّف قلقه. ولأنه انتظر أن تشكره أو حتى تقوم بالتعليق على "لطافته" فقد شعر بالمهانة، فتوجّه إلى صفحته الرئيسية ليتابع آخر الأخبار والمشاركات محاولًا من وراء ذلك أن يبدو لا مباليًا، كان بإمكانه أن يغلق الصفحة أو يطفيء جهازه، لكنه لم يرد أن يبدو منهزمًا، بل إنه قام بتشغيل فيديو "مُضحك جدًا ههههههه" وبالفعل ضحك ورأى الكثيرين يضحكون ويعلقون على الفيديو بتعليقات مضحكة، قام بكتابة تعليقه، ثم أغلق نافذة الفيديو سريعًا وابتسامة حمقاء على وجهه. الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلًا، وتلك هي ذروة الفيسبوك، يتابع آخر المشاركات، أصبحت لديه خبرة فيما يجب أن يتوقّف لقراءته، 6344 لايك خلال ساعتين لشخص لديه 150 ألف متابع، تعني شيئًا جيدًا، قرأ المنشور، وحينما انتهى، كان مبهوتًا لجرأة هذا الرجل، المنشور جيد جدًا والأسلوب هو الذي اجتذب كل هذه اللايكات بديباجته وصدقه، لكنه مع ذلك لن يسجل إعجابه، فهذا لا أهمية له بين كل هؤلاء المعجبين الذين يتزايدون كل ثانية. أصبح الآن يشعر بذاتيته أكثر من أي وقت مضى!

يصل إشعار جديد، يقوم بفتحه، كان تعليقًا من صاحبة الصورة على رده، سرى خدر في جسده، وتسارعت ضربات قلبه كأنه على وشك لقاء معها، ذهب سريعًا لصفحة التعليقات، كان تعليقًا لطيفًا جدًا: "شكرًا على ذوقك :)"، هنا سرى في جسده خدر من لُمست يده، استعاد شيئًا من كرامته، قرأ تعليقه مرتين في زهو وأريحية وهو يتخلّص من كل شعوره بالذنب والحرج الذين جثما على صدره طوال هذه المدة، ورغم أن تعليقه ليس فيه ما يلفت الانتباه، إلا أنه رآه تعليقًا مميزًا جدًا، ومناسبًا كذلك. قرر أن ينتظر خمس دقائق قبل أن يسجل إعجابه بردّها، ليس عقابًا لتأخرها، وإنما تتويجًا لكرامته المستردة، وبعد أن استعاد بعض هدوئه، أخذ يتساءل -دون قلق أو شك- عن تأخرها في الرد أو تباعد الزمن بين اللايك والرد، لكنه لم يهتم كثيرًا بإيجاد مبرر لذلك، وإن مال اعتقاده لوجود عطل في الإنترنت. يذهب إلى صفحته الرئيسية بعد أن خرج من صفحة التعليقات. لديه طاقة لأن يكتب شيئًا هو الآخر، الكل يكتب، وعن كل شيء، ومن هذا المنطلق رأى أن عليه نوعٌ من الواجب؛ ربما يتم قياسه بالواجب الاجتماعي، ألصق بيتين من الشعر نسخهما من موقع متخصص في الشعر العربي، في الدقيقة الأولى وصلته لايك واحدة، وحين مرت نصف ساعة أصبحت سبع لايكات، عدّ ذلك استحسانًا، لا في بيتيّ الشعر وإنما لأنه اعتبر نفسه موهوبًا في الاختيار. ورغم ذلك إلا أن هناك واحدة فقط هي التي انتظر منها اللايك، تذكّر أنه نسي أن يردّ عليها، ذهب سريعًا لصفحة التعليقات، وبمجرد أن لمحت عيناه تعليقه ثم ردّها عليه حتى ضغط لايك، ثم رد على ردها بـ ":D"، رأى أن هذا أفضل وقت يُطفئ فيه حاسوبه وينام خالي البال، فأغلق الصفحة، ثم أطفأ الحاسوب فتحوّلت غرفته فجأة إلى كهف معتم، سار فيه يتخبط في الظلام حتى وصل إلى فراشه.