الصفحات

السبت، 22 أكتوبر 2011

مغامرات بكَش (الحلقة الأولى)


      فى يوم استيقظ بكَش من نوم عميق وتغمره سعادة لايعرف مصدرها, قرر أن يكون طعام الإفطار زبدة وبطاطس مقلية وأرز ثم يحلى بالسكاكر, حتى امتلأت معدته فصار يتجشأ فى وجه كل من يتكلم معه, حتى اشمئز منه الجميع, لكنه مازال سعيدا, لكن يبدو أن السعادة ستجعله مجنونا حين قررأن يذهب وحده إلى الغابة المظلمة, سمع عنها من القصص المتداولة, والتى كانت تقول أن هناك وحش كبير يختبئ خلف أشجار كثيفة فى الغابة المظلمة التى لايصلها ضوء النهار من كثافتها. هو أكيد مجنونا حين قرر ذلك فهو يعلم جيدا أن من يذهب لايعود. لكنها السعادة التى تجعل الجنون فى نظر صاحبها شجاعة. حزم أمتعته وصار فى خطوات محسوبة إلى الغابة.... ووصل إلى الغابة حيث وجد لافتة مكتوب عليها: "احترس هنا وحش", فسخر من هذه العبارة واعتبرها جبنا, وأخذ يسخر من أهل قريته الذى اعتبرهم جبناء, واقتلع اللافتة, ووضع بدلا منها لافتة مكتوب عليها: "لاتكن غبيا, لقد قتل بكَش الوحش" فأخذ ينظر إلى العبارة بزهو حتى ثمل لها...
ثم أخذ من جيبه ورقة ووضع علامة بجانب جملة:" استبدل اللافتة الغبية"
واستعد للمهمة التالية:" ليدخل بكَش العظيم, إلى الغابة"
فارتدى خوذته وحمل حقيبته, وسار بخطى ثابتة ليتوغل داخل الغابة التى كانت مظلمة تماما فى وقت الظهيرة, فأخرج من الحقيبة كشاف واهتدى به حتى أتم نصف الغابة تقريبا سيرا.
هنا باغته التعب والإرهاق فقرر أن يغفو قليلا, فنام ثلاث ساعات وما فاق إلا من صوت شئ يتحرك نحوه, فهب مفزوعا من نومه مشهرا بندقيته فى وجه الظلام, وفجأة خرج إليه ثعبان كبير, فصرخ بكَش وألقى البندقية, ففزع الثعبان وأخذ يصرخ, وتبادلا الاثنان الصرخات حتى توقفا, وسأله الثعبان:" من أنت؟"
فتمتم, ثم قال:" أنا بكَش" فابتسم له الثعبان وقال له:" وأنا حنش"
فقال بكَش مرتعدا: "أعرف أنك حنش, لا تقتلنى ياحنش"
فأخرج حنش لسانه ليسلم على بكَش, لكنه ازداد ارتعادا, وقال: " أرجوك سيد حنش, أنا بكَش الضعيف"
فقال له حنش:" لاتخف ياصاحبى ,فأنا لن أوأذيك, أريد فقط أن أسلم عليك"
فتردد بكَش, لكنه اطمأن إليه ومد يده فى تردد لكنه سلم عليه.
وقال:" لماذا لن تؤذيننى"
فقال حنش: "لا أحب أن أفعل مايفعله أبناء عمى وإخوتى من أذى للناس فهم غالبا طيبون وأحب أن أجلس معهم"
بكَش: "وهل يعلم أبواك هذا ؟"
-"لقد طردوننى من العائلة ونعتونى بالبشرى"
-"ألست حزينا؟"
-"لا, أنا سعيدا لأنى أخيرا قابلت إنسانا وسنصير أصدقاء"
-"تقصدنى !"
-"نعم, ألسنا أصدقاء؟"
-" بالطبع بالطبع نحن أصدقاء, أو أصبحنا أصدقاء.."
-"ولكن ياصديقى لماذا أتيت إلى هذا المكان الخطير, أما خفت من الوحش ؟!"
-(بغرور) "أنا, لا أخشى الوحوش لقد جئت هاهنا لأهزمه, (بخوف يحاول أن يخفيه) هل تعرف مكانه, حتى أقتله ؟"
-" إذن فقدت جئت لتقتل الوحش (مطرق الرأس)"
-"إن لم يكن موجودا فباستطاعتى أن آتى إليه فى وقت يكون موجودا فيه ..!"
-" سنهزمه معا ياصديقى(قالها بفرحة, وأخذ يرقص ويلتف حول أغصان الشجرة وهو يغنى: سنقتل الوحش, نحن الوحوش لا نخاف, انتظرنى نائما أو ماشيا أو راقصا أيها الوحش, لكن لاتنسى أن ترتدى قفازات, حتى لاتحرقك شعلة الشجاعة فينا, نحن الاصدقاء أشجع الشجعان ...."

ثم سمعا صوتا من خلف الأشجار .......
********
يتبع فى الحلقة الثانية...

الخميس، 20 أكتوبر 2011

الجائزة



      كنت حينها فى السادسة, طفلا  أتذوق طعم الأمل الذى يتجلى فى براءة الطفولة, أنهى دروسى المدرسية, وأعود إلى البيت فأجد الغداء فى انتظارى, تقوم أمى عليه. ماأكاد أنهيه وأفتح التلفاز لأسمع باباى أو ميكى ماوس, أو غيرها من مسلسلات الاطفال, التى أزهو بها كل الزهو وتنتشينى بنشوة الطفولة بكامل برائتها. حتى تقف أمى وتعجل من أمرى فبعد دقائق ميعاد درس القرآن عند الشيخ رمضان, فأصطنع عدم الاهتمام. فلاشئ عندى  أهم من باباى وميكى ماوس. فرجعت من المطبخ ووجدتنى مازلت منتشيا ومتناسيا الدرس, فعنفتنى وأغلقت التلفاز وأعطتنى المصحف وفتحت الباب وأزلفتنى نحوه, وقالت:"عايزاك تبقى شاطر النهارده وتسمَع كويس", وابتسامتها لاتقل نشوتها عن نشوة باباى. خرجت وأنا سعيد على كل حال, وذهبت أعدو عدو الاطفال وأنا أغنى أغانى باباى حينا, وحينا أراجع سورة الكافرون, التى اعتقدت حينها أنها أصعب شئ يمكن حفظه.
ووصلت عند الشيخ, والمكان يعج بالأطفال, وبالحناجر الوليدة التى تشبه فى وقعها وقع زقزقة العصافير, ووجدت زميلا لى يقول فى صوت خافت:" ماأخرك, الشيخ سأل عليك. وهيزعقلك". فخفت فى نفسى أن يعنفنى أمام زملائى أو يضربنى, ففتحت المصحف وافتعلت الحفظ والمراجعة, حتى إن وقع نظره على فينسى تأخيرى, ووقع نظره على ولكنه لم ينس تأخيرى.
نظر إلى بجدية ونادى على:" تعالى ياللى جاى متأخر", فآثرت الذهاب حتى لاأزيد الطين بله.
فذهبت إليه فى بطء وأنا مطرق الرأس, ووصلت ووقفت أمامه أنتظر العقاب.
لكنه سألنى سؤال لم أتوقع أن يسأله إلا بعد عذاب أليم:" حفظت ياسى محمد"
فرفعت رأسى نازحا عن صدرى الصغير هما ثقيلا, وقلت "آه ياشيخ, حفظت"
-"سمعنى..."
-" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). صدق الله العظيم 

فقال وهو مزهوا بى, وكأننى لم أتأخر:" بارك الله فيك يامحمد يابنى"
فابتسمت وحمدت الله.
وأقرأنى سورة جديدة ,وأعادها على مسمعى وأعدتها عليه, ورجعت إلى مكانى, فأتلوها. وفى وسط هذه المعمعة والملحمة القرآنية, استوقفنا الشيخ, ليستعير انتباهنا:" صدق الله العظيم. اسمعوا ياأولاد, بعد أسبوع بإذن الله سنختار أفضل خمس حافظين ومرتلين للاستعداد للمسابقة السنوية التى تنظمها المديرية. أمامكم أسبوع حتى تظهروا كفائتكم وتفوقكم, ومن يحفظ أفضل سأختاره للمسابقة, ولو فاز فإن له جوائز قيمة"
     فرحنا بهذا الخبر وظن كل واحد منا أنه هو أحد هؤلاء الخمسة المختارين, وقد ذهب فينا من ذهب إلى أنه الفائز بتلك الجوائز القيمة.
وبعد ساعة من يومنا القرآنى انتهينا من حصة اليوم حيث أعلن الشيخ: "انصراف"
وماسمعنا هذه الجملة حتى هببنا إلى الخارج كالعصافير السعيدة . وقبل خروجى استدعانى الشيخ وقال لى: "احفظ جيد هذا الأسبوع, حتى لا أغير رأيي, فقد اخترتك لتكون أحد الخمس متسابقين". ففرحت كثيرا لهذا الخبر وابتسم لى الشيخ وقال:" ورينا شطارتك, اتفضل..."
فخرجت من عنده أعدو فرحانا وأنا أتخيل ذلك اليوم الذى قد أفوز به بتلك الجائزة القيمة, وأنا أتساءل: " ياترى, ماذا ستكون الجائزة..."
وصلت المنزل فطرقت على الباب طرقات خفيفة وفتحت أمى بعد ثوان, وسألتنى ماذا فعلت اليوم عند الشيخ , فأخبرتها أنى سمعت جيدا, ورضى الشيخ بهذا الحفظ, فطلبت منى أن أسمع لها حتى تتأكد, فسمعت وسعدت بهذه التلاوة, وقالت "أحسنت, فلتذهب لآن لتذاكر دروسك المدرسية ثم حفظ السورة الجديدة"
فتذكرت أن أخبرها: أن الشيخ اختارنى من أفضل خمس حافظين للاستعداد لمسابقة المحافظة.
ففرحت فرحا شديدا بهذا الخبر وعلامات السعادة تعلو جبهتها, وضمتنى بين جناحيها وهى تدعو لى بالسعادة وبالتفوق ورضا ربى. وقالت: "أسعدك الله يابنى, سيفرح والدك كثيرا بهذا الخبر". فقبلتنى على رأسى وقالت  : "يجب أن تتفوق أيضا فى المدرسة"
فسألتها: " هل سيعطون من يحفظ جوائز قيمة؟"
فابتسمت قائلة: "نعم, المتفوقون فى المدرسة أيضا يحصلون على جوائز"
ففرحت لهذا الخبر, ورحت أستعد لحفظ القرآن جيدا استعدادا للمسابقة, وأحلام الجائزة لاتفارقنى..

حبيبتى



حبيبتى لن يكون هناك فراق
فقد وجد الحب ضالته فينا
قد تمطر عينى دما
إن قمت من غفلتى وفقدت فيكِ الحنينا
عيناكِ جناحى ملاك
بهما أطير إلى سماء العاشقينا
عبرتى جفونك فيهما جراحى
ثغرك البسام مسْكن آلام السنينا
نسيم لقاءنا رحيقا
لأجمل زهور البساتينا
اليوم ازدت شوقا عن الأمس
إن حبى لكِ حبا يقينا
عهدى إليكِ بقلبى باقيا
فاعهدى إلىّ بحبك ماحيينا




الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

العجوز والحزين


(صحراء قفر واسعة, الشمس ساطعة, يجلس فتى على جزع نخلة مقطوعة يحمل رأسه بين كفيه, مطرق الرأس حزينا, يمر عليه عجوز بلحية بيضاء طويلة, يتكأ على عصا متعرجة)

العجوز: أصبحت تحجم عن سماع أحوال البلاد, كأنك تنفر منها ؟!
أحمد: كأنك تتابع أذنى !
العجوز: بلى, لكنك تعكف على القراءة كثيرا على نحو غير معهود منك.
أحمد: نعم, استمتع بها كثيرا, أكثر من الأخبار المتناثرة التى جلّ همها فى مصائب الناس.
العجوز: أنت محق, هذا أمر مزعج.
أحمد: لكن من أنت ؟!
العجوز: أنا عابر سبيل, مررت على عقلك فوجدته مهموما كأن به مس وجزع, فأشفقت على حالك.
أحمد: كأنك تقرأ مافى عقلى أيها العجوز !
العجوز: وأشعر بك !
أحمد: تشعر بى أنا ! بماذا تشعر ؟
العجوز: أشعر بضعفك ووهنك, مازلت صغيرا بعقلك الكبير...
أحمد: ماذا أيضاً..؟
العجوز: أنت حتى لاتريد أن تفصح عما بجوفك أيها الحزين !
أحمد: (لحظة صمت, مطرق الرأس) أنا لا أستطيع العوم, والقدر بحر هائج يتقاذفنى كأنه يمرح بى, أو يتفاخر أمام البحار التى لم أخوض فيها ..
العجوز: وماذا عنك؟
أحمد: أنا عاجز. لاأعوم!
العجوز: نعم, أنت فقط تبكى على حالك
أحمد: وهل أملك لنفسى غير البكاء!
العجوز: ولماذا تقرأ إذن ؟
أحمد: إنها بكائى 
العجوز: (يشير إليه بمكان غير بعيد) انظر هناك ...
أحمد: ماذا هناك ؟
العجوزالماء..هناك.....عند النخلة الرابضة هناك
أحمد: نعم, نعم, أراه. تُرى, لماذا يشع نورا هكذا, إنه نور حزين...
العجوز: إنه حزين مثلك تماما, لو شربت منه ستذهب كل أحزانك, وتعيش سعيدا !
أحمد: (ينظر إليه فى تهكم) إنك تسخر منى أيها العجوز!
العجوز: حاشا لله أن أسخر من فتى تتقاذفه أمواج القدر 
أحمد: وماذا فى هذا الماء يشفينى؟!
العجوز: إنه حزين مثلك ويشعر بأحزانك!
أحمد: حتى وإن كان هكذا, فحزنه لايزيدنى إلا حزنا
العجوز: أما فهمت أيها الأبله !... إنه دموع !
أحمد: (ينظر إليه فى تعجب) دموع, دموع من ؟!
العجوز: دموع القدر...
أحمدإما أنك تسخر منى, أو أنك هرمت وصار فوك لاينطق إلا بالهذى.إنه مجرد سراب,وسط الصحراء المترامية فى ذلك الحر القائظ.
العجوز: انظر إلى نفسك, حتى إنك لاتريد أن تحاول, لاتريد أن تتخلص من أحزانك.
أحمد(بسخرية) نعم أتخلص من أحزانى بدموع القدر فى بقعة سراب !
العجوز: وهل سيحمل لك القدر الذى يلهو بك بأمواجه, قارب النجاه !
أحمد: (يستمع)
العجوز: (مستطردا) إن قارب النجاة لن يصل إليك إلا إذا خابت ظنون أمواج القدر فيك, حينها ستحمله إليك أمواج القدر.
أحمد: (ينصت باهتمام)
العجوز: اسمع أيها الفتى, إذا نجوت فلا تكف عن البكاء, فمن لايبكى لاقلب له ...
أحمد: أقرأ ؟!
العجوز: نعم.... أجبنى يافتى... ماذا كانت معجزة نبى الله موسى ؟
أحمد: العصا..
العجوز: أتعرف لماذا ؟
أحمد: لأن قومه كانو ماهرين فى علوم السحر, فأراد الله لهم معجزة تتحدى نقطة قوتهم.
العجوز: وماهى معجزة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ؟
أحمد: القرآن الكريم .
العجوز: لماذا بالذات القرآن الكريم؟
أحمد: لنفس سبب قوم موسى, لأنهم كانو ماهرين فى العربية وآدابها.
العجوز: وإن كان فيهم جاهل أو أمىّ فليس أهل بهذه المعجزة وماأنزلت له, وهى المعجزة الوحيدة التى جعلها الله لأمة وستبقى إلى قيام الساعة, لأنه أراد لهم المعرفة الأبدية.
أحمد: (ينظر باهتمام)
العجوز: اقرأ يابنى فى فرحك وترحك ..
أحمد: لماذا تقول لى هذا الكلام فأنا أقرأ وأتعلم ؟!
العجوز: لأنك إن انقشعت همومك فإنك ستترك دفتى الكتاب كما تتركك الأحزان ...
أحمد: (ينظر بأمل) وهل ستنقشع أحزانى ؟
العجوز: (يتكأ على عصاه ويستعد للرحيل) إذا خابت ظنون أمواج القدر فيك. 
      (يرحل...)
أحمد: إلى أين سترحل؟
العجوزلاتنس أنى عابر سبيل....(يتوقف بعد برهة من الرحيل كأنه نسى شئ)
 آه .. نسيت ... أنت محق, بقعة الماء تلك هى مجرد سراب, لكن هناك خلف النخلة يوجد بئر ماء عزب...!)

(يرحل وتتبعه نظرات أحمد, متفكرا فى حديثه, حتى يختفى بين الكثبان )